السبت 15 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

موهوبون فى محتوى ضعيف

موهوبون فى محتوى ضعيف
موهوبون فى محتوى ضعيف


ما شهدته خلال الأيام العشرة الأولى من الموسم الدرامى الحالى يؤكد أننا أمام عبث لم نعشه من قبل، وليس غريبًا إصابتنا بالحزن لعدم وجود إجابات حاسمة على أسباب ذلك العبث!    
بداية لن أتحدث عن غياب النجوم الكبار من الخريطة الرمضانية ولن أتحدث عن  مسلسلات لا أعرف لماذا يهدر فيها المنتجون فلوسهم لإنتاج أعمال لبعض الأسماء توجد بينها وبين الجمهور مسافة شاسعة.


لكنى سأتوقف أمام غزو الشبكات الرقمية الحديثة ذات الاشتراك الشهرى- مثل «نتفليكس» و«برايم فيديو» التابعتين لـ«أمازون» و«آبل» اللتين ستنافسان بشراسة الفترة القادمة بخلاف المنصات الرقمية العربية التى فى الطريق، التى جعلت مشتركيها يشاهدون أعمالًا عديدة متنوعة تنتمى لجنسيات مختلفة وشديدة التميز والجاذبية دون أى مَلل.
وفى ظل هذا الانقلاب  الدرامى الإلكترونى أصبح المتفرج لا يعنيه حجم أسماء أبطال العمل ولا مدى نجوميتهم  بقدر رضائه عن المحتوى الذى يشاهده.
• الموسم الأسوأ
و أمام المنظومة الجديدة لمشاهدة الأعمال الفنية المتنوعة، وجدنا  أنفسنا أمام  عبث درامى يغرق قنواتنا الفضائية بأعمال هزيلة لا ترتقى لمستوى ما يشاهده الجمهور حاليًا من خلال المنصات الرقمية الحديثة أو حتى  العصر الذهبى للدراما المصرية، وقتما كان يقودها كبار المؤلفين والمخرجين والجهات الإنتاجية الكبرى، والذين لحق بهم فيما بعد  بعض الأسماء الجديدة فى التأليف والإخراج والإنتاج ليستكملوا مسيرة الأساتذة الكبار.
لذلك ليس غريبًا وصف  هذا الموسم «بالأسوأ»  للدراما المصرية، سواء على مستوى الموضوعات والأفكار أو الأسماء التى تم تصعيدها لتتصدر بطولة أعمال هزيلة، أو استمرارية الإنتاج لأسماء  ليس لديها القدرة على  تطوير موهبتهم.
طوال السنوات السابقة كان النجوم الكبار متواجدين بأعمالهم، وبجوارهم كانت هناك الأجيال الجديدة بأعمال شديدة التميز.
• تريند كاذب
هذا العام اختفى الكبار، وفى الوقت ذاته تواجد بعض الأسماء من جيل الوسط بجوار أسماء من الجيل الأحدث لنتأمل هل هناك عمل حقق جاذبية للمشاهدين على غرار«السبع وصايا» و«موجة حارة»  و«ذات» و«سجن النسا» و«جراند أوتيل» و«ليالى أوجينى» و«أهو ده اللى صار» وغيرها  بدرجة تجعل المشاهدين ينتظرون الحلقات الجديدة بشغف؟ بالطبع لا.
لذلك ليس غريبًا هروب المتفرجين من مشاهدة هذا العبث رُغم ادعاءات أصحاب المسلسلات، كُلٌّ على حدة، أنه صاحب الأعلى «تريند» فى وسائل التواصل الاجتماعى المُتعددة، وهو مقياس كاذب خلفه «كتيبة» تتحكم به بخلاف التعليقات الحقيقية للمتفرجين التى يكون أغلبها تريقة أو انطباعات سيئة عن المسلسل  بعد مشاهدته مباشرةً ليخرج علينا صُناع المسلسل بكل ثقة ويصرّحون أنهم أعلى نسبة مشاهدة رُغم علمهم أن «مولد التريند» ما هو إلا مقياس غير حقيقى هدفه الترويج الكاذب لأعمالهم لجذب أعلى قدر من الإعلانات والتباهى بنجاح « كاذب».
هذا العام معظم المسلسلات بوليسية وأحداثها تداخلت فى بعضها، مثلًا «زى الشمس» «دينا الشربينى» تكون قضيتها مَن الذى قتل شقيقتها ريهام عبدالغفور، بينما مسلسل «قابيل» نجد شخصيات تختفى ويكون مصيرها القتل ويحاول الضابط محمد ممدوح البحث عن الجانى، وفى الوقت ذاته يحاول الوصول لقاتل زوجته، أما مسلسل «لمس أكتاف» لياسر جلال فستجد نفسك أمام أعمال إجرامية خارجة عن القانون ليأتى مسلسل «ولد الغلابة» ليعطيك «كوكتيل» محترمًا عن تجار  المخدرات والقتل والانتقام.
باختصار؛ ستجد جهازك العصبى غارقًا فى جثث وجرائم قتل وخطف واختفاء وصراخ وما شابه، لتصبح غير قادر على الاستمرار فى هذا العبث وسترحل مُتململًا باحثًا عمّا يرضيك سواء على القنوات الرقمية الحديثة أو مشاهدة مسلسل قديم أو الانصراف  تمامًا عن المشاهدة، وبالمناسبة هذه الفئة من المشاهدين لا يعنيهم أسماء الممثلين، فقط يبحثون عن الجيد دون إهدار وقتهم.
ورُغم عدم جاذبية أفكار وسيناريوهات المسلسلات التى شاهدتها  خلال الأيام العشرة الأولى التى اعتمد بعضها على «ورش التأليف»  فإننى استمتعت بأداء بعض أبطالها، مثل: دينا الشربينى وريهام عبدالغفور وسوسن بدر  فى مسلسل «زى الشمس» للمخرجة كاملة أبوذكرى التى تحملت المجهود الأكبر بالمسلسل ووضعت الأساس  بجميع تفاصيله بما فى ذلك طريقة أداء أبطالها، لذلك ليس غريبًا ظهور دينا الشربينى بكامل تألقها،  خصوصًا فى الحلقات الثلاثة الأولى لتؤكد على أهمية دور المخرج فى توجيه أبطاله.
ويحسب أيضًا للمخرجة كاملة أبوذكرى اختيارها الصائب لأبطال العمل، خصوصًا الموهوبة جدّا ريهام عبدالغفور فى دور «فريدة» وأولادها بالمسلسل، وبالمناسبة أصغر أبنائها هو ابن غنوة رحمها الله شقيقة أنغام، وأحمد السعدنى فى دور مُختلف  تحوطهم أستاذة الأداء التمثيلى سوسن بدر. ما صنعته كاملة أبوذكرى ليس بجديد عليها، فقد سبق أن صنعت نجومية نيللى كريم فى مسلسلى «سجن النساء» و«ذات» لتنطلق فيما بعد مع مُخرجين آخرين.
يأتى بعد ذلك مسلسل « قابيل» للمخرج كريم الشناوى تأليف محمد عز العرب، وهو أيضًا من الأعمال البوليسية التى لا تحتاج أكثر من عشر حلقات بخلاف إصابة المتفرج بالإجهاد أثناء المشاهدة نظرًا للإضاءة الخافتة والألوان القاتمة المسيطرة على ديكورات العمل والإسراف فى ظهور أشباح بعض شخصيات العمل مثل زوجته روزالين البيه  وأمينة خليل ومحمد فراج،  بخلاف مخارج ألفاظ محمد ممدوح غير الواضحة، ومع ذلك لا أحد ينكر ثقله كمُمثل كبير يتمتع بموهبة حقيقية ظهرت بقوة فى شخصية الضابط طارق المليئة، بالانفعالات العاكسة لحالته النفسية بعد مقتل زوجته،  ورُغم عدم توافر الجاذبية الجماهيرية لمسلسل «قابيل» فإن محمد ممدوح يستحق الاحتفاء به على أدائه شخصية فى غاية الصعوبة. ومن الأسماء اللافتة الأداء سارة  «روزالين البية» التى لعبت دور زوجة محمد ممدوح  وكذلك الضابط  عبدالرحمن «على الطيب» الذى يتطور أداؤه مع كل دور يلعبه.
«ولد الغلابة» سيناريو تقليدى  تندهش لاختيار أحمد السقا له، ورُغم ذلك ستتوقف  أمام صفاء الطوخى  التى ظهرت بمشاهد قليلة، لكنها أثبتت بأستاذية أدائها  أنها تستطيع التأثير «بصمت»، وظهر ذلك من خلال تعبيرات وجهها المعبرة عن مأساتها.
هادى الجيار «عزت» أداء جبار  لشخصية تاجر المخدرات الذى يجمع بين القسوة واللين، عظمة أدائه فى مشاهد ضعفه العاطفى أمام زوجته مى عُمر «فرح» التى تخطط لقتله وبعلمه.
أيضًا محمد ممدوح «ضاحى الكيال» تاجر المخدرات  أبدع فى تجسيد الشر على طريقته، المكر والحقد والرغبة فى الانتقام هى أساسيات راسخة فى تركيبة شخصيته وعليها يبنى سلوكه مع الآخرين حتى فى علاقاته العاطفية لا يعير اهتمامًا لمشاعر الطرف الآخر، ورُغم مساحة دوره بالمسلسل واختفائه بالنصف الأول منه فإنه سيظل فى ذاكرة المُتفرج لإبداعه فى تجسيد الشر أيضا إنجى المقدم فى دور صوفيا «ليالى اوجنى» فى ولد الغلابة أثبتت أنها ممثلة من العيار الثقيل وتستحق اهتمام المخرجين والمنتجين لترشيحها لأدوار بحجم موهبتها.
• هوجان
رُغم سوء سيناريوهات المسلسلات الرمضانية، فإن « هوجان» لمحمد إمام كمسلسل كوميدى هو  الأفضل وبمثابة اكتشاف جديد لمحمد إمام «هوجان» ومحمد محمود عبدالعزيز «لطفى الحراق»،  ويحسب للمخرجة شيرين عادل اكتشاف مناطق أداء تمثيلية لكليهما، أثناء مشاهدتك لكُل منهما ستلاحظ الشبه الكبير فى أدائهما الناتج عن الجينات الموروثة لكُل من عادل أمام ومحمود عبدالعزيز رحمة الله عليه، وأعتقد  أن «هوجان» سيكون بداية مرحلة فنية مختلفة لكليهما، أيضًا دور أسماء أبواليزيد «نوجا» يؤكد  موهبتها  ومدى حرصها على تطوير نفسها فنيّا من خلال  أدوار متنوعة.
حنان مطاوع فى «لمس أكتاف» لعبت دور المعلمة عايدة   بشكل صادم  يجعلك تقف مذهولاً ضاربًا كفّا على كف لتتساءل: كيف ارتدت هذه الشخصية بكل ما فيها من سمات ومشاعر متناقضة لتتأكد أنك أمام ممثلة كبيرة وموهبة حقيقية.
وأخيرًا:
السادة المؤلفون والمُنتجون: إما  أن تلحقوا أنفسكم وتصنعوا أعمالًا تحترم المُتفرج  الذى أصبح يشاهد أكثر مما تتخيلون من خلال المنصات الرقمية الحديثة - وبالمناسبة حكاية المنصات الرقمية ليست بعيدة على الفئات تحت المتوسطة، والدليل أحدث الموبايلات التى يمتلكونها رُغم ظروفهم المعيشية- وتبتعدوا عن مولد الثلاثين حلقة الملىء بالمط والتطويل أو تحمّلوا بمفردكم توابع انصراف الجمهور عن أعمالكم وعدم تسويقها بشكل جيد.•