«شعرك حلو النهارده»
صباح الخير
كتبت: مني أمين
أول ما أسمع عبارة «رايحة للكوافير» تستحضرنى أشياء وذكريات كثيرة، تبدأ من الطفولة عندما كنت أذهب مع والدتى إلى الكوافير المجاور لبيتنا فى حى الدقى... أطلب من أمى «عايزة أعمل شعرى» وهناك أستمتع بالمشاهد المختلفة داخل المحل الصغير ما بين الحوارات مع السيدات عن التسريحات الجديدة، وأهم الموضات، لا أنسى قاعدة السيشوار الكبير والبوكلات ولحظة خروجى من الكوافير وشعرى جميل وستايل وخاصة فى العيد قبل أن نزور جدتى والأسرة.
العيد بالنسبة للطفلة الصغيرة كان خروجها وشعرها جميل، بعد عام طويل من الضفاير أو ديل الحصان أثناء العام الدراسى.
لا يمكن أن أنسى ليلة العيد والكوافير سهران للصبح لكى يلاحق على ستات وبنات الحى، الكوافير كان المشترك الذى يجمع كل سيدات الحى من كل الطبقات.
أمى من جيل نجلاء فتحى وميرفت أمين، تمردت على كوافير والدتها، ولا أنسى جملتها الشهيرة «وأنا صغيرة كنت بروح لأحسن كوافير جريجى».
وبوصولى لمرحلة الثانوى تمردت أنا أيضا على كوافير والدتى، وقررت أنى لا أريد الشكل التقليدى الذى لا يناسب مرحلة المراهقة، فبدأت والدتى تأخذنى بالسيارة إلى كوافير آخر يتعامل مع بنات عمتى وأعمامى فى حى الزمالك، لأنه كان يعرف يعمل «الويفى» أوالمموج الذى يتناسب مع تلك الحقبة فى نهاية الثمانينيات، وأجمل تعليق من صديقاتى كان يؤثر بى هو شعرك «حلو النهار ده»، وقتها كانت القصة المدرجة أو ما يسمى بقصة الأسد هى المسيطرة على شعر بنات الجيل وأيقونته الفنانة ليلى علوى وكان أحلى كومبليمون «شعرك زى ليلى علوى».
فى الجامعة أكملت دراستى فى ولاية نيو يورك بأمريكا وكان الجو غير مناسب بالمرة وأسعار الكوافيرات مرتفعة جدًا عشان أعمل شعرى، خاصة أننى كنت فى القسم الداخلى ويتحمل والدى كل أعباء دراستى ومصروفات المعيشة، ورغم أن هذه التجربة قد أنضجت شخصيتى كثيرًا، فقد ظللت أشتاق لكلمة «رايحة للكوافير»، وعندما كنا نعود لمصر فى العطلة الصيفية كان أول ما أفعله بعد تنظيف البيت هو الذهاب إلى الكوافير، وهناك كنت أطلع على المجلات الفنية الحديثة، التى يجذبنى فيها مثل كل زائرات الكوافير تسريحات صفية العمرى فى ليالى الحلمية، أو لون شعر نبيلة عبيد فى الراقصة والسياسى...
فى التسعينيات وعندما بدأت الاستقرار والعمل فى حى المعادى، تعرفت على كوافيرات جديدة وبدأت الأوليات تتغير لدى فى كل مرة أجرب كوافير جديد، فأصبحت السرعة والاستمرار مع فريق يجيد ما أطلبه فى شعرى وفريق جيد من البنات لمتابعة تنظيف الأظافر وخلافه، هى الأهم، ومع كل مرة ألاحظ فيها أن فترات الانتطار تطول أو هناك تغيير متكرر فى طاقم العمل كنت أغير الكوافير حتى أستقر فى محل لديه المعايير التى أبحث عنها.
فى السنوات الأخيرة وخاصة بعد ثورة يناير 2011 والحرب فى سوريا، وبما أن مصر دائمًا كانت وستظل حاضنة لكل أشكال الفنون ويعتبر تصفيف الشعر واحدة من مجالات الفن، أصبح فى كل حى كوافيرات مختلفة بها عمالة كبيرة من السوريين، بطبعى لا أمشى وراء الصيحات التى تفخم الكوافير لأنه «أجنبى» ،ولكنى تعرفت على مصفف سورى عند أحد الكوافيرات ووجدت أنه يجيد التعامل مع الزبائن ودؤوب فى العمل، ولديه كل المعايير المناسبة لى من جودة واستمرارية بنفس الكفاءة ومواعيد عمله تناسب برنامج عملى الملىء بالارتباطات، واستقر هذا الشاب عند مصفف سورى أيضًا، فراقبت أسلوب صاحب المحل فى الإدارة الذى أعجبنى كثيرًا فهو يستطيع أن يجعل 10 مصففين يعملون فى وقت واحد، ورغم زحام المحل، فقيمة الوقت موجودة، وعندما يتراخى العاملون تجده بينهم يعمل ويكلفهم بمهام مختلفة حتى يظل إيقاع العمل على نفس الوتيرة.
رغم كل المعايير التى ذكرتها عند الصالون الكبير، فلكل امرأة كوافير آخر قريب لا بد أن ترتبط به أيضًا، لأنه قد تختلف إجازات الكوافيرات، فهناك أيضًا كوافير آخر أذهب إليه هو جيد، ولكن ليس فى ضخامة الصالون الأول، لكنه يلتزم بنفس المعايير وعلى رأس أى تقييم بالنسبة لى يأتى معيار النظافة إلى جانب احترام الوقت والجودة.
الكوافير مجتمع صغير تختاره كل سيدة حسب معاييرها، ولكنه بالنسبة لى يشكل جزءًا مهمًا لأنه يضيف لى ثقة بنفسى، ويخرجنى مرة أو مرتين فى الأسبوع من زحمة العمل وضغوط الحياة، ولابد أن تربطنى راحة نفسية مع طاقم العمل الذى أتعامل معهم، لأنى لا أحب أن أذهب لكوافير وأجد العاملين به أو زبائنه أغراب أو لايشبهون شخصيتى، وفى النهاية تظل أفضل التعليقات التى لازلت أفرح بها «شعرك حلو النهار ده».