ماكارابا.. قبعة «الجماهير» الأفريقية

جمال عبد الحميد
سيكون أبرز المشاهد فى المدرجات خلال نهائيات كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم التى تستضيفها مصر بعد أيام قليلة منظر الآلاف من المشجعين الأفارقة المتحمسين لمنتخبات بلادهم وهم يرتدون أغطية رأس لافتة وغيرعادية والتى تعرف باسم «ماكارابا» والتى تشبه إلى حد بعيد القبعة التى كانت تعتمرها الفنانة المصرية الراحلة زينات صدقى فى بعض من أفلامها.
حققت زينات صدقى نجاحًا كبيرًا كممثلة كوميدية وقد ساعدها على ذلك تميزها بالذكاء الفنى فبجانب دراسة الدور الذى تمثله على الورق بكل الأبعاد كانت تضيف له من وجهة نظرها الفنية بعض اللمسات والأفكارالجديدة حتى يظل المشاهد يتذكرها بها ،ومن تلك الأفكار القبعات الغريبة المزركشة بالطيور وثمار الفاكهة والريش والتى كانت تصممها بنفسها ،حيث ظهرت بها فى العديد من الأفلام منها القبعة التى وضعت داخلها الكتاكيت الملونة وارتدتها فى فيلم «أنا وحبيبى» مع الفنانة الكبيرة شادية والفنان منير مراد وعبدالسلام النابلسى رغم أنها لم تكن ضمن السيناريو، وعندما فاجأت أسرة الفيلم بقيادة المخرج كامل التلمسانى غرق الجميع فى الضحك ليتم السماح لها بتصوير مشهد تاريخى بتلك القبعة لترتجل أشهر إيفيه كوميدى مازال حيًا إلى الآن وهو «كتكوتى.. كتاكيتو بنى»، وفى هذا الفيلم أيضًا اعتمرت «صدقى» أكثر من قبعة وغطاء رأس بأشكال غريبة ومنها قبعة ذات ريش طويل جدًا وفى أحد مشاهد فيلم «عايزة أتجوز» ظهرت زينات صدقى وهى تعتمر غطاء رأس داخله أرنب وفى يديها بعض من البرسيم ،وهو المشهد الذى جمعها مع سراج منير وبطل الفيلم فريد الأطرش والذى ارتدى فى نفس المشهد قبعة السومبريرو المكسيكية الشهيرة وأثناء تصوير هذا المنظر الذى أعيد أكثر من مرة ظل الأطرش يضحك حتى دمعت عيناه بسبب القبعة والأرنب وقال لها «حرام عليكى يازينات المكياج راح».
وكانت ابنة حى الجمرك بمدينة الإسكندرية تهوى التفصيل وتصميم الملابس ذات الزخارف التى اشتهرت بها منطقة بحرى والتى كانت تحرص دائمًا على أن تضع شيئا على رأسها أو شعرها مثل القبعة أو وردة أو توكة شعر، والمثير فى الأمر أنه بعد إيفيه «كتاكيتو بنى» ظهرت فى الأسواق توكة تحمل فى أطرافها «كتكوتين» حتى أنها أصبحت منتشرة فى كل البيوت المصرية بعد ذلك حيث كانت الأمهات المصريات تضعنها فى شعر بناتهن الصغيرات لدرجة أن الآباء كانوا يمزحون مع بناتهم بقولهم «عاملة فيها زينات صدقى».
وقد خلدت قبعات زينات صدقى الغريبة والمثيرة فى عام 2018 عندما كشفت الفنانة التشكيلية ومصممة العرائس غادة إبراهيم، عن تصميمها عروسة من الفوم الملون ونحت وجهها حتى تكون شبيهة بهذه الفنانة العظيمة الكوميدية الراحلة، حيث قد وضعت القبعة التى كانت تضعها فوق رأسها وبداخلها كتاكيت، لكى تكتمل الابتسامة.
وإذا كانت الفنانة زينات صدقى قد اخترعت قبعات اشتهرت بها فى عالم الفن فإن ألفريد بالوى والذى ينتمى إلى جنوب أفريقيا بلد الزعيم الراحل نيلسون مانديلا قد قدم إلى عشاق الساحرة المستديرة عبر القارة السمراء قبعة الماكارابا الشهيرة التى تشبه إلى حد بعيد أغطية الرأس التى قدمتها كوميديانة مصر الأولى فى أفلامها.
فالماكارابا من تصميم ألفريد بالوى وهو عامل نظافة فى بلدية بريتوريا وينتمى لمقاطعة ليمبوبو الشمالية وكان يقطن فى كوخ أسمنتى فى بلدة جيرميستون المتواضعة بالقرب من جوهانسبرج عاصمة جنوب أفريقيا.
وتصنع ماكارابا من الخوذات البلاستيكية الصلبة التى يرتديها عمال البناء والتعدين ويتراوح تصميمها من الأغطية الملونة البسيطة إلى مجسمات للاعبين أو فرق أو حيوانات وعادة ما تضاف إليها نظارات وهمية كبيرة الحجم. أو دروع يحمل شعار النادى أو المنتخب وسيكون مشهد المشجعين الراقصين الذين يرتدون الماكارابا ويثيرون الضجيج كالأفيال الضخمة مستخدمين أبواق الفوفوزيلا أحد أبرز سمات الأجواء المثيرة المتوقعة فى ملاعب المحروسة أثناء نهائيات كأس الأمم الأفريقية 2019.
ويعود أصل مصطلح ماكارابا إلى بداية أعمال التعدين فى جنوب إفريقيا فقد كان العاملون والذين كان معظمهم من العمال المهاجرين يرتدون القبعات الصلبة التى يستخدمها عادة عمال المناجم والبناء أثناء ذهابهم وإيابهم من العمل فى النهاية جاء المصطلح للإشارة إلى القبعات الواقية.
وبالوى هو أحد أشهر المشجعين لفريق كايزر تشيفس أبرز فرق كرة القدم فى جنوب أفريقيا والذى لم يتلق تعليما فى المدارس إلا أنه كان فنانًا بالفطرة ،حيث امتلك موهبة كبيرة فى الابتكار والرسومات حيث جاءته فكرة تصميم قبعات الماكارابا فى أوائل عام 1979 عندما حضرمباراة فى سويتو بين فريق كايزر تشيفز وفريق موروكا سوالوز وفيها اندلع العنف والشغب بين مؤيدى الفريقين ليشاهد فى تلك الأحداث مشجع وقد اصطدمت برأسه زجاجة ملقاة من المدرجات ليقوم بمنح الرجل المصاب خوذته لتحميه فى المباريات مستقبلا، وكان بالوى قبل هذه المباراة قرر أن يرسم قبعته باللونين البرتقالى والأسود المميزين لقمصان فريق كايزر تشيفز وهو الابتكار الذى غير حياته وتسبب فى البداية فى ضجة كبرى أينما ارتدى ماكارابا فى جميع أنحاء جنوب إفريقيا، لكن بمرور الوقت بدأت الفكرة تنال الإعجاب ليضيف بالوى أبواقا على هيئة قرون الماعز ثم قرر البدء فى صنع مجسمات للاعبين ووضعها فى الخوذات وذلك بعد أن بدأت تصله طلبات كثيرة لشراء الماكارابا من كبار التجار العاملين فى بيع الأدوات الرياضية عكف على تلبيتها من خلال العمل فى ورشة داخل منزله.
ويلقب ألفريد بالوى باسم «القاضى» ويرتدى زيًا مميزًا يذهب به إلى المباريات. وعن هذا اللقب يقول بالوى «يطلقون على هذا الاسم لأنى أصدر الأحكام على الخوذات لتتحول إلى شىء آخر». والجيتار الذى يحمله بالوى مزين بأشكال أحدها لطبيب وآخر لعقرب وثالث لقرد. ويبرز بوقان من نوع الفوفوزيلا فى مقدمة غطاء الرأس وشكل يمثل «القاضى» كالدمية فى نهاية الجيتار.
تُعد قبعة ماكارابا واحدة من المظاهر التى تميز جماهير كرة القدم فى جنوب أفريقيا على وجة الخصوص ،فهناك يملأ غطاء الرأس الشهير كل الرفوف على اختلافها وتنوعها، وتزين جميع الجدران وتغطى كل الطاولات، حيث تم دهنها ٍوتزيينها بمختلف ألوان الطيف. ويعد هذا العرض الباهر فى المتاجرالرياضية تمثيلًا رمزيًا لخوذات أورلاندو بايرتس وكايزر تشيفز وصانداونز، وهى أكثر أندية جنوب أفريقيا شعبية على الإطلاق. كما تحمل القبعات ألوان بعض أشهر المنتخبات فى عالم الساحرة المستديرة.
فى مونديال 2010 بجنوب أفريقيا كانت قبعات الماكارابا حاضرة بقوة حيث تم تصميم قبعة لكل منتخب من المنتخبات ال 32 المشاركة فى العرس العالمى الكبير حيث تم وضع اسم الدولة على القبعات مع وجود أبواق الفوفوزيلا ،.بالإضافة إلى صور أبرز النجوم والرئيس السابق نيلسون مانديلا والسياسيين وأعلام الفريق والألوان وقبل انطلاق المونديال شوهد ألفريد بالوى داخل مصنعه فى جوهانسبرج يرتدى ماكارابا مزينًا بصور أسطورة كرة القدم الجنوب أفريقية لوكاس راديبى وهو يرتدى اللون الأخضر والذهبى لفريقه ويحمل اثنين من أبواق الفوفوزيلا تحت صورة راديبى.
وقد تسابق العديد من الرعاة لوضع أسمائهم على الماكارابا والتى ارتفع وازداد الطلب عليها فى ملاعب البيسبول وكرة القدم الأمريكية وكرة السلة إضافة إلى رياضة الرجبى التى تحظى بشعبية كبيرة فى صفوف أهالى جنوب أفريقيا.