قصر كلاسيكى بسينما ومسرح
منى صلاح الدين
أمام جامع النور بالعباسية، يقف قصر طلعت باشا حرب، شاهدًا على حياة رائد الاقتصاد المصري، قصر على طراز النيو كلاسيك، الذى انتقل من أوروبا لمصر فى القرن 19 بأعمدته ذات الطابع الإغريقى والرومانى، والأشكال الهندسية الواضحة. هو الآن مقر لكلية التربية النوعية بجامعة عين شمس، ويؤكد محمود نبيل إبراهيم، حفيد طلعت باشا حرب، أن هذا القصر الذى يحمل رقم 365 شارع رمسيس «الملكة نازلى سابقًا»، قد بنى قبل عام 1920، لكنه لا يعرف المعمارى الذى شيده، ولم يُسجل كأثر، كما لم يُسجل ضمن قائمة المبانى ذات الطابع التاريخى المتميز، التى تتبع الجهاز القومى للتنسيق الحضارى!.
الأمر نفسه ينطبق على المنزل ذى القيمة التاريخية والمعمارية والفنية الفريدة، رقم 3 بشارع قصر الشوق بالجمالية، الذى ولد ونشأ فيه طلعت حرب، ويقال إن هذا المنزل كان يمتلكه أحد التجار، ويسمى صقر بك، والبيت لايزال قائمًا، ولكنه تأثر بزلزال 1992، وله مدخلان وبه مشربيات مميزة، تدل على أن بناءه قد يرجع للعصر المملوكى، بما يعنى أن عمره قد يتجاوز 700 عام، كما يؤكد الحفيد محمود نبيل.
«محمود نبيل إبراهيم» المصرفى الدولى.. جدته هى خديجة طلعت حرب.. ابنة طلعت باشا حرب، ووالدة السيدة «نادية محمود سامى» والدة محمود، ويحكى أنه بعد وفاة زوج «خديجة» عام 1938 وكان رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى وبنك مصر، طلب منها والدها طلعت باشا أن تنتقل هى وأولادها للعيش معه فى منزله بالعباسية.. وبهذا عاشت والدته السيدة «نادية» فى هذا المنزل «القصر» حوالى 20 سنة بعد وفاة طلعت حرب عام 1941، حتى فوجئت عام 1957 بقرار نزع البيت لصالح وزارة المالية التى أعطت حق الانتفاع به لجامعة عين شمس.
«وقد سقط حقنا فى التقاضى لاستعادة القصر بانقضاء المدة القانونية لرفع الدعوى» يعلق محمود.
أعمدة إغريقية رومانية
يتكون القصر من بدروم وطابقين وتراس، وحديقة وقاعة سينما وقاعة مسرح، شيد على طراز النيو كلاسيك، الذى جاء من أوروبا لمصر خلال القرن التاسع عشر، وانتشر فى القاهرة، إحياءً للفن الإغريقى والرومانى فى العمارة، الذى يتميز بالأعمدة الأيونية والكرونسية المميزة لهذا الفن.
ويتميز هذا القصر بأعمدته ذات الطابع الإغريقى والرومانى، الموجودة بتراس الطابقين الأول والثانى، كما نلاحظ استخدام الأشكال الهندسية، فى عمارة القصر، والتى تظهر فى شكل العقود النصف دائرية، بينما تنتهى أعمدة الطابق الثانى بكمر مستقيم من الأعلى، وتأخذ نوافذه وشبابيك التراسات الشكل المستطيل.
ويزين التراسات وسلم القصر الداخلى درابزين معدنى مميز بزخارف تجريدية، وللقصر باب من المعدن والزجاج، يتكون من ضلفتين، يعلوهما عقد نصف دائرى.
يستقبلك بالداخل بهو مستطيل، به أعمدة كلاسيكية محمولة على قواعد ضخمة مستطيلة، وتفتح عليه حجرات الطابق الأول، ويأخذك سلم من الرخام الكرارة إلى الطابق الثانى، ويطل السلم على إحدى واجهات القصر، بنوافذ من الزجاج الملون المعشق فى المعدن، والنوافذ مشكلة على هيئة أشكال هندسية من دوائر ومستطيلات، تستقبل أشعة الشمس فتنير سلم القصر الداخلى.
أما نوافذ التراسات وشبابيك القصر، فمن الخشب الشيش العادى، ومن الداخل من الخشب والزجاج، بأشكال المربعات والمستطيلات.
«سينما العرض الأول لأفلام ستديو مصر»
يروى حفيد طلعت حرب «محمود نبيل»، إن طلعت حرب أنشأ بالقصر مسرحًا وقاعة سينما، وأم كلثوم وعبدالوهاب قد غنيا على هذا المسرح فى إحدى الحفلات والأمسيات الثقافية التى كان يقيمها طلعت حرب، بينما شهدت قاعة السينما عرض أول فيلم لأم كلثوم وهو فيلم «وداد».
ولدى الأستاذ محمود مجموعة صور للمسرح ولقاعة السينما أو الاستوديو الذى أنشأه طلعت حرب، ليشاهد الأفلام التى ينتجها ستديو مصر، قبل أن تعرض فى دور العرض، «العرض الأول» بلغة السينمائيين.
«لدى صورة للأمير فيصل قبلما يصبح ملكا وهو يجرى مباحثات بالقصر مع جدى طلعت حرب، وغيرها من الصور التى تشهد قيمة هذا البيت، الذى وجدته فى حال يرثى لها، خاصة بعدما شاهدت الاستوديو، والمسرح، وقاعة المناسبات محترقة تماما!».
يقول محمود: «أتمنى من الرئيس عبدالفتاح السيسى، ابن الجمالية مثل جدى طلعت باشا حرب، أن يضيف إلى إنجازاته المميزة مشروع ترميم بيت طلعت حرب وتحويله إلى متحف، هدية لمصر، مع الاحتفال بمئوية بنك مصر، للحفاظ على هذا الجزء من تاريخنا، وإلا سيضيع شاهد على وطنية هذا الرجل للأبد».
يحلم محمود بأن يتحول هذا القصر إلى متحف، يحمل تاريخ نهضة مصر الاقتصادية، منذ نشأة بنك مصر على يد طلعت باشا، وإنشاء العديد من الشركات التى تحمل اسم مصر، مثل شركة مصر للغزل والنسيج، وشركة مصر للتأمين، وشركة مصر للطيران وغيرها.
كما يتمنى أن يحوى المتحف مقتنيات طلعت حرب الموجودة فى المركز الرئيسى لبنك مصر فى وسط القاهرة، وأن يتواكب افتتاح المتحف مع الاحتفال بمئوية بنك مصر فى 2020، وأن يتم ترميم القصر، حيث تعرضت قاعة السينما لحريق كبير، ولم يتبق منها سوى عدسات كاميرات عرض الأفلام، «شهد القصر وأروقته العديد من الأحداث السياسية والاجتماعات مع شخصيات تاريخية، كما شهدت حديقته التى كانت منسقة على الطراز الفرنسى الكثير من الاحتفالات، وخاصة مآدب الإفطار التى كان يقيمها طلعت حرب لموظفى بنك مصر».
يستطرد محمود: «البيت ملك الدولة وأنا لا أريد شيئا سوى مصلحة البلد، وأتمنى أن يظل البيت حقًا للدولة، ومثل كل البلدان التى تحافظ على تراثها كثروة قومية تجعل منه متحفًا للحفاظ على تاريخ مصر، وتجديد درس الولاء للوطن للجيل الحالى والأجيال القادمة».