الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لقمة الكرامة طعمها حلو

لقمة الكرامة طعمها حلو
لقمة الكرامة طعمها حلو


ببساطة قالت: «ما أنا لازم أشتغل وأدوَّر على أى طريقة شريفة علشان ألاقى لقمة العيش بدل ما أمد إيدى للناس، أو أستنى اللى يعطف عليّا، ويكسر نِفسى ونِفس بنتى وولادها بإحسانه، لا ده أنا أشقى وأتعب وآجى من آخر الدنيا شايلة على راسى، وراكبة مواصلة واتنين وتلاتة علشان متأخرش عن زبونتى اللى بتيجى لى مخصوص تأخد مِنّى حاجتها، أنا صحيح بتعب والتعب بيزيد مع السّن والشقا ، لكن العيال بتكبر ومصاريفها بتكبر معاها، وأنا مسئولة عن بنتى بعد ما جوزى مات وقفت وكبّرتها وعلّمتها لحد ما خدت دبلون التجارة، وجوزتها بس برضه جوزها مات بنفس العلة، زى أبوها علة الكبد، وساب لها عيلين وهى معرفتش تلاقى شغل أنا كملت، وزى ما ربيتها وجوّزتها من النصبة دى حأكبّر عيالها وأعلمهم ، ولا عمرى حخلى حد يدوس لهم على طرف أو يجرح كرامتهم» .
ربما يكون اسمها أم محمد أو أم مروة أو أم جرجس أو أم إيزيس. فهى كل الأمهات اللواتى يستيقظن لصلاة الفجر أو صلاة باكر، وبعد الصلاة والدعوة بالستر يخرجن إلى براح الدنيا خلف لقمة العيش. لا يستطيع العابر أن يحدد عمرها بدقة ربما تكون أربعينية أو على الأرجح خمسينية، تلتصق بالأرض وتسند ظهرها على سور المبنى الحكومى العريق، تجلس كل يوم ماعدا أيام الإجازات الرسمية فى نفس المكان وفى نفس المساحة وحولها بضاعة هى رأس مالها كله الذى بالكاد يصل إلى مائة جنيه.
رأس المال الموضوع فى أقفاص جريد وطبق بلاستيك بالنظر بالعين المجردة ودون الاستعانة بالميزان عبارة عن ثلاثة أقفاص بكل قفص ما لا يزيد على ثلاثة كيلو بطاطس ومثلها بصل والثالث به طماطم، وقفص رابع مرصوص فوقه بضعة أكياس بها خضار جاهز للطبخ حسب الموسم. كيسان أو ثلاثة ملوخية خضراء مقطفة، ومثلها فاصوليا مقطعة، أو قلقاس مخرط، أمّا البضاعة الثابتة فهى أنواع المحاشى، باذنجان« مقوّر» كوسة أو فلفل «مقوّر» وتتم عمليات «التقوير»، «التقطيع» و«التخريط» و«التقطيف» بعد الوصول لمكانها الثابت  قبل وصول وخروج الموظفات العاملات فى الوزارات المحيطة والتى تسند ظهرها على جزء من سور أحدها وتضع بضاعتها حولها، فهى لا تريد ولا تحتاج من تلك الوزارة أكثر من متر تسند ظهرها عليه ولا تحتاج من الرصيف مساحة أكبر من تلك التى تضع فيها أقفاصها.
قالتها ببساطة: «أنا حأفضل أشتغل طول ما رجليّه شايلانى، مفيش أحلى من اللقمة اللى بناكلها بكرامة، لقمة الكرامة طعمها حلو وزى الشهد».