الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تمثال لصاحب الامتياز الحقيقى

تمثال لصاحب الامتياز الحقيقى
تمثال لصاحب الامتياز الحقيقى


كتب: انتصار غريب
قُدرت تكاليف إنشاء القناة بمبلغ 200 مليون فرنك فرنسى، لكن وفقًا للحسابات التى أجريت فى 31ديسمبر 1869م، والتقرير المقدم إلى الجمعية العمومية للمساهمين فى 30مايو 1870م، يتضح أن القومبانية قد تحملت نفقات وصلت قيمتها إلى 432.807.882فرنك فرنسى، منها 2010 ملايين فرنك مقدمة من الحكومة المصرية.


وقد عانى العمال المصريون أثناء حفر قناة السويس عدة أوبئة تسببت فى موت عدد كبير منهم، ومن أشهرها : وباء الكوليرا فى 1865م، والجدرى فى 1866م، ويعود هذا إلى كثرة عدد العمال وعدم وجود رعاية صحية كافية لهم، ولقد بلغ عدد من ماتوا من العمال المصريين 125 ألف عامل تقريبًا.
لكن الشعب المصرى لم يذعن لهذا النظام الجائر الذى فرضه سعيد باشا لحشد عشرين ألف عامل كل شهر لحفر القناة،  بل قاومه ما وسعته الحيل والوسائل؛ فازداد عصيان العمال وساء سلوكهم إزاء الرؤساء الفرنسيين فى الشركة وتعددت حوادث هرب العمال من ساحات الحفر، وكان يكثر هروبهم أول الأمر فى الليالى غير القمرية، حيث كان يسهل عليهم التسلل فى الظلام الدامس، ثم اشتدت حركة الهرب فلم تكن حركة فردية بل كانت حركات جماعية.
نذكر على سبيل المثال: أنه هرب 62 عاملًا فى ليلة واحدة ، وفى الليلة التالية هرب 199 رجلًا من الذين سِيقوا من مديرية المنيا، كما هرب عمال مديرية روضة البحرين والعمال الذين جىء بهم من طلخا ودسوق. وما لبث أن أظهر عمال الوجه القبلى تحديًا سافرًا للشركة أثناء هربهم،  إذ كانوا يطلقون الأعيرة النارية تحريضًا لزملائهم على الهرب معهم.
فى البداية؛ هاجمت إنجلترا نظام السخرة فى حفر القناة كى توقف نفوذ فرنسا فى مصر، فى حين كانت تستخدم إنجلترا نظام السخرة نفسه فى إنشاء خط سكة حديد السويس الذى يخدم مصالحها.
بعد كل هذه المآسى التى مَرّ بها الفلاح المصرى من حفر القناة، وما تعرّض له بالظلم،  احتفظت الذاكرة المصرية بمشاعر العداء للاستعمار ولشخص (ديليسبس) الفرنسى الذى استخدم السخرة فى حفر القناة، ولم يكن مستغربًا أن تقوم المقاومة الشعبية فى بور سعيد بتفجير وهدم تمثال ديليسبس الذى أقيم على مدخل القناة الشمالى، أثناء مقاومة المصريين للعدوان الثلاثى على مصر فى 1956، عندما قامت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل بقصف مدن القناة انتقامًا من المصريين،  بعد قرار الرئيس جمال عبدالناصر فى 26يوليو 1956م، بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، فى خطابه التاريخى فى مدينة الإسكندرية، وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين.
ولاتزال قاعدة تمثال (ديليسبس) موجودة للآن عند المدخل الشمالى لقناة السويس فى بور سعيد،  فلماذا لا يُوضع تمثالٌ ضخمٌ للفلاح المصرى صاحب الامتياز الحقيقى والمِلكية الحقيقية لقناة السويس، والذى حفرها بدمه ودموعه وتضحياته وماله؟!.
ومن الممكن طرح الاكتتاب العام ومسابقة بين النحاتين المصريين لعمل مثل هذا التمثال،  أو عمل نسخة كبيرة من تمثال محمود سعيد للفلاح المصرى والموجودة فى متحفه بالقاهرة.