السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مثلث إفساد الملائكة..

مثلث إفساد الملائكة..
مثلث إفساد الملائكة..


وصلت الخبيرة الأجنبية القاهرة، وأنهت مهمتها التدريبية والإشرافية، بين تجاهلها التام لصديقتى.. ورغبتها الواضحة فى تصغير دورها! ثم تَغيَّرَ السيناريو فجأة، وأظهرتْ توددًا نحوها فى محاولة لكسب ثقتها، قبلما تُخبرها عن قرار مجلس الإدارة بتعيين خبير خارجى للقطاع، مثلما فاجأتها بوجود شابة صغيرة بصحبتها، وعرَّفتها عليها باعتبارها المساعدة! على أمل أن تستجيب صديقتى لهذه القرارات كأمْرٍ واقع، وتقبل وجود هذه الشابة المفروضة عليها، كمقدمة لتقبل قرار مجلس الإدارة بحصول الخبيرة على الوظيفة التى كتبتها وقامت بتفصيل محتواها لتناسبها كأجنبية!

قلت لها: وكيف تسمحين لها بكتابة الوظيفة وهى لا تدرك خصوصية طلبات التوظيف لدينا؟ بل كيف سمحتِ بفتح الوظيفة وأنتِ تقومين بها؟ ضغطتْ على كوب القهوة الذى بيدها وكأنها تقهر غضبها، ثم قالت: ألمْ أخبرك أننى تعرضتُ لمؤامرة رباعية لإزاحتى عن عملى؟ من الخواجة المقيم بالقاهرة لتمكين زميلته وتحطيم ثقتى بنفسى، ومن الهيئة الأجنبية التى تدير مشروع الإصلاح بالجمعية وتعلم مكامن قوتها وضعفها.. وهى التى اقترحت وجود هذه الوظيفة، ومن أعضاء مجلس الإدارة الذين أبدَى أحدهم استعداده للتعاون مع الخواجات.. رُغْمَ إدراكه بمسألة طمَعِهم فى وظيفتى، ومن المدير العام الذى كان لا يرفض أى قرار ضد الموظفين طالما لا يمسسه، لإظهار تعاونه؛ خصوصًا أنه كان يأمل فى الحصول على راتب كمدير برنامج الإصلاح المصرى، وفى الوقت نفسه يَخشَى أن يأخذ الخواجة المقيم بالقاهرة دوره.. بعدما اكتشف الجميع أن أسلوب إدارته بفريقه ومساعديه هو المتسبب فى انهيار هذه الجمعية رُغم تاريخها الطويل وسمعتها فى العمل التنموى!
رسالة للنائب العام
وثانية ما ألمحتُ لها بعدم اعتقادى فى نظرية المؤامرة، وبمنتهى الجدية قالت: أية مؤامرة؟ أنا أحدثك عن وقائع خطة إصلاح لا تقل ميزانيتها عن مليون جنيه قابلة للتجديد! انتبه ذهنى للرقم! فقالت: أومَّال أنا بحكى فى إيه من بدرى؟ الكل طمعان فى الفلوس؛ خصوصًا أن راتب وظيفة مدير التواصل كبير جدّا، وأظن أن الخبيرة كانت ستحصل على مبلغ أكبر كاستشارية ومديرة! وبلهفة، اهتممتُ لمعرفة كم كانت تقبض هى؟ فأطلقت ابتسامة ساخرة، وهى ترفع ساقها اليُمنى فوق اليُسرى وتخبط ركبتها، قائلة: اتركى هذا الموضوع جانبًا، وأعدكُ أننى سأفاجئك!
مستطردة: لا أنسى ابتسامة الخواجة وهو يخبرنى بحجم راتبى بعد إضافة مكافأة برنامج الإصلاح! ثم تعتدل فى جلستها وتواجهنى قائلة: ذُهِلتُ حينما اعتذر لى عن راتبى الهزيل، وكيف سيضمن لى البرنامج مكافأة تعادل راتبى الأساسى.. بعدها أدركتُ سِرَّ مقاومة الهيئة الأجنبية لى؛ فإذا كانت جمعيتى لا تعاملنى كمديرة، فلماذا تمنحنى الهيئة راتب المديرة؟
 سألتُها: لماذا لا تقدرك جمعيتك؟ فقالتْ: أعتقد أننى أوضحتُ لكِ ما فيه الكفاية. واستطردتْ: ماذا تتوقعين من إدارة تدير مكانًا منذ ما يزيد على أربعين عامًا؟ تجمد رجالها ولم يعد لديهم شىء سوى تسيير الأمور، بينما ماتت القدرة على التعلم، وأصبح جمعُ المال هو أنشط مهاراتهم! يجلسون فوق تلال من التمويلات، ويتلاعبون فى تحويلات البنوك، والرواتب، ولا يكافئون سوى تلاميذهم من الزملاء الذين يعتبرونهم قدوة فى ابتزاز العملاء، ودفْع الآلاف للمزاج الشخصى! يدافعون عنهم ويتسترون على مصائبهم، نظير المكافآت التى تهطل عليهم، رُغم أن الرشاوَى تقتطع من رواتبهم أيضًا! فالكبار لا يمدون أياديهم على رواتبهم التى تتجاوز المتوقع والمحتمل، ويدفعون الرشاوى والهدايا وكل مصروفاتهم، من رواتبنا التى يرسلونها للممولين بمبالغ ضخمة، ويستولون على تسعة أعشارها لصالحهم! وبتهكم: حاليًا.. تتردد الشائعات عن قيام أحدهم بتحويل مليون يورو إلى حسابه الشخصى بالجنيه المصرى! من أين له هذا؟! ابتسمتُ ساخرة، وأجبتُها: بتسألينى أنا؟ اسألى الجهات المختصة والوزارة.. فقالت: بل هى رسالة للنائب العام! هؤلاء الناس لا يخشون أحدًا، رُغم أن جرائمهم كفيلة بسجنهم ومصادرة أموالهم! ولهذا يتمسكون بمقاعدهم ويرفضون الرحيل.. بمساعدة فريق المنافقين من الموظفين، ومجلس الإدارة الذى يجىء بمعرفتهم!
مصير مَن يحارب الفساد
لاحظتُ توترها، فحذّرتُها من مصير المديرَين السابقَين اللذين أخبرتنى يومًا أنهما ماتا مغبونين لفشلهما فى القضاء على الفساد الذى لمساه بهذا المكان على يد المديرين الثلاثة وأعوانهم!
تبتسم وتقول: عندك حق، ولا تتخيلى كم سعادتهم حينما يسمعون هذه الاتهامات!
فقلتُ: يا ساتر يارب.. بدلًا من تأنيب الضمير؟!
وساخرة، تجيبنى: أى ضمير؟ الفلوس والسُّلطة والنساء.. مثلث يفسد الملائكة إذا امتلكت السُّلطة المطلقة لمدة أربعين سنة! مستطردة: نعود للخواجات.. فرُغم ما فعلوه، لكن الحديث عنهم يثير حماسى!
 فسألتها: أى حماس؟ بل شكرًا لجمعيتك التى كشفت فسادهم أيضًا! تضحك عاليًا، ثم تستكمل: بعد عودته لوطنه، أرسل مدير الهيئة الأجنبية تقريرًا عن زيارته هو وفريقه لجمعيتنا، مرفقًا اسمى وأسماء زملائى، والإدارة التنفيذية، ومجلس الإدارة، والشركاء الممولين، موجّهًا لومًا قاسيًا للجمعية التى ترفض التطوير، ولا يفتح أفرادها أذرعتهم للقدرات الشابة لتجديد ذلك المكان الذى شاخ، مشيرًا لرفضى وجود الشابة التى حاول هو وخبيرة التواصل الاستعانة بها!
أخبرتنى أنها قامتْ بالرد على المدير الأجنبى، مرفِقة الشخصيات نفسها التى ذكرها، وبكل ثقة أخبرته أن رأيه حق يُراد به باطل، قائلة: نعم، جمعيتنا فى حاجة لتجديد الدماء، بشرط أن نختار نحن من يعمل معنا؛ لأنه ليس من المعتاد أن تقوم الهيئة الاستشارية بفرض أشخاص بمعرفتها، بحجة التجديد؛ لأننا الذين سنتعامل معهم وليس أنتم! ثم اختتمت بريدها قائلة: أنا لم أرفض الشابة ولكنى رفضت الأسلوب غير الاحترافى الذى حاولتم فرضها به علىّ!
 قبِلت صديقتى سعيدة بما كتبته للرجل، فضحكت وقالت: ولكننى أثرتُ المزيد من غضبهم، فاشتكونى لعضو مجلس الإدارة المتعاون معهم، فاتصل بالمدير موجّهًا لومًا شديدًا للهجتى القاسية فى الرد على الخواجات، متهمًا إياى بالعنف والتعالى عليهم! عُقدة الخواجة دى ولا إيه؟ سألتها، فقالت: كل هذا لا يقارن بما ذكرته الخبيرة الأجنبية فى تقريرها المطول.