الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أيام.. الله لا يعيدها


يتذكر من عايش الأحداث، كيف سيطرت الكآبة والوجوم على الشارع المصرى ليلة الإعلان الدستورى الذى أصدره محمد مرسى «مندوب الإخوان فى القصر الرئاسى».. محصنًا قراراته من الطعن عليها، وليلة محاصرة المحكمة الدستورية العليا، ودار القضاء العالى، ومحاولة عزل النائب العام، وتمكين أعضاء الجماعة من تقلُّد أعلى المناصب فى مختلف الجهات القضائية، بل محاولات اغتيال القضاة، وغيرها من صور التآمر على القضاء المصرى، فتحولت الشوارع لمآتم عامة.. حيث الكل يتحاشى الكلام والنظر فى عيون بعضنا البعض، لئلا نرى «الخيبة» التى انتهينا إليها!

 دونما إنكار للدور الذى ساهمت به وسائل الإعلام على تنوعها واختلافها فى كشف الإخوان وفضح سلوكهم، وادعائهم بالتديُّن والفضيلة، وكيف صار البلد مرتعًا لهم، وعلى الآخرين تقديم فروض السمع والطاعة، تمت مهاجمة الإعلام، وشيطنته، واتهام العاملين فى مؤسساته بالعداوة للشرعية.  بين نفاق من نافقهم من مختلف الفئات لتيسير مصالحه، ومن عاداهم كارهًا رؤية مصر مرتدية ثوب الحداد، فى تلك الأيام.. الله لا يعيدها!
قصم ظهر المصريين
وقد بدا وصول الإخوان للحكم بمثابة إحياء للعِداء القديم بينهم وبين القضاء المصرى منذ أربعينيات القرن الماضى - رغم اغتيالهم القاضى أحمد الخازندار.. لمجرد قيامه بنظر قضية تفجير سينما مترو التى اتهمت فيها الجماعة - ثم اتضح أن أعضاء مكتب الإرشاد لم ينسوا تلك الواقعة وغيرها من الوقائع التى تعاملوا معها كثأر بائت بينهم وبين القضاء المصرى، فخيّل إليهم أن وجودهم فى قصر الاتحادية يعنى أن الفرصة سنحت لهم بالانتقام.. من خلال سن القوانين والقرارات التى تمكنهم من الاستيلاء على حكم مصر لمدة 500 عام - كما جاء على لسان رجلهم الأول خيرت الشاطر- ومن خلال الأوامر التى صدرت إلى محمد مرسى لتقنينها.
 وهكذا فوجئنا به يبدأ أول قرارات حكمه بمخالفة قضائية صريحة تمثلت فى إصدار قرار بعودة مجلس الشعب المنحل بأمر المحكمة الدستورية العليا، دعوته للانعقاد لحين إجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة... بعد يناير2011، فتصدت المحكمة الدستورية للقرار وقامت بإلغائه!
 وتوالت محاولات مكتب الإرشاد لقصم ظهر القضاء والشعب المصرى، مرة بمحاولة عزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه.. ومنحه وظيفة سفير فى الفاتيكان، (ومرة بعد زوال حكمهم باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات فى يونيو2015).. ما أثار سخط وغضب رجال القضاء والشعب، ومرة بقيامهم تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية لإعداد الدستور.. بحيث لا يجوز حل أى منها.
ليلة لم تنم فيها مصر
 ثم جاء الإعلان الدستورى الذى ألقاه مرسى مساء 22 نوفمبر 2012.. تلك الليلة التى لم تنم فيها مصر غضبًا وسخطًا، لما تضمنه ذلك الإعلان من صلاحيات مطلقة منحها الرجل لنفسه، واصفًا إياها بالقرارات الثورية، لتكون قرارات وقوانين نهائية، ونافذة وغير قابلة للطعن.. محصنًا الإعلانات الدستورية التى قررها منذ توليه السلطة، بحيث لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضى جميع الدعاوى بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية، لينفرد بالسلطة المطلقة بلا رقيب حتى تتم كتابة الدستور، وانتخاب مجلس شعب جديد، وفى ذلك تحصين لم يحدث من قبل لأى رئيس دولة بالعالم.. فشبهه الناس بالفرعون!
 حصار الدستورية وعزل النائب العام
مثلما كان الإعلان الدستورى بمثابة ميلاد تمرد الشعب المصرى، لم ينس الشعب - أيضًا -  قيام الإخوان  بحصار المحكمة الدستورية العليا لمدة 18 يومًا لمنع قضاتها من ممارسة أعمالهم، والادعاء بتعديل قانون السلطة القضائية والحقيقة أنه كان يهدف إلى عزل ربع القضاة من خلال تخفيض سن تقاعدهم من 70 إلى 60 سنة، مما يؤدى إلى عزل حوالى 3500 قاض من وظيفتهم، ما اعتبر هجومًا كاسحًا وفاضحًا على السلطة القضائية لولا تصدى نادى القضاة لتلك القرارات.. فى واقعة مؤسفة تم بثها عبر الإعلام الساخط على تجاهل مكتب الإرشاد لطبيعة الشعب المصرى الذى قد يقبل الخضوع بإرادته لمن يحب، ولكنه بكل قوة يلفظ من يستهين بصبره ويعتبره مجرد وسيلة أو رقم فى صناديق الانتخابات.. ولا يرى الوطن إلا مجرد حفنة تراب. كما كان المرشد السابق يرى مرددًا مقولته الشهيرة: «طظ فى مصر»!
محاصرة دار القضاء العالى، وإلقاء الأطفال من فوق أسطح البيوت بواسطة آلات بشرية ترفض الديمقراطية إن أنتجت أصواتًا مخالفة لرغبتها، وتهلل تشجيعًا لقرار مرسى بعزل النائب العام، وتتظاهر فى الميادين تحت شعار المليونيات - التى تعلمتها من شباب الميدان - ضد القضاة المناهضين لقرارات الإخوان، رغم استبعاد سبعة منهم.. أشهرهم المستشارة تهانى الجبالى التى تم اختراع قانون خاص لإقصائها من المحكمة الدستورية العليا، عُرِفَ باسم «قانون تهانى»..
اخترعه الإخوان انتقاصًا من كيانها كامرأة، وإيمانًا منهم بأن المرأة لا تصلح قاضية!
 فى وجود حركة قضاة من أجل مصر التى ضمت القضاة الإخوان، ووزير العدل أحمد مكى الذى اشتُهر بمعارضته لحكم مبارك.. وأغمض عينيه عن جرائم الإخوان.. رغم أنه رجل القضاء و«الشرعية».. تلك الكلمة التى حولها مرسى إلى مصدر للسخرية بعدما كررها حوالى ٥٩ مرة فى خطاب مدته ثلاثة أرباع ساعة متحدثًا عن شرعية وجوده.. مهددًا الشعب بالعنف والتنكيل فى حال قرر التظاهر ضده، منذ اكتشف المصريون كذب وعوده الرئاسية.. منذ سقوطه فى أول اختبار بتحقيق مشروع النهضة..
تعالى وأنا أقولك فين..
تلك الأيام، التى سجلت وسائل الإعلام وقائعها الهزلية والدموية صوتًا وصورة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعى، فمن داخل مجلس الشعب وخارجه كشفت لنا تدنى مستوى النواب الذين يمثلوننا وهم نيام فوق مقاعدهم، والنائب الذى كذب بشأن عملية تجميل فى أنفه، والنائب الذى قبض عليه الأمن فى موقع مخل بالآداب... فلم يكره أحد الإعلام مثلما كرهه الإخوان منذ افتضاح أحداث كتابة دستور الإخوان/الغريانى فى نوفمبر ٢٠١٢ وما صاحب ذلك من مهازل الجمعية التأسيسية.. وغيرها!
  ولانزال نتذكر كيف مد الشيخ حازم أبوإسماعيل - أحد المرشحين الرئاسيين - ممارسات الترويع ضد الشعب المصرى الرافض للأخونة.. لتطول الإعلام والإعلاميين الذين ظلوا ينادون بمدنية مصر، ولم يخافوا من السيوف ولا الذقون ولا الأصوات المنفرة التى كانت تتوعدهم وتهددهم.. فحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى لإخراس ألسنتهم، متمنيًا هو ورجاله أن يطالوا بعضهم، ممن علت أصواتهم رفضًا للحكم الدينى فى مصر، بعد تمكين الأهل والعشيرة فى كل المواقع الحيوية بأجهزة الدولة!
 ورغم هذا.. توالت الفضائح التى كشفت ادعاء جماعة الإخوان بشأن جاهزيتها لتولى حكم مصر كجماعة منظمة.. وخاصة حينما فاجأ مرسى الشعب بفضيحة البث المباشر لأحداث مؤتمر يعرض خطة الدولة فى التعامل مع إثيوبيا حول أزمة سد النهضة، ما أضحك العالم كله علينا، وأظهر مصر بصورة مخجلة كشفت عدم لياقة الجماعة لتولى حكم مصر، وتم تصعيد الدعوة بالنزول فى مظاهرات ضد حكم المرشد.
 لم تكن تلك الحادثة الإعلامية هى الأولى التى تغضب المصريين الذين كانوا يتابعون كيف تآمرت الجماعة على الإعلام منذ قامت بتشكيل فريق الهيئة العليا للمجلس الأعلى للصحافة برئاسة د. أحمد فهمى عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة الإخوانى، وتعيين قطب العربى «العضو البارز بالجماعة» فى منصب الأمين المساعد للمجلس، وفتحى شهاب الدين كمسئول لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى.. مع إصدار جريدة الحرية والعدالة الناطقة باسم الحزب؛ للترويج لسياسات الإخوان التى لم تفلح.
ورغم تعيين صلاح عبدالمقصود كأول وزير إعلام فى وزارة الإخوان.. والذى ساهم فى تحويل أروقة ماسبيرو لحائط عرض شتائم وسباب الموظفين الإخوان.. الذين لم يتجرأوا يومًا على الإفصاح عن انتمائهم الإخوانى، حتى قال: واللهِ أنا لو عندى إخوان فى ماسبيرو لأعطيتهم الأولوية فى التعيين!
  ولأن «الجواب يبان من عنوانه».. فقد ساهم هذا الوزير فى الإساءة لأخلاقيات الإخوان حينما يتولون المسئولية، ولا ينسى المصريون أنه أول وزير مصرى يلقب بوزير التحرش.. صاحب الجملة الشهيرة: «تعالى وأنا أقولك فين» التى قالها ردًا على أسئلة صحفية مصرية، و«ياريت الأسئلة ماتكونش سخنة زيك» ردًا على مذيعة أحد البرامج التليفزيونية!  أما كيف ولماذا تغيرت مواقف بعض الإعلاميين ولم تعد مفهومة.. رغم مساهمتهم القوية والحاسمة فى إزاحة الإخوان قبل 30 يونيه؟ فالرد ببساطة يقول إن هؤلاء هم الطابور الخامس.. ومعناه ببساطة أن يكون الشخص معك وعليك فى نفس الوقت، ليبدد طاقتك وتفكيرك.. مثلما حدث فى تلك الأيام .. الله لا يعيدها!
 لماذا رفض الشعب الإخوان؟
يحق لنا السؤال الآن: لماذا لم ينجح الإخوان؟ وتلك محاولة للإجابة: ربما لأن الشعب توسم بهم النظام والخبرة والتأهيل الممزوج بالرحمة والدين، ولكنه لم يجد سوى الدم والنار، وصفع النساء الرمز مثلما حدث مع شاهندة مقلد وغيرها، والإذلال بالفقر(جبنة نستو يا معفنين؟) واغتصاب النساء وسحل وضرب الرجال وتعريتهم فى الشارع لمجرد الاختلاف السياسى، واستسهال القتل والترهيب والترويع والإهانة، والشوق للدم، وخطط الحرب وحمل السلاح بين صفوف المصريين وليس فى وجه العدو.. مثلما رأينا فى اعتصام رابعة الدموى الذى نقل لنا صورة مصغرة لأعمال داعش فى سوريا والعراق.. باسم الدين، فلماذا يقبلهم المصريون؟
بينما  كان محمد مرسى - الرجل المخلص لجماعته - يصلح كخطيب جامع وليس رئيسًا لمصر، فانتقده الشعب لسلوكه العشوائى حينما نظر فى ساعته أثناء لقائه الصحفى مع أنجيلا ميركل التى ابتسمت لتصرف الرجل غير الدبلوماسى، وانتقده الشعب حينما تصرف بشكل أقرب لرجل الشارع حينما لا يخجل من حك منطقة ما فى جسده على الملأ، فما بالنا لو فعل ذلك فى لقاء مع كاترين أشتون مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى؟ وانتقده المصريون حينما نادى بالجهاد فى سوريا، وسوريا خط أحمر عند المصريين (وليس الإخوان)، مثلما انتقده المصريون فى تعامله مع ملف خطف الضباط المصريين طالبًا عدم المساس بالخاطفين والمخطوفين، وإدارته لملف الأنفاق مع حماس، وإعلان نفسه الصديق المخلص فى مخاطبته مع نتنياهو، وخطة بيع سيناء بالاتفاق مع أمريكا.. ثم مفاجأة الشعب باستعداد رئيسهم للتضحية بعشرات الآلاف منهم لصالح استقرار الشرعية والنظام.. وهكذا تكون رسالة الإخوان وصلت، فمن ليس من الإخوان لا سعر له.. فلماذا يقبلهم المصريون؟ •