الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لم أتخيل أن النتيجة هى.. كلية الحقوق!

لم أتخيل أن النتيجة هى.. كلية الحقوق!
لم أتخيل أن النتيجة هى.. كلية الحقوق!


انتبهت لغياب بريق عينيه المعتاد، فسألته لماذا يبدو مهمومًا؟ فقال: اليوم كان غريبًا! قابلت الزملاء.. واكتشفت أن جميعهم حققوا أحلامهم ماعدا أنا!
جميعهم التحقوا بالكليات التى كانوا يحلمون بها، من طب، لصيدلة، للكلية الحربية.. رغم أنهم كانوا يغشون فى الامتحان، بينما صممتُ أنا ألا أفعل مثلهم، وأن تكون النتيجة بناء على جهدى وليس على الغش!
 وببراءة يغلق عينيه ويبتسم، مستطردا: ولكنى لم أتخيل أن النتيجة ستكون مجموعًا يلحقنى بكلية الحقوق لا  الصيدلة، رغم أنه ذاكر بأقصى قدرته ليحقق هدفه.. ولكن الكتب كانت مفتوحة أمام زملائه فى لجان الامتحانات! فهل أخطأ أنه لم يتصرف مثلهم؟!
مستنكرًا: أى تعليم هذا؟ ولماذا يصر المسئولون عن التعليم فى بلادنا على تشويه أجمل سنوات عمرنا؟ أصدقاؤنا فى الخارج يسخرون منا حينما نصف لهم أحوالنا وقت الامتحانات! متهكمًا: أكاد أشك أن ما يحدث فينا هو خطة ممنهجة لتحطيم الشباب.. أموت وأفهم.. ما هذا التطوير الذى نشهده من وزير متخصص عاش بالخارج ويعرف أنظمة التعليم البناءة؟
فقررتُ الكتابة إليه، قائلة: قدرتك على مقاطعة الغش - رغم إتاحته - تدل على وضوح الرؤية، وقوة إرادة، وثبات شخصية هائلة. وعذرًا يا صديقى الصغير لتحطيم أحلامك التى أرجو أن تحافظ عليها.. لتحافظ هى عليك!
هل كنت أضحك عليه؟ فأنا أعرف أن الإنسان الذى لا يحقق حلمه فى وطنه يصبح ناقمًا، غير واثق من نفسه، وغير منتمٍ، بل يفقد حماسه للحياة كلها. فأرسل لى ردا فتح المزيد من الحوار..
التعليم.. أيام الاحتلال
-  صديقى: النظام التعليمى فى بلدنا جعل الامتحان هدفًا فى حد ذاته، وليس وسيلة لتنظيم التحاق الطلبة بالجامعات بناء على قدراتهم وميولهم العلمية، بل إن نظام الامتحانات الحالى يكرس المنافسة على مهارة الحفظ وليس الفهم..
- قلت: أتفق معك، فجميع الناس ليسوا متساوين فى امتلاك المواهب والمهارات، فتعلم اللغات - مثلا- موهبة لا يتمتع بها جميع الناس، وكذا تعلم الرياضيات، والموسيقى، والغناء، وفن الأداء، والرسم وغيرها! ولكن نظامنا التعليمى يرى أن الطالب المصرى يمتلك هذه القدرات بدرجات متساوية، ثم يقرر اختباره فيها! ولا أحد يعلم ما «فلسفة وضع الامتحانات» التى تجبرنا على قبول الوضع الراهن؟
- يجيب: فلسفة قهر المواطن! وتحويل حياته وحياة الأسرة المصرية كلها إلى جحيم، من أجل شهادة تعليمية نركنها لنعمل فى أية وظيفة أخرى، بتشجيع من الحكومة والمسئولين الذين يسخرون من الشباب الذين يصرون على العمل بشهادتهم، التى صرفوا دم قلبهم للحصول عليها! فلماذا لا نختصر الطريق إذن من البداية ونغير أسلوبنا التعليمى؟ مستطردًا:  هل رأيتِ شعبًا يحطم معنويات أجمل سنوات أبنائه فى مرحلة المراهقة، باسم التعليم، مثلنا؟ ثم ماذا نتعلم سوى القهر والخضوع وقتل الطموح! أصدق أن هذه السياسة التعليمية كانت تمارس أيام الاحتلال، لتكوين شعب لا يفهم، ولا يفكر.. ليظل مطيعا، و«حافظ مش فاهم»، مشغولاً فى فك العراقيل يضعها المحتل أمامه! ولكن العجيب أن أجدادنا يخبروننا أن التعليم فى أيام الاحتلال كان نزيهًا وشريفًا.
«ماذا حدث للمصريين»؟
- مأخوذة بطريقة تفكيره، أقول: معك حق، المعلومات فى الكتب، بينما التعليم فى حد ذاته أسلوب حياة يعلمنا كيف نفكر ونتدرب على النقد والتحليل والابتكار! وما المدارس والجامعات سوى أماكن تساعدنا على اكتشاف وصقل قدراتنا! وهو الفرق بين طريقة تفكير المتعلمين والأميين، وبين طلبة المدارس الحكومية والخاصة، والدولية، ومدارس الرهبانيات!
ثم كيف نحدد مصير الإنسان كله بناء على اختبارات لمدة شهر، فى مرحلة عمرية لا يمتلك فيها وضوحًا لأهدافه بطريقة واقعية؟ فى الخارج يتعلم طلبة المدارس المعلومات التى تفيد حياتهم اليومية، والسلوكيات العامة التى ترتقى بالطبقات البسيطة، مثلما تعلمهم احترام القانون، والتاريخ الوطنى الذى يوحد أبناء الشعب، وينمى انتماءهم للوطن بعيدًا النعرات الطائفية! فى ظل ممارسة الأنشطة والهوايات التى تسهم فى تكوين شخصياتهم حتى لو لم يكملوا التعليم الجامعى!
مقاطعًا: التعليم نفسه موهبة وقدرة لا ينبغى محاسبة الناس على عدم امتلاكها، طبقًا لنظرية الذكاءات المتعددة التى وضعها عالم النفس هاورد جاردنر، الذى قال إن التعليم الدراسى موهبة وليست فطرة نولد بها- كما عرفتُ فى إحدى الندوات!
- يلهبنى حماسه، فأقول: الطريف أننا نستعين بحَكَم دولى لشئون الكرة ولا نستعين بخبير دولى فى شئون التعليم! ما فائدة معلومات ننساها بمجرد خروجنا من الامتحان؟ وأين المفكرون وعلماء النفس والتربية والتعليم الذين يحاولون تفسير «ماذا حدث للمصريين».. بعدما صار الكثيرون شخصيات فهلوية، وغيبية، وكسولة، ومنافقة، ومظهرية، وانتهازية بجدارة، وأنانية، وحاقدة، وغير واقعية، واستهلاكية، ومدعية، وغير أمينة.. نهتم بالكم على حساب الكيف.. رغم أن السبب واضح وضوح الشمس، وهو سوء إدارة ملف التعليم.. منذ سنوات طويلة!
ويسألونك عن التابلت..
- مبتسما يقول: أرى أنكِ ثائرة على أسلوب التعليم أكثر منى!
- نعم، قلتُ مستطردة: تلك إحدى القضايا التى تشغل بالى! فنحن ندمر العباقرة والمخترعين، ونكتفى بافتخارنا بحضاراتنا القديمة دونما أدنى محاولة لإحيائها! لا يحفزنا تقدم الشعوب الأخرى ولا يحرك فينا تفوقهم شيئا طالما نستطيع الحصول على ما ينتجون!
- محبطًا: لا مكان للعباقرة فى نظامنا التعليمى، بالعكس، يتم إحباطهم والسخرية منهم! يقدر طالب ينتقد نظرية؟ أو أسلوب تعليم؟ أو يقترح تجديدًا ما؟ أو حتى يكتب موضوع تعبير بمزاجه فى حصة التعبير - مثلا-؟ شارحًا: الواقع الذى نحياه هو أن نظامنا التعليمى أوجد نظام الامتحانات كبضاعة استهلاكية وجعلنا نتنافس على شرائها!
- نعم، ثم سألتُ مستطردة: لماذا لا يبحث المسئولون عن سر كراهية الطالب للتعليم؟ وكيف صارت عملية التعليم سجنا؟ وعملية البحث والاكتشاف عقابا؟ وليس إمتاعا للعقل كما هى بالفعل!
- ينهى حواره ليستكمل مذاكرته، متسائلا: لماذا لا يجعلون وزير التعليم شابًا؟ أو على الأقل يستعين بالشباب إذا كنا جادين فى حل المشكلة التى تتفاقم! فبحسب الواقع.. نحن نزداد تخلفًا بينما العالم يمضى قدمًا.. لا ينتظرنا حتى نقوم بتشغيل التابلت المعطل فى المدارس، ولا يتوقع أن نحل مشكلة النهب والتجارة باسم التعليم! والدروس الخصوصية، وتكدس الطلبة فى كليات لا يحبونها ليتخرجوا منافقين فتزداد نسبة البطالة المقنعة!
لا أعرف سر اهتمام الشعب المصرى بالحصول على الشهادة التعليمية هكذا.. رغم احتفاء التليفزيون منذ عدة أعوام بطبيب شاب ترك الطب ليعمل سائق ميكروباص! دونما أجد ردًا مناسبًا يريح صديقى الصغير طالب المحاماة الذى لا يحب ما يدرس، ولكنه شخصية أمينة يرفض الغش.. بينما زملاؤه طلبة الطب والصيدلة يدرسون ما أحبوا ولكنهم غشاشون! ويسألونك عن التابلت! قُل كيف نحل تلك المشكلة.. يا وزير التربية والتعليم؟