الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الوزير المفوض «حيدر الجبورى»: «صفقة القرن» بعد رمضان

الوزير المفوض «حيدر الجبورى»: «صفقة القرن» بعد رمضان
الوزير المفوض «حيدر الجبورى»: «صفقة القرن» بعد رمضان


تزامنًا مع تطور الأحداث فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ووصولًا لقرار الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ترامب، بإيقاف دعم موازنة السُّلطة الوطنية الفلسطينية، عَقد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى دورة غير عادية، بحضور الرئيس محمود عباس والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط؛ للاستماع إلى آخر مستجدات القضية الفلسطينية سواء فيما يخص فرض الحلول غير القانونية التى تدّعى سيادة إسرائيل على أجزاء أساسية من الأراضى الفلسطينية وأيضًا العربية، أو فيما يخص تحول الموقف الأمريكى من راعٍ محايد لعملية السلام إلى تبنٍ واضح لموقف إسرائيل المتطرف فى انحياز سافر ينذر بنسف عملية السلام.


حول تضارب الآراء حول ماهية صفقة القرن، بالإضافة إلى الكثير من المحاور الرئيسية حول المشهد السياسى العربى كان لـ«صباح الخير» هذا الحوار مع حيدر الجبورى- الوزير المفوض ومدير إدارة شئون فلسطين بجامعة الدول العربية- للاطلاع على آخر مستجدات العمل العربى المشترك بشأن القضية الفلسطينية.
فى البداية؛ ما آخر مستجدات الوضع بالنسبة للقضية الفلسطينية بعد الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية؟
- عقب قرار الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب بإيقاف دعم موازنة السُّلطة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى سلسلة الإجراءات، التى اتخذتها خلال الفترة الماضية فى خرق فاضح لجميع القرارات الشرعية الدولية؛ خصوصًا قرارات مجلس الأمن، التى تَعتبر القدس مدينة محتلة، تداعت الدول العربية بالتحرك من أجل إيجاد مَخرج لهذا المأزق الخطير، وبحضور الرئيس محمود عباس عَقد مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى دورة غير عادية بتاريخ 21/4/2019، واستمع المجلس إلى خطاب مفصل لآخر تطورات القضية الفلسطينية؛ خصوصًا تلك التى تستهدف فرض حلول غير قانونية تعترف بسيادة إسرائيلية على أجزاء أساسية من الأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية والجولان العربى السورى المحتل، ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية، بما يشكل حماية للجرائم والممارسات الاستعمارية الإسرائيلية، وأصدر المجلس بيانًا تضمّن التأكيد على قرارات الجامعة السابقة وعلى مبادرة السلام العربية لعام 2002 المبنية على أساس القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية، ومبدأ الأرض مقابل السلام، ورفض أى خطة أو صفقة لا تنسجم مع هذه المرجعيات الدولية، والتأكيد على أن مثل هذه الصفقة لن تنجح فى تحقيق السلام الدائم والشامل فى الشرق الأوسط، وحذرنا من خطورة النهج الإسرائيلى باعتماد قوانين عنصرية لشرعنة نظام الاستيطان والفصل العنصرى، وحرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه ونهب أرضه، بما فى ذلك القانون الذى سمح لحكومة الاحتلال بسرقة مخصصات ذوى الشهداء والأسرَى الفلسطينيين من عائدات الضرائب الفلسطينية.
والتأكيد على التزام الدول العربية بدعم موازنة دولة فلسطين وتنفيذ قرار قمة تونس بتفعيل شبكة أمان مالية بمبلغ مائة مليون دولار أمريكى شهريّا دعمًا لدولة فلسطين لمواجهة الضغوط السياسية والمالية التى تتعرض لها.
مجلس الجامعة؛ خصوصًا فى قمة تونس، أصدر بيانًا تضمّن الإشارة إلى العديد من القرارات، أبرزها تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334الصادر عام 2016.. ما مصير هذه القرارات؟
- لاتزال إسرائيل ماضية فى غيها فى البناء الاستيطانى، وقد عبّر المجتمع الدولى عن رفضه للاستيطان،  ومجمل قرارات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة لا تعترف بشرعية المستوطنات فى الأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة، بما فى ذلك قرار مجلس الأمن 2334 الصادر فى ديسمبر لعام 2016، الذى نص صراحة على أن البناء الاستيطانى فى الضفة الغربية والأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة هو بناء غير شرعى وغير قانونى ويجب تفكيكه، وطالب هذا القرار بضرورة قيام الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير كل ثلاثة شهور حول ما تم إنجازه فى سبيل تنفيذ ذلك القرار، ولكن طبقًا للواقع لم ينفذ هذا القرار حتى الآن، وبناء إسرائيل الاستيطانى ما هو إلا سياسة  فرض أمر واقع، وهى سياسة مرفوضة ومدانة من المجتمع الدولى، ومجلس الأمن وهو الجهاز المعنى بحفظ السلم والأمن الدوليين والمعنى بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وتنفيذ هذه القرارات.
ما آخر مستجدات سبل وآليات تفعيل شبكة الأمان المالية؟
- كان قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة فى بغداد عام2012 بدعم فلسطين بمبلغ 100 مليون دولار أمريكى شهريّا لمواجهة الضغوط السياسية والمالية التى تتعرض لها، ، وأكدت على ذلك قرارات القمم العربية المتتالية وآخرها قمة تونس الأخيرة؛ حيث أكد القرار على التزام الدول العربية بدعم موازنة دولة فلسطين بهذا المبلغ شهريّا، وفقًا لذات الآلية فى تقسيم حصص مساهمات الدول العربية فى موازنة الأمانة العامة، وأود أن أشير إلى أن العديد من الدول العربية سبق أن دعّمت وكالة الغوث الدولية التى لم يبق من العجز المالى لها خلال العام المنصرم دولار واحد، وهو ما يعد ردّا حاسمًا من الدول العربية على قرار الإدارة الأمريكية بوقف تمويلها للأونروا.
تظل هناك الكثير من الاستفسارات حول آلية الدفع والتزام الدول العربية بتفعيل هذه الشبكة فى ظل انتهاكات الاحتلال لحقوق الشعب الفلسطينى؟
- للأسف سُلطة الاحتلال تسيطر على عملية تحويل الأموال، فهى على سبيل المثال لا الحصر  تقوم باحتجاز أموال دولة فلسطين؛ خصوصًا عقب استقطاع العوائد الضريبية من مخصصات الأسرَى وذوى الشهداء كعقوبة جماعية ضد كل من يقف ضد ويقاوم الاحتلال من أبناء شعبنا فى فلسطين،  فى الوقت ذاته؛ أقدمت القيادة الفلسطينية على الرد ثأرًا لكرامة أبناء الشعب الفلسطينى العربى الصامد على أرضه، بالرفض التام لاستقطاع هذا المبلغ من الموازنة الفلسطينية وإصرار القيادة على استلام المبلغ كاملًا باعتباره حقّا من حقوق دولة فلسطين، وهذا التعويق الإسرائيلى لتدفق الأموال إلى السُّلطة الوطنية الفلسطينية يمثل إشكالية حقيقية، وهو ما ينبغى على المجتمع الدولى ممثلًا بدوله وهيئاته ذات العلاقة أن يتدخل بالضغط على إسرائيل بوصفها سُلطة الاحتلال لضمان وصول أموال الشعب الفلسطينى عبر موازنة دولة فلسطين، وإلا ستواجه المنطقة برمتها تداعيات لن تحمد عقباها.
رُغم تضارب الآراء.. يظل هناك ما يستدعى الوقوف أمام ما يسمى بصفقة القرن وحقيقة ماهيتها ومدى خطورتها على مستقبل الوطن العربى؟
- حتى الآن لا توجد خطة مطروحة بشكل رسمى، كل ما يتم تسريبه حول ما يسمى بصفقة القرن هو عبر التسريبات الإعلامية، وهناك إعلان أمريكى بطرح خطة للسلام بعد شهر رمضان، لكن دعينى أقول لك إن أى صفقة لا تتسق مع قرارات الشرعية الدولية ومع الحق الفلسطينى بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو - حزيران لعام 1967 لن تكون ذات قيمة، ولن تمر دون مراعاة هذه الثوابت وأخذها بنظر الاعتبار، وهى ذات ثوابت الموقف العربى الداعم للموقف الفلسطينى، والفلسطينيون ليسوا عُزّل أو بمفردهم أمام تلك الصفقة، هناك أمّة عربية تتبنى ذات الموقف الفلسطينى، على سبيل المثال لا الحصر، فى العام المنصرم عندما انعقدت القمة العربية بالظهران فى المملكة العربية السعودية، وكان قد صدر قبلها الإعلان الأمريكى الذى تضمّن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان رد الدول العربية فى القمة العربية عبر إطلاق رئيسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على القمة تسمية «قمة القدس» وإعلانه تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ (150) مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية فى القدس، وكذلك بمبلغ (50) مليون دولار للأونروا، فيما أكدت قرارات مجالس الجامعة على مختلف مستوياتها رفض وإدانة القرار الأمريكى، والدول العربية قالت كلمتها الفاصلة فى قمة الظهران ثم فى قمة تونس والمعبر عنها أيضًا فى البيان الوزارى الأخير الذى أكد عدم قبول لأى صفقة لا تنسجم مع المرجعيات الدولية، لتعارضها التام مع متطلبات واستحقاقات عملية السلام الشامل فى الشرق الأوسط، وأولها الحقوق العادلة للشعب الفلسطينى.. كما ينبغى أن نشير إلى أن الهدف الرئيسى من هذه الخطة (أو الصفقة كما يطلق عليها فى وسائل الإعلام) فى المقام الأول، هو تحقيق مصلحة إسرائيل عبر تصفية قضايا الوضع النهائى والضغط على الفلسطينيين والعرب للقبول بحل اقتصادى دون تحقيق حل الدولتين الذى تنص عليه قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وهو أمر مرفوض من قِبَل دولنا العربية جميعًا.
ماذا لو تم تنفيذ فرض هذه الصفقة على أرض الواقع؟
- مبدأ فرض حلول أحادية لن يرتب حقوقًا، وما يفرض على الأرض بالقوة سيزاح يومًا ما بالقوة، إذ إن ميزان القوة يتغير؛ خصوصًا  فى العلاقات الدولية، كما أن مبدأ المعادلة الصفرية فى العلاقات بين الدول لم يعد مقبولًا اليوم؛ خصوصًا عندما يتعلق الأمر بحقوق شعب، وفى مقدمة هذه الحقوق الحق فى تقرير المصير، لذا فلا قيمةلأى صفقة من دون اعتراف الفلسطينيين والدول العربية بها.
ما تفسيرك للتحول الذى شهده الموقف الأمريكى تجاه الشأن العربى، وتحديدًا القضية الفلسطينية؟
- لقد تبنت الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب موقفًا منحازًا لا يُعبر بالضرورة عن موقف الشعب الأمريكى، الرؤساء يمضون والشعوب تبقى، والمواقف تتبدل، هناك مسئولون فى أمريكا تمت تنحيتهم من قِبَل الرئيس ترامب ووزير خارجيته، وهذا دليل على أن هناك خطّا معارضًا لدى الشعب الأمريكى لسياسات رئيسه بما فيه داخل الإدارة نفسها، وليس بالضرورة أن يفرض ترامب إرادته كما يريد، والقرارات التى أصدرتها إدارته لن ترتب لإسرائيل حقوقًا، فالحقوق المعترف بها والثابتة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية واضحة ومَهما حاول نتنياهو ومن يقف معه العبث بالتاريخ لن يستطيعوا تغيير حقائق التاريخ الدامغة، على سبيل المثال لا يمكن اختزال القدس لليهود، فالقدس عربية وعروبتها مثبتة بحقائق التاريخ ومصادرها الموثوقة وبالكتب السماوية بما فيها التوراة.
ما دور الأمانة العامة للجامعة متمثلة فى قطاع شئون فلسطين والأراضى العربية المحتلة فى هذا الشأن؟
- تقوم الأمانة العامة بجهد استثنائى مكمل للجهد السياسى والدبلوماسى لدولة فلسطين، ومن خلال جهود الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، الذى لا يدّخر جهدًا ولا يدع فرصة إلا ويضع الشأن الفلسطينى فى الصدارة على طاولة النقاش فى مجمل لقاءاته مع المسئولين العرب والأجانب، وأثناء تمثيله لجامعة الدول العربية فى المؤتمرات والمحافل الدولية، أمّا فيما يخص قطاع فلسطين والأراضى العربية المحتلة فهو جزء مهم من جهاز الأمانة العامة يسعى بالتنسيق مع بقية قطاعات الأمانة العامة بأن يشكل رافعة مكملة للجهد العربى والاحتياج الفلسطينى، ولعل من أدوات هذا الجهد بعثات جامعة الدول العربية فى الخارج التى تنسق جهودها مع مجالس السفراء العرب فى الخارج، والتى تضع فى مجمل نقاشاتها دائمًا الشأن الفلسطينى فى المقدمة وفى مجمل تحركاتها ونشاطاتها؛ حيث تعمل كيَدٍ واحدة من أجل نصرة قضية الشعب الفلسطينى داخل المنظمات الدولية وصولًا إلى إصدار العديد من القرارات الدولية الداعمة لحقوق شعبنا الفلسطينى والعربى فى الأراضى المحتلة.
أخيرًا؛ ما تقييمك لدور الإعلام العربى فى تناوله لقضايا المنطقة العربية والقضية الفلسطينية؟
- رُغم أهمية الإعلام العربى وفاعليته؛ فإنه يظل هناك قصور من ناحية مخاطبة الآخر، فوسائل إعلامنا تبدو وكأنها تخاطب الذات، وهنا أود الحديث بلسان حال كل مواطن عربى، إذ أتمنى أن أرى قنوات عربية ناطقة باللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية الحية الموجهة لمخاطبة الآخر، يتم الترويج من خلالها لمجمل القضايا العربية لعكس وجهة نظرنا كعرب تجاه تلك القضايا، لتكون فى مواجهة الإعلام الصهيونى الذى يروج للرواية الإسرائيلية المزيفة، وهو ما يتطلب فى المقابل فضح هذا التزييف فى الحقائق ونشر وإسناد روايتنا العربية بلغاتهم ولسانهم ووفقًا لطريقة تفكير الطرف الآخر وفهمه.