الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بيبرس

بيبرس
بيبرس


الظاهر هو ركن الدين الملك الظاهر بيبرس البندقدارى. أحد المماليك البحرية، كان فى بادئ الأمر مملوكًا للأمير علاء الدين البندقدارى ثم أصبح من جملة مماليك الملك الصالح نجم الدين الأيوبى،  ولما توسم فيه الفطنة والذكاء أعتقه وظل يترقى فى مناصب الدولة إلى أن تمكن بدهائه وسياسته من تبوء عرش مصر، وولى ملكها سنة 658هـ (1260م) وتلقب بالملك الظاهر، وكان من أعظم سلاطين دولة المماليك البحرية وقد لازمه التوفيق فى حروبه ضد الصليبيين والتتار وأخضع من تمرد عليه من أمراء الشام إلى أن وافته المنية سنة 676هـ (1237م).

ومن إنجازات السلطان بيبرس أنه أقام الكثير من المنشآت الدينية التى ما زال الكثير منها قائمًا حتى الآن، ففى قلعة الجبل يقول المؤرخون إنه عمَّر دار الذهب وبنى بها قبة عظيمة محمولة على اثنى عشر عمودًا من الرخام الملون، وأنشأ بجوار باب القلعة العمومى برج الزاوية، وهو البرج الذى لا يزال قائمًا حتى اليوم فى الزاوية الشمالية الغربية من السور القديم للقلعة. وقد أنشأ بيبرس على هذا البرج قبة وزخرف سقفها ثم أقام بجواره طابقًا للمماليك. وفى رحاب القلعة أنشأ بيبرس دارًا كبيرة لولده الملك السعيد.
وصف الجامع
يتكون جامع الظاهر بيبرس من مستطيل كبير يبلغ طول ضلعه الشمالى الشرقى 106.30 متر، وضلعه الجنوبى الغربى 105.94 متر. أما ضلعه الشمالى الغربى فيبلغ طوله 103.53 متر، وضلعه الجنوبى الشرقى 102.95 من الأمتار وبذلك يتضح لنا أن الجامع لم يعد كامل الاستطالة حاليًا، لأن الركن الغربى أكثر طولاً من الركن الشرقى بفارق 2.20 من الأمتار وجدران هذا الجامع مبنية بأحجار منحوتة وضخمة ويبلغ ارتفاعها 11 مترًا تقريبًا. وتعلوها شرفات مسننة ارتفاعها 1.30 متر وسمك جدران الجامع نحو 1.65- 1.75 متر بزيادة 10 سنتيمترات، أما واجهة الجامع الرئيسية فهى أقل سمكًا من جدرانه. ويحيط بالجامع حاليًا خندق منخفض عن سطح الأرض إلا أنه كان فى وقت من الأوقات مساويًا للطريق العام، وقد قويت أركان المسجد من الخارج بأربعة أبراج، اثنان منها على طرفى الضلع الجنوبى الشرقى والآخران مستطيلان، والأبراج مصمتة ما عدا ذلك الذى يشغل الركن الجنوبى الغربى فهو مجوف يشغله درج. . وقد فُتح فى الجزء العلوى من السور اثنتان وسبعون نافذة يعلو كل منها عقد مدبب بمعدل 18 نافذة لكل واجهة، وقد كانت هذه النوافذ مملوءة بالجص المخرّم والزجاج المعشّق، وللجامع ثلاثة مداخل تذكارية بارزة عن سمت السور الخارجى،  المدخل الرئيسى منها يتوسط الضلع الغربى،  أما المدخل الشمالى والمدخل الجنوبى فيتوسطان صحن الجامع فقط.
المدخل الرئيسى للجامع
يتوسط المدخل الضلع الشمالى الغربى للجامع ويتكون من كتلة ضخمة عرضها 11.83 متر. ويبرز عن مستوى الجدران بمقدار 8.86 متر، ويتوسط المدخل باب معقود يبلغ سعة عقده 3.95 متر، ومزخرف بصنجات مفصصة، وكان يرتكز على عمودين من الرخام اندثرا الآن.
وعلى جانبى هذا الباب من أسفل توجد «حنيتان» مستطيلتان يعلوهما صفان من الدلايات وبداخلهما تجويفان يعلوهما عقد مفصص. أما الجزء العلوى من الباب فتشغل خاصريه حنيتان يعلوهما عقد مفصص هما أيضًا.
وعلى الجانب الداخلى لكل من الحنيتين يوجد شكل زخرفى لنجدمة تحوى لفظ الجلالة «الله»، ويعلو كلاً من الحنيتين شريط به آيات قرآنية اندثر معظمها الآن.
يؤدى باب المدخل إلى ممر له قبة فى أوله ثم ينتهى بقبة أخرى ضحلة تقوم على مثلثات كروية، تغطى جزءًا مربعًا من الممر فقط، وعلى جانبيها يوجد تجويفان يتقدمهم أربعة أعمدة ويعلوهما عقدان مدببان، ثم ينتهى الممر بعقد مدبب كبير داخل حنية كبيرة تؤدى إلى الرواق الشمالى الغربى من المسجد. أما المدخلان الأخيران فى الوجهتين الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية فمتشابهان وهما أصغر من المدخل الرئيسى،  إذ يبلغ عرض المدخل 8,13 متر، ويبرز عن سمت الحائط بمقدار 4,3 متر، ويتوسط المدخل عقد كبير تبلغ سعته 3,73 متر، وهو مزخرف بصنجات جميلة تحتوى على زخارف نباتية، وعلى جانبى العقد توجد حنيات يعلوها صفان من المقرنصات.
الجامع من الداخل
يتوسط الجامع صحن مكشوف سماوى مربع المساحة تقريبًا، تحيط  به أربعة ظلات، أهمها ظلة القبلة التى تتكون من ستة أروقة لها عقود محمولة على أعمدة ودعامات. ويبلغ عدد بواكى إيوان القبلة ستة، أما الجانبان الشمالى والجنوبى فبكل منهما ثلاث بواكى،  وتحتوى الجهة الغربية على باكيتين، وترتكز بعض البواكى على أعمدة والأخرى على دعائم.
مأساة الجامع
هذا الجامع  جرت عليه  يد  الزمن  بالتخريب، وأصابه الكثير من المهانة حتى لم يكد يبق منه سوى الجدران الخارجية وأبوابه الثلاثة البارزة، والتى كانت كلها  مشيدة بالحجر المنظم النحت من أسوار وأبواب. أما داخله فقد تهدم كله تقريبًا وكان أغلبه مشيدًا بالأجر ولم يبق إلا بضعة أكتاف من رواق القبلة والجدران، والتى كانت تحيط بالمربع أمام المحراب، وكان من الطبيعى أن يصبح كذلك بعد سوء استخدامه فى أغراض عدة على مر العصور، كان أسوأها أيام الحملة الفرنسية عندما حوّله الفرنسيون إلى حصن أطلق عليه اسم حصن سلكوفسكى Sulkowske وهو اسم أحد قادة الجيش الفرنسى آنذاك، ووضعت المدافع فوق سطحه، واستعملت مئذنته برجًا وكانت لا تزال موجودة حتى ذلك الحين فوق المدخل الرئيسى فى محور الواجهة الشمالية الغربية، واستعمل الجامع بعد ذلك مصنعًا للصابون!