الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صفحة من تاريخ مصر

صفحة من تاريخ مصر
صفحة من تاريخ مصر


[if gte mso 9]>

Normal
0


false
false
false







MicrosoftInternetExplorer4

[if gte mso 9]>




 
«اسمحوا لى أن أفتخر بأننى من مصر، أن أقول بإننى سعيد لأننى من أبنائها وما أحوجنا أن نشيع بيننا هذا الشعور، أننا لا نقدر النعم التى فى أيدينا حق قدرها فلا يعرف الناس أمة كأمتنا حافظت على الصميم من شخصيتها وعلى اتصال تاريخها عبر القرون تقوم من حولها جماعات وتفنى وتبقى هى، إن هذه العيون الفرعونية التى تتطلع فى تماثيل تجللها السكينة والجلال معا نحو الأفق البعيد تعبيراً عن إحساسها بالموقع والكون، باليوم والدهر، انسجام قوانين الإنسان وقوانين الطبيعة، الاعتراف بعظمة الخالق وطاقة الإنسان الجمع العجيب بين المادة والروح إنما هى عيون مصرى لم تنطفئ قط».
هذه كلمات الأستاذ الأديب الدبلوماسى «يحيى حقى» من كتاباته عن «صفحات من تاريخ مصر» اخترت منها صفحة من هذا التاريخ العظيم.
∎ ثورة سنة 1919
هى ثورة شعب،الفلاحون وقودها لولاهم لما اشتعلت هذا الاشتعال، وحين يهتف هؤلاء الفلاحون بالحرية والاستقلال فإنما كانوا يهتفون: نحن هنا، طال نسيانكم لنا نسيانا أشبه شىء بالاحتقار، لنضع جميعا أيدينا معا ليكون مرد الحكم إلى الشعب، لالشهوة الحكم بل لإقامة العدل ولتحقيق التكافل الاجتماعى ولأنها ثورة شعب فقد كان لزاما أن يتحد فى عنصر واحد، ينتمى إلى الوطن، ويتجمع فيه دين «محمد صلى الله عليه وسلم» ودين «عيسى» عليه السلام زالت الفرقة واختفى الشقاق، أصبح نشازا مضحكا وكذبا سخيفا وصف هذا الشعب بكلمة غوغاء أو رعاع احتل أخيرا مكانه فى الميزان.
عن هذا الشعب وإلى هذا الشعب كتبت المدرسة الحديثة وغنى سيد درويش ونظم بيرم التونسى ونحت المثال مختار، وجدوا جميعا الأرض الصلبة التى يقفون عليها المجتمع الذى يستقون منه النغم الذى يترنمون به، الوحى الذى يسترشدون به كلهم من دعاة التجديد المعبر فى الوقت ذاته عن الأصالة.
ويكمل الشاهد على وجدان الشعب يحيى حقى، حين نتحدث عن ثورة 1919 تتبادر للذهن أولا صورة معركة بين جيش بريطانى مدجج بالسلاح وشعب أعزل لم يرهب الرصاص والمشانق وعذاب السجون وانقطاع الرزق، صور قتلى وجرحى، ودم مراق، وقضبان مخلوعة وترام محروق، ومصابيح مكسرة  ومدارس معطلة ومكاتب خاوية وصحف مكممة وأحكام عرفية، هذا هو ما يعلق به التصور أولا وتدور حوله الأحاديث العمل بالعنف المشروع لدحر عنف اعتداء إجرامى ولكن هذا العنف هو المظهر الخارجى لثورة 1919 أهم من هذا كله هى فى المحل الأول قلب صفحة جديدة كل الجدة فى حياة مصر إنها مولد جديد للأمة.
∎ صفحة جديدة
يحدثنا الكاتب يحيى حقى عن ثورة 1919أنها فتحت صفحة جديدة لا علاقة لها بالصفحة السابقة إبدال مناخ بمناخ مخالف كل الاختلاف، هذا هو معنى الثورة أما العنف فهو مظهرها الخارجى وبعد أن كان المعترك السياسى ثلاثيا العرش الشعب «الإنجليز» أصبح ثنائيا الشعب والإنجليز وجها لوجه، وإذا كان الشعب المصرى لم يصدر إليه توجيه واضح فإنه فهم الموقف بغريزته فقد مزقت المظاهرات جريدة المقطم ربيبة الإنجليز ولكنها لم تهتف بسقوط السلطان فؤاد رغم كراهية الشعب له رغم قراءته لأزجال بيرم التونسى الناطقة بأفحش سب للسلطان فؤاد فماذا فعل السلطان حين أهمله الشعب تمام الإهمال؟!
 
إنه رجل شديد الذكاء شديد الاعتزاز بنفسه وثقافته الأوروبية وهداه ذكاؤه إلى أن أفضل سياسة يتبعها أن يتقوقع فى قصر عابدين يتخفى به ماذا يضيره؟! إنه يعيش فى نعيم يعلم أكيد أنه لن يغيب اليوم الذى سيلجأ إليه الطرفان أو على الأقل أحد الطرفين وحين يمد الشعب يده سيعرف كيف يصافحها باحتقار ثم يقبض عليها بقوة ثم يلويها بشدة أما يد الإنجليز فيقابلها بالخشوع لأنها أقوى من يد الشعب، بل لأن الخواجات مقامات وأولاد الفلاحين مقامات.
 
حين فتحت ثورة سنة 1919 صفحة جديدة فى حياة مصر طوت مع الصفحة السابقة أشياء فرحنا باختفائها أهما النزاع الطائفى.


∎ صلابة الشعب عراقته وقدراته
يحدثنا الأستاذ يحيى حقى عن الشعب المصرى فى كلماته: يحار الأعداء والأصدقاء أيضا فى فهم مسلك الشعب المصرى وقت الأزمة وعند الشدة، يخدعهم انبساط أرضه ولين طبعه، كراهيته للعنف، تحرره كل التحرر من التعصب حتى لنفسه فيظنوه هشا مفككا لاهيا قانعا بيومه أيا كان حاملا وزره على محمل القدر، وغضبه كغضب الأطفال سريع الاشتعال سريع الانطفاء لأنهم لم يروا منه هذا الجبل الغارق فى غيابات التاريخ  إلا قمته المخروطية الطافية، براءتها تخفى هديرها وغابت عنهم صلابة هذا الشعب وعراقته وقدراته الكامنة نسوا أن مصر ملكت شخصيتها واتصلت حضاراتها منذ فجر التاريخ فليس  حسابها كأى بلد آخر.
وعن سجل الشعب المصرى، يحدثنا الشاهد على وجدان هذا الشعب.
 أى عجب لم يترك غير هذا الشعب سجلا كاملا باقيا على الدهر مستوعبا لجميع معيشته ومعتقداته علومه وفنونه، علمه ولهوه، ما من ساعة من عمره إلا قلنا كيف كان يقضيها وما من مهنة مهما هانت إلا كان لها نصيب فى هذا السجل.
شعب يهيم بالمثل العليا والحدود القصوى، يأنف القليل والدنىء إن مقبرة فهى الهرم الأكبر.. إن معبد.. فهو فى الأقصر بمساحته الشاسعة وأعمدته الفخمة.
إن تمثال.. فالذى تراه فى أبى سنبل، لم يتضخم رأس إنسان ألف مرة إلا عنده.. كما ترى فى أبى الهول.. هذه الخصلة لصقت بطبعه هيهات أن يبليها كر الأيام تغمض العين ثم تفتحها على هذا الشعب بعد أن أشرق فى سمائه نور الإسلام فنرى مسجد ابن طولون كأنه معد لمن أراد أن يصلى الجمعة من أهل العاصمة كلها ومسجد السلطان حسن بقوسه العظيم ومئذنته التى علت جميع مآذن العالم الإسلامى.
∎ا زدهار وانكسار
من تاريخ  الثورات تعرف أن كل ثورة شعبية  لها ازدهار خصوصا مع بدايتها لكنها تواجه انكسارات فى طريقها لتحقيق مطالبها وقد كتب الأستاذ يحيى حقى عن لحظة انكسار من انكسارات ثورة 9191 عندما لجأ الزعيم سعد زغلول إلى السلطان فؤاد شاكيا بحزن شديد وغم كبير وخيبة أمل فظيعة وحين قرأنا قوله فى بدء عريضة:يا عظمة السلطان أدركنا إن هذا هو أول مسمار يدق فى نعش الثورة فمنذ ذلك اليوم النحس تزايدت قدرة السلطان فؤاد ونفوذه وسيلعب بالدستور فيعطله وبالبرلمان فيحله وينشىء حزبا ينتمى إليه ثم يقول بعظمة أنه لا يسمح لوزير أن يستقيل هو الذى يقيله.
أكمل الحديث عن انكسارات ثورة 9191 للكاتب والباحث «رشاد كامل» من كتابه القيم «مصر بين دستورين» فقد تحقق تنبؤ الشعب بلعب السلطان فؤاد بالدستور وقد أصبح ملقبا بالملك زاد نفوذه فألغى دستور الثورة الذى صدر رغم أنفه سنة 3291 بواسطة صدقى باشا الذى اختاره رئيسا للوزراء، وكان مثله لا يحب الشعب، وعمل صدقى دستورا على مقاس الملك فؤاد وليس على مقاس الشعب، عمل على أن يكون لصاحب العرش سلطات واسعة عما كانت عليه فى دستور الثورة، وصدر دستور 0391 المعروف فى التاريخ باسم دستور صدقى باشا، الدستور سيئ السمعة على المستويين السياسى والشعبى، ولم يسكت شعب مصر على هذه الجريمة وقامت المظاهرات تعم بلاد مصر ولم تبق حكومة صدقى باشا سوى ثلاث سنوات، فقد بدأت الخلافات والعقبات  تتراكم عليه، فهو لم يستطع إقناع الشعب بحلاوة دستور 0391 وأنه أفضل من دستور 3291 كما واجه تحقيقات نيابية عن عدة وقائع وقد أصيب بشلل نصفى أقعده.. وتخلى الملك فؤاد كما غيرت الحكومة البريطانية مندوبها السامى فى مصر وكان إيذانا بتغير الحكومة فقدم صدقى باشا استقالته وقد ألغى دستور صدقى عام 4391 وأعيد لمصر دستور الأمة دستور 1923 وظل قائما إلى أن قامت ثورة يوليو 1952 وكان لابد من إلغاء دستور الملكية مهما كان دستوراً للأمة كلها لدستور الثورة ليعيش شعب مصر فترة جديدة من الازدهار ينعم بها قبل أن يبتلى بما تبتلى به الثورات من انكسارات.∎