الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«أوجينى» أيقونة الافتتاح والحب والفن

«أوجينى» أيقونة الافتتاح والحب والفن
«أوجينى» أيقونة الافتتاح والحب والفن


كتب: صلاح بيصار

على قدر معاناة الشعب المصرى فى حفر قناة السويس بما يعد صورة مثالية للصبر والجلد كطبيعته، «وكانت النتيجة: قناة مصرية على أرض مصرية تربط الشرق بالغرب».. جاء الافتتاح فى 16 من نوفمبر عام 1869 بمثابة حدث أسطورى، دعا فيه الخديوى إسماعيل رؤساء وملوك العالم  مع أدباء وفنانين من مختلف الدول، من بينهم: مسيو دى ليسيبس الدبلوماسى الفرنسى وصاحب مشروع القناة وفرنسو جوزيف إمبراطور النمسا وملك المجر وولى عهد بروسيا والأمير هنرى شقيق ملك هولندا..والأمير محمد توفيق ولى العهد والأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا وشريف باشا ونوبار باشا والأمير عبد القادر الجزائرى وبلغ الحضور ما يربو على ستة آلاف مدعو من ذوى المقامات الرفيعة بمصر وخارجها.


ومن بين المدعوين من نجوم الفكر والفن الأديب العالمى إميل زولا «1840 – 1902»  صاحب المذهب الطبيعى ومبدع روايات : «نانا» و«روما» و«اللوفر» التى صور فيها الحياة البوهيمية للفنانين ومنهم صديقه سيزان.. ولزولا صورة شخصية رسمها له الفنان «إدوارد مانيه».. كما حضر الكاتب المسرحى النرويجى هنريك ابسن «1828-1906» مبدع الرائعة المسرحية «البطة البرية» و«بيت الدمية».. وحضر من الفنانين ليون جيروم وفرومنتال من فنانى الاستشراق.. هذا مع أيقونة الافتتاح الإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث التى أرسلت إلى زوجها الإمبراطورالفرنسى  برقية قالت فيها.. بأن «الاحتفال كان فخمًا بدرجة لم تتصورها ولم تر مثله فى حياتها»..وقد خلد التاريخ الملكة الحسناء فى هذا الحدث التاريخى وسجل خطواتها  على أرض مصر مع الاحتفال والاحتفاء الذى يذكرنا بليالى ألف ليلة وليلة، ويقال إن الخديوى إسماعيل التقى بها وقت أن كان يدرس بمدينة النور وهناك وقع فى غرامها ومن هنا جاءت دعوتها لحضور مراسم حفل افتتاح قناة السويس، ولكن كإمبراطورة ودرة العقد الفريد، تقدمت الجميع بجمالها مع الخديو ودى ليسيبس..مثلما خلدها كبار فنانى القرن التاسع عشر فى لوحات تعد من نفائس الفن العالمى.
أوجينى..غرناطة وباريس
وإمبراطورة فرنسا ساحرة الجمال المتوقدة الذكاء والتى عمرت حتى بلغت 94 عامًا وعبرت حياتها من القرن التاسع عشر إلى العقد الثانى من القرن العشرين «1826- 1920».. كانت مولعة بالأناقة «ولم تكن ترتدى الحذاء الا مرة واحدة»، ولحضورها الشديد وسطوة الحسن البادية عليها، كانت على موعد مع الخلود فى الفن والحياة، مثلما عاكستها الاقدار وشهدت حياة درامية عاصفة، بعد أن اعتلت عرش فرنسا لمدة 17 عامًا مع نابليون الثالث.. فى 5مايو من عام 1826 ولدت أوجينى بإقليم «غرناطة» بأسبانيا لأسرة أرستقراطية وانتقلت إلى باريس لتنشأ وتتعلم بدير القلب المقدس، وفى عام 1852 عندما اعتلى نابليون الثالث عرش فرنسا، أعجب بجمالها وذكائها وتزوجها عام 1853 وتم الزفاف والإقامة بقصر «التوليرى» الملكى كما تمت مراسم الزواج بكنيسة نوتردام» التى احترقت الشهر الماضى والتى شهدت من قبل مراسم زواج نابليون بونابرت»..وأنجبت أوجينى من الإمبراطور ابنهما الوحيد  لويس.
بعد عودة أوجينى إلى فرنسا من احتفالات قناة السويس قامت الحرب السبعينية بين روسيا وفرنسا، وتوالت هزائم فرنسا وثار الشعب الفرنسى عليها وهربت إلى انجلترا مع ابنها لويس ولحق بهما نابليون الثالث الإمبراطور المخلوع بعد أن فقد عرشه  وعاش بقية حياته منفيا هناك.. وكان عام 1879 عاما مأساويا آخر فى حياة الإمبراطورة وهو العام الذى تم فيه خلع الخديوى إسماعيل.. فقد قتل ابنها لويس نابليون أثناء اشتراكه فى الحرب ضد قبائل «الزولو» بجنوب إفريقيا.. وبعد 36 عامًا من زيارتها الأولى إلى مصر ومع  تلك الأحزان، جاءها الشوق وعاودها الحنين فعادت مرة أخرى عام 1905ليس كإمبراطورة ولكن كمواطنة متخفية..  وأقامت بفندق سافوى ببور سعيد وقضت أياما هناك، وانتقلت إلى القاهرة بين المساحات السعيدة المسكونة بالذكريات والتى أقامها الخديوى إسماعيل: قصر الجزيرة «فندق ماريوت حاليا» الذى أنشاه على غرار قصر التوليرى الفرنسى بلمسة من الأندلسى والإسلامى «حيث كانت تقيم معتلية العرش مع بونابرت الثالث» وحديقة الأسماك وشارع الهرم.
 وكان  الطريق إلى الأهرامات التى سعدت بزيارتها وشوارع القاهرة التى احتفت بها من قبل، مزدانة بالشارات والأعلام وأقواس النصر، وزارت زوجات الخديوى إسماعيل مثلما زارت قبره بمقبرة الملوك بجامع الرفاعى.. وجاءت نهاية  أوجينى بعد ذلك فى موطنها الأصلى بإسبانيا حين عادت اللؤلؤة إلى محارتها فى زيارة إلى وطنها فانتابها المرض ورحلت عام 1920.
الإمبراطورة فى لوحات
 الفنان الألمانى  وينتر هالتر « 1805- 1873» من أشهر من صور الإمبراطورة الفاتنة وقد أعلن  عن موهبته الكبيرة من البداية وتلقى تعليمه بأكاديمية الفنون بموناكو.. وأصبح فيما بعد رساما فى بلاط الملك لويس فيليب وطافت شهرته الآفاق ومن هنا حظى بالقرب من العائلات الملكية فى بريطانيا وفرنسا وبلجيكا ورسم العديد من الملوك والملكات والأمراء والأميرات فى صور شخصية استحضر فيها مع روح العصر روح الشخصية بتفاصيل من الملابس والاكسسوار والنقوش ووحدات الإضاءة والستائر..كما تميز بتجسيد المناخ الاجتماعى لكل بلاط وما يحكمه من قيم وتقاليد وروح أرستقراطية فى منتصف القرن التاسع عشر .. وبعيدًا عن الشخصيات الرسمية له لوحة رائعة الجمال لزوجة الموسيقار الروسى ريمسكى كورساكوف صاحب سيمفونية شهر زاد أو ألف ليلة.
وقد صور الفنان هالتر أوجينى الحسناء فى أكثر من صورة شخصية بدءًا من عام 1953..صورها جالسة وواقفة.. كما صورها مع نابليون الثالث وصورها  محاطة بوصيفات الشرف فى صورة صرحية متسعة يمتزج فيها جمال الطبيعة من الأشجار التى تتخللها زرقة الأفق بالجمال الإنسانى من وجوه الحسناوات مع باقات الورود وكانت أوجينى فى مركز اللوحة من ناحية اليسار.
أما الفنان الفرنسى إدوارد دوبوف فكان والده رسامًا أعطاه الدروس الفنية الأولى ودرس بعد ذلك فى كلية الفنون.. وبدأ مسيرته كرسام صور.. و فى عام 1853قام  بتصوير الإمبراطور نابليون الثالث والإمبراطورة أوجينى وقد استمر فى نجاحه كمصور للطبقة الأرستقراطية.. وعندما طلبت منه أوجينى مساعدتها فى عمل ديكور «للصالون الأزرق» بقصر التويليرى عام 1866 انتقده الروائى إميل زولا فى إحدى الصحف مؤكدا أن مؤهلاته لاترقى إلى هذا المجال لأنه يتميز بكلاسيكية صارمة.
ورغم هذا تظل صوره لأوجينى الإمبراطورة شاهدة على جمال واحدة من فاتنات التاريخ امتدت حياتها بين التوهج والانطفاء وبين الصعود والانكسار.