السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السياحة الروسية للبحر الأحمر والهيمنة التركية

السياحة الروسية للبحر الأحمر والهيمنة التركية
السياحة الروسية للبحر الأحمر والهيمنة التركية


روسيا تعتمد كمصدر رئيسى للدخل على البترول والغاز وتصدير الأسلحة.. تتعرض لعقوبات اقتصادية أمريكية وأوروبية، منذ تدخلها فى أوكرانيا، لحرمانها من الاستفادة من رفع أسعار النفط، نتيجة لنقص المعروض بسبب العقوبات المفروضة على حليفتها إيران، لذلك تسعى لتنمية السياحة الداخلية، ومنع استنزاف العملات الأجنبية فى سياحة الخارج.
حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء 2015 وفر مبرراً لموسكو لمنع سائحيها من السفر، والتوجه إلى سوتشى وسان بطرسبورج، وشبه جزيرة القرم.

هذا التوجه تم تطبيقه بتشدد مع مصر، استناداً لمبررات وحجج أمنية، رغم جهود الدولة والقيادة السياسية.. الجهود الأمنية جعلت مطاراتنا ضمن الأكثر أمناً فى العالم، لكن التعنت سببه أن حصة مصر المتوقعة من السياح الروس المولعين بشرم الشيخ والغردقة، لن تقل عن أربعة ملايين، لو أنفق السائح على رحلته 500 دولار، فإن ذلك يعنى 2 مليار دولار، لا تملك روسيا رفاهية ضخها فى الاقتصاد المصرى، الذى لايزيد حجم تبادلها التجارى معه على 7.6 مليار دولار 2018.. هذا القياس لا يمكن تطبيقه على العلاقات الروسية التركية، التى وصل حجم التبادل التجارى بينهما لـ25.56 مليار، مرشح للزيادة إلى100 مليار، مما يفسر تسامح موسكو مع إسقاط طائرة السوخوى العسكرية، وقتل طياريها فوق سوريا، واغتيال سفيرها بأنقرة.
تحايل الشركة التركية
استئناف الحركة السياحية الروسية لمصر تأجل مراراً، بحجة المراجعات الأمنية فى المطارات، وعندما سُدَت كل الزرائع، وافقت روسيا خلال قمة بوتين والسيسى أكتوبر 2018 على استئناف الطيران المنتظم بين القاهرة وموسكو، لكنها رفضت السماح بالطيران العارض منخفض التكاليف إلى شرم الشيخ والغردقة، وهى صيغة وسط تضمن عدم تجاوز معدلات التدفق السياحى للحدود المؤثرة على الاقتصاد الروسى، وذلك لارتفاع تكلفة الطيران المنتظم، بخلاف تكلفة الانتقال من القاهرة إلى منتجعات البحر الأحمر.. شركة «بيجاس توريستيك» التركية تحايلت على القرار، ونجحت فى الحصول على تصريح من السلطات الروسية، بتشغيل خط بواقع 3 رحلات أسبوعيًا، لنقل السائحين مباشرة من 10 مدن روسية إلى شرم الشيخ وطابا عبر مطار إيلات، على سبيل التجربة، الخط بدأ ديسمبر 2018 وسرعان ما أوقفته الشركة متعللة برفض السائحين الهبوط فى إسرائيل!، بعد إحاطتهم بالتعقيدات اللوجستية والمشاكل المحتملة على الحدود، وعلى طريق المطار، وخلال تجاوز المعابر!.. وبات واضحاً أن اختيار الشركة لإيلات كان وسيلة مؤقتة لضمان موافقة السلطات الروسية، التى وجدت أن تلك التعقيدات تقيد أعداد السائحين، كما وجدت فى الهبوط بمطار إيلات ضمانة لصرامة الإجراءات الأمنية.
شركة «بيجاس» نجحت فى تغيير مسار خط شرم الشيخ ليكون عبر منتجع «إنطاليا» السياحى جنوب تركيا بدلاً من إيلات يناير 2019!.. أعقبته بتشغيل خط جوى إلى الغردقة فبراير 2019، الخطان لقيا زيادة كبيرة فى الطلب، من جانب السائحين المتعطشين لمزاراتهم السياحية المفضلة فى شرم والغردقة منذ 3 سنوات، معدلات التدفق وصلت لـ10 رحلات أسبوعياً لمطار الغردقة، و16 رحلة لمطار شرم.. وباستمرار تزايد الإقبال ضاعفت شركة «بيجاس» العدد فى أبريل لـ22 رحلة أسبوعياً للغردقة، تحمل 4500 سائح، وإلى 32 رحلة أسبوعياً لشرم الشيخ، على متنها 5000 سائح.
عودة الحظر الروسى 
الطفرة الهائلة فى أعداد السائحين الروس لمصر، وتطلع شركات السياحة الأخرى لمشاركة «بيجاس» فى اقتسام الكعكة، أزعج السلطات الروسية، من مؤشرات إقبال غير مسبوق، مما يفسر قرار وزارة النقل الروسية بإيقاف برنامج شركة «بيجاس» السياحى لمصر، وحظر الرحلات الجوية المنتظمة أو العارضة لمطارى شرم الشيخ والغردقة اعتباراً من 10 يونيو 2019، إلا بعد موافقة السلطات الروسية.. هذا الإجراء فتح الباب لتفسيرات واجتهادات عديدة.. البعض فسر الحظر بأنه رد فعل لحادث جنوب العريش الإرهابى صبيحة أول أيام عيد الفطر المبارك، وهو ادعاء مغلوط؛ لأن الحادث وقع يوم 5 يونيو، بينما إعلان «بيجاس»، عن توقف رحلاتها لمصر صدر 4 يونيو، وبالتالى لا يوجد أى ارتباط بينهما.. والحقيقة أن القرارات الروسية لا تتأثر بمثل هذه الحوادث، فبمجرد إتمام المصالحة بينها وبين تركيا بعد إسقاط طائرتها الـ«سوخوى24»، سمحت باستئناف الشركات التركية العاملة على أراضيها لرحلاتها، وذلك فى اليوم التالى مباشرة لوقوع انفجار ضخم بمطار أتاتورك، مما يؤكد أن الموضوع لا علاقة له بأمن الطائرات والمطارات والسائحين، بقدر ما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والسياسية.
البعض الآخر فسّر الحظر بأنه نتيجة لضعف الطلب، مدعين أن آخر رحلة لمطار الغردقة كان على متنها 20 راكبًا، وهذا أيضاً ادعاء لا يستقيم والتزايد المطرد فى الطلب على الخط، الذى كان يبشر بـ«بووووم» سياحى، كان السبب فى وقفه.. ووصل البعض فى تفسيره للقرار باعتباره إجراء يدخل فى إطار السياسة التى تنتهجها الدولة التركية وشركاتها العاملة بالسياحة لضرب القطاع السياحى المصرى لأنه منافس قوى لها، بسبب التميز وانخفاض الأسعار، وهو ادعاء لا يجوز هنا لأن القرار روسى وليس تركيًا.. وإن كانت إثارة الموضوع تفتح المجال لتناول إشكالية بالغة الخطورة تتعلق بعلاقة الشركات التركية بالسياحة المصرية.
الشركات التركية والسياحة المصرية
مصر عقب سقوط الإخوان يوليو 2013، عانت من توقف تدفق السائحين من الأسواق الرئيسية، خاصة ألمانيا وروسيا، وقبل أن تتعافى تم إسقاط الطائرة المدنية الروسية، القادمة من تركيا!، لتتوقف الحركة السياحية الوافدة من روسيا أولا، ثم من باقى الدول.. إذن باختلاف المبررات فإن هناك حرصاً على وقف تدفق السياحة من الأسواق التى تمارس فيها وكالات السياحة والسفر التركية دوراً مؤثراً.. استهداف الإخوان للسياحة، وعلاقتهم التنظيمية والعقائدية بتركيا، وسيطرة الوكالات التركية على الأسواق الرئيسية، هو «مثلث الشر» الساعى إلى انهيار السياحة المصرية، وبالتالى مع مواجهتنا الصارمة للنشاط الإرهابى للإخوان، لابد من التخلص من سيطرة الأتراك على الحركة الوافدة من هذه الأسواق خاصة السوق الروسية.
وبغض النظر عن الارتباطات العقائدية والتنظيمية لتركيا مع الإخوان فإن مصلحتها كدولة سقوط السياحة المصرية.. تركيا فى غياب المقصد السياحى المصرى نجحت فى تبوؤ المركز الأول لقائمة الأماكن التى قصدها السياح الروس عام 2018، بزيادة 25 % عن 2017، واقترب إجمالى عدد السائحين فيها من 46 مليونًا، وهو إنجاز يستحق أن تحارب من أجله بجميع الوسائل.. فى المقابل فإن عام الذروة للسياحة المصرية حقق 14 مليون سائح فقط، لأننا ندفع ثمن إدراك أعدائنا لما نستحقه، وحرصهم على ألا ينتهى مسلسل الأزمات، خصماً من حسابهم.. لعل إدراك أرباب السياحة المصرية يرتقى لمستوى أعدائها؟!
شركات السياحة التركية تشكل لوبى يتحكم فى السياحة الوافدة لمصر، من روسيا وألمانيا والبلقان ومعظم دول الشرق الأوسط .. تجاربنا معها سلبية؛ فأى تراجع لنشاطها على نحو ما حدث عندما منعها بوتين من العمل فى روسيا، بعد إسقاط الـ«سوخوى24»، ينعكس علينا لأنها تنقل أكثر من 80 % من الحركة الوافدة من هناك.. وعلينا أيضاً أن نتحسب للظروف، على غرار ما وقع بداية يناير 2016، عندما عجزت «بيجاس لإدارة الفنادق»، عن سداد مديونياتها لـ11 فندقًا كانت تديرها بشرم الشيخ وطابا، والتى تقدر بـ40 مليون دولار، إضافة لـ40 مليون جنيه مديونيات للموردين، و42 مليونًا للضرائب!!، ليتبين أن العقود لا تشمل اللجوء للقضاء المدنى، وأنها لا تمتلك أصولاً يمكن الحجز عليها، ولا يوجد لها مقر فى مصر، وعنوانها بالسجل التجارى خطأ، ومقرها الرئيسى فى روسيا تم إغلاقه بعد أزمتها مع أنقرة، وتصريح عملها من وزارة السياحة انتهى منذ ديسمبر 2015 ولم يجدد، ورغم ذلك كانت تحصل على حصتها من دعم الطيران العارض!.. ما كل هذا العبث؟!
 مستقبل التدفقات الروسية
قطاع السياحة الخاص والرسمى بمصر مستسلم لواقع هيمنة الشركات التركية على نشاطه، والمصالح تكبل قياداته، وتصرفهم عن البحث عن بدائل، انتظار عودة السوق الروسية تحت سيطرة الشركات التركية يعد خطأ فادحًا، لذلك كان يجب التوجه للاستثمار السياحى فى مختلف بلاد العالم بأيدٍ مصرية، أو بشركات تساهم فيها الشركات المصرية، وهذه الشركات العالمية بفكرها وبالتكنولوجيا الحديثة والمعلومات التسويقية تستطيع النهوض بالمنتج المصرى، وفتح أسواق جديدة.
أما فيما يتعلق بالسياحة من السوق الروسية فيجدر التأكيد على عدم انتظار انفراجة قريبة، وذلك لأسباب تتعلق بموسكو وليس بالقاهرة أو أنقرة.. «دينيس مانتوروف» وزير الصناعة والتجارة الروسى، رفض على هامش منتدى سان بطرسبرج 7 يونيو 2019، تحديد موعد لاستئناف الطيران العارض، مكتفياً بالإشارة إلى أنه خلال هذا العام، وهى عبارة عامة، غير ملزمة.. ومن الأمور الجيدة هنا أن تظل مصر متمسكة بموقفها الرابط بين استئناف حركة الطيران العارض واستئناف مفاوضات توريد 12 طائرة «سوخوى سوبرجيت – 100» روسية لمصر، قابلة للزيادة إلى 24 طائرة.. لعل ذلك الدافع يحرك بعض المياه الراكدة.