الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كان البكاء فيها مريرا

كان البكاء فيها مريرا
كان البكاء فيها مريرا


 أنا المواطنة المصرية التى عاشت أصعب وأسوأ لحظة فى حياتها على الإطلاق عند إعلان حصول مندوب جماعة الإخوان على منصب رئيس جمهورية مصر العربية. بكيت كما لم أبك فى حياتى ولا حتى يوم وفاة أمى. اسودت الدنيا حولى، وشعرت بهزيمة لم أشعر بها من قبل.

 هل هذا ما سوف يكون؟ هل ستحكم جماعة الإخوان مصر أم الدنيا ومهد الحضارة والتى أشرق على أرضها فجر الضمير؟ وهل ستقبل مصر أن يحكمها من قال مرشدهم «طظ فى مصر واللى فى مصر» وهل ستقبل أن يحكمها قتلة الخازندار والنقراشى فى أربعينيات القرن الماضى؟ وهل سيقبل المصريون أن يحكمهم رجال جماعة المرشد الذى قال: «المسلم الماليزى أقرب لى من المسيحى المصرى».  وهل ستقبل دماء الشهداء وتنعم أرواحهم بالسلام أن تحكمهم جماعة قال منظرها الأهم «سيد قطب»: «ما الوطن إلا حفنة تراب عفنة» وهو أى سيد قطب الذى خطط لاغتيال جمال عبد الناصر وتفجير القناطر الخيرية لإغراق الدلتا بمن فيها؟ عام طويل أسود، انتظرت فيه أن يلفظ شعب مصر هذه النفايات الإنسانية وأن يطهر تراب أرضه الذى تلوث بوجودهم.
مثير للغثيان
سنة هى الأسوأ بدأت يوم 24 يونيو عام 2012، بدأت بذلك المشهد المخجل ساعة إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة الذى طلب فيه «مرسى» من أحد أتباعه أن يتصل بالبيت ويقول «للجماعة يفتحوا التليفزيون» حقيقة تصرف لا يليق حتما برئيس جمهورية. كما لم يكن يليق برئيس جمهورية مارس سلوكيات كنا نحترق منها خجلا منذ دخل بجماعته قصر الرئاسة فى 30 يونية من العام نفسه.كأن يفرش على سجاجيد القصر الرئاسى صوانى الأكل ليأكل هو والإرهابيون الذين أخرجهم من السجون فى مشهد مثير للغثيان حقا.
 وأصبح رئيس جمهورية مصر العربية مادة للسخرية وإطلاق النكات اللاذعة والمريرة، خاصة ما يتعلق  بأدائه المذرى فى المحافل الدولية، ومع كل ما مارسه من «هطل» فى الأداء لحاكم كنا نعرف أنه ليس هو من يحكم، كنا نعرف أن من يحكم هو مكتب الإرشاد، وتحديدا هو «خيرت الشاطر».
وكنا نعرف أن «خيرت الشاطر» كان يؤسس لتمكين الجماعة، ونعرف أنه كان قد بدأ فى تشكيل ميليشيات مسلحة لتكون هى جيش الإخوان بديلا عن جيش مصر، ونعرف أنه قالها «لهيلارى كلينتون» كأى خائن «خلصونا من الجيش المصرى» كنا نعرف أن هذا الذى أطلق عليه المصريون لقب يليق به وهو «الإستبن» جاء فى لحظة سوداء ليحتلوا مصر وإن أردنا الدقة ليدمروها.
كأنها مجرد عزبة
عام أسود عاشته مصر وعشته، لا أذكر يوما لم أبك فيه بكاء مريرًا، كنت أسير فى الشوارع مخفية دموعى بنظارة سوداء، انحنى ظهرى وكانت خطواتى هى تماما خطوات من يسير فى جنازة.
مرت على مصر أيام شديدة الصعوبة والقسوة. أيام كانت جماعة القتلة المعروفة بجماعة «الإخوان المسلمين» تعيش نشوة ما أسماه  «خيرت الشاطر»الفتح الثانى لمصرـ قاصدا أن الفتح الأول تم بدخول عمرو ابن العاص مصر وبالتالى «التمكين» من حكم مصر بأخونة جميع مؤسساتها وخاصة الجيش والشرطة طبعا والخارجية والقضاء والإعلام حتى آخر مؤسسة حكومية فى البلاد، وعاشوا زهو وثقة أن الانطلاق من مصر إلى حكم العالم فى مرمى أبصارهم حقا فهم فاقدو للبصر والبصيرة ـحقا عاشت مصر أياما قاسية ومظلمة، كأن الشمس رحلت عنها بلا عودة وكان الأمل قد مات وتم دفنه.
 نعم كانت هذه هى الحالة التى كانت تتعمق يوميًا على مدى 365 يوما، كانت مصر فيها عزبة يرتع فيها كل من انتمى لهذه العصابة الحاكمة. فبكل تأكيد نحن لم ولن ننسى وقائع البلطجة التى كانت تستهدف تدمير الدولة المصرية كحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، وحصار المحكمة الدستورية، نعم نتذكر الذبائح التى كانت تذبح لملء بطون بلطجية الإخوان والتابعين، الذين نصبوا خيامهم حول مؤسسات الدولة، الدولة العريقة التى تعاملوا معها كأنها مجرد عزبة مملوكة لهم وللتابعين.
الشهداء عطشى
كانت سنة سوداء فى يوم أسود من أيامها وبينما يكسر الصائمون صيامهم «بشربة» ماء و«تمرة» هجم إرهابيون على جنودنا فى سيناء بخسة ونذالة، قام القتلة الذين تركتهم الجماعة الأم جماعة المرشد، جماعة الجالس على مقعد رئاسة مصر قاموا بإطلاق نيران غلهم على جنودنا الصائمين وسقط ستة عشر شهيدا وثمانية مصابين، استشهدوا وأصيبوا فى جحيم درجات حرارة شهر أغسطس دون قطرة ماء يطفئ لهيب حرارة الشمس واستشهدوا وهم عطشى، بعد جلوس الإخوانى على مقعد الرئاسة بشهر وستة أيام.
 فتحت الجماعة الإرهابية أرض سيناء مرتعا لإرهابيين ليؤسسوا على أرض سيناء إمارة سيناء الإسلامية. تلك الأرض الطاهرة التى  عندما تم اختطاف عدد من جنودها، لم ينتفض مندوب الجماعة الجالس على مقعد رئاسة مصر،  بل وجه بالحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين.
القتلة يدنسون النصر
 سنة سوداء لا أعرف من أين كان يأتينى كل هذا البكاء فى أيامها، وكان من أكثرها وجعا ذلك اليوم الذى همت فيه على وجهى فى شوارع وسط القاهرة أبحث فيها عن بلدى الذى أعشقه وأتوسل سلام روحى بقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء علها تهدأ، علها تسامح وتصفح، سرت طويلا وبكيت بكاء مريرًا، سمعت فى الشوارع التى قطعتها أنين الشهداء ورأيت دماءهم التى عمدت تراب سيناء وهى تصرخ بالغضب، فى يوم عرسهم. فى يوم من أيام العام الأسود الذى حكمت فيه جماعة الإخوان مصر.  لن ننسى أنه فى يوم السادس من أكتوبر عام 2012 قرر الرجل المسمى رئيس مصر أن يدنس ويلطخ  نصر الشعب المصرى على العدو الإسرائيلى باحتفاله بنصرنا ومعه زمرة الإرهابيين والقتلة ومن بينهم القاتل الإرهابى طارق الزمر، أحد المتهمين بقتل الرئيس أنور السادات. لن ننسى هؤلاء بجلابيبهم القصيرة وذقونهم الممتدة إلى صدورهم مشعثة مغبرة متربة، ووجوههم العكرة الناضحة بسواد قلوبهم، من أمثال محمد حسان ومحمد عبدالمقصود ومفتى الجماعة، وغيرهم مئات تحلقوا حوله يقبلون يده فى محاولة لاستعراض القوة ولإعلان أن هذه هى مصر القادمة.
«منظر حسرنى وبكانى»
ويأتى يوم أسود آخر من أيام تلك السنة السوداء هو يوم 15 يونية عام 2013، قرر مندوب الجماعة فى القصر الرئاسى أن يسرق العمر، ولسرقة العمر طعم مرير مرارة سرقة البراءة وذكريات الطفولة كان «المنظر» الذى عبر عنه ووصف تأثيره ووقعه عبد الحليم حافظ  منذ أكثر من نصف قرن فى أغنية «ذكريات» شطر فى أغنية يقول: «منظر حسرنى وبكانى خلانى كرهت أشوف تانى «ذلك المنظر»الهمجى فى محاولة تافهة لإثبات الوجود والقوة، يوم عقد مؤتمر ما سمى بمؤتمر نصرة سوريا وفيه جمع مرة أخرى ذوى الجلاليب القصيرة والذقون المشعثة والوجوه العكرة الذين وهو معهم أطلقوا حناجرهم بأبغض الأصوات وخاصة عندما أعلن مندوب الجماعة قطع العلاقات مع سوريا. وكان «منظر حسرنى وبكانى خلانى كرهت أشوف تانى».
بعض من أيام سوداء فى سنة سوداء كان من المستحيل أن تستمر فمصر أقوى. مصر التى كنست جماعة الإخوان وأنقذت العالم من ظلمتها عندما أشرقت الشمس على أرض مصرو ثار الشعب المصرى على مندوب جماعة الإخوان، وطرده من قصر الرئاسة يوم 30 يونية عام 2013.