الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المسافة واسعة بين أبو العلا والزمالك

المسافة واسعة بين أبو العلا والزمالك
المسافة واسعة بين أبو العلا والزمالك


هناك عدة وجوه تنطلق من بورتريه المخرج صلاح أبو سيف أولها أنه المخرج الذى اكتشف نجيب محفوظ وقدمه إلى عالم السينما، فكان يكتب السيناريو وحده وفى بعض الأحيان بالمشاركة مع المخرج، وقد كتب له محفوظ أغلب أفلامه ومنها المنتقم» إخراج أحمد سالم 1948، و« لك يوم ياظالم» عام 1951، و«ريا وسكينة» 1952، وأيضا «الطريق المسدود»، كما أن أبوسيف هو أول من فتح الباب لتقديم هذا الكم الكبير من روايات محفوظ من خلال فيلمهما الأول معا «بداية ونهاية» عام 1960، ثم قدم له بعد ست سنوات فيلم «القاهرة 30». والغريب أن محفوظ لم يشترك فى كتابة سيناريو، سواء كان ذلك مع أبو سيف أو غيره.
أما الوجه الثانى فى البورتريه، فهو تحويل أفلام بارزة من السينما العالمية إلى أفلام مصرية، وفى بعض الأحيان كان ذلك يتم مع الروايات العالمية، فالفيلم السينمائى الأول فى حياة أبوسيف كان باسم «دايما فى قلبى» عام 1946 المأخوذ عن فيلم «جسر واترلو» إخراج ميرفين ليروى 1939، وقد قال لى يوما أنه كم شعر بالندم لأنه لم يسند بطولة الفيلم إلى أنور وجدى، حيث إنه أكثر حيوية، ومع ذلك فإن أبوسيف قدم عماد حمدى فى أكثر من بطولة بعد رحيل وجدى. منها فيلم «مجرم فى إجازة» عام 1957، المأخوذ عن الفيلم البريطانى «النمر النائم» إخراج جوزيف لوزى 1953.
من بين الأفلام التى اقتبسها عن السينما العالمية أيضا هو فيلمه «رسالة من امرأة مجهولة» المقتبس من الفيلم الذى تم إخراجه عام 1948 عن رواية للألمانى ستيفان تسفايج، ولمن قرأ النص الأدبى فإن الفيلم المصرى الذى قام ببطولته فريد الأطرش عام 1962، هو أقرب إلى الفيلم الأمريكى.حيث إن الشخصية الرئيسية هى عازف موسيقى، أما البطل فى الرواية فهو أديب مثل زفايج.. الوجه الثالث للبورتريه هو الرواية المصرية التى كان أبوسيف أكثر المخرجين حماسا لها، فساعد بذلك على تغيير خريطة السينما من ناحية، وخريطة الأدب من ناحية أخري، وقد تحمس أبو سيف لكتابات كل الأجيال من الأدباء، وعلى رأسهم إحسان عبدالقدوس الذى قدم له تسعة افلام منها: «لاأنام» و«الوسادة الخالية» و«الطريق المسدود»، و«لاتطفئ الشمس» و«البنات والصيف». ثم «وسقطت فى بحر العسل»، وكما أن أبوسيف هو أول من قدم أعمال محفوظ سينمائيا فإن الأمر تكرر أيضا بالنسبة ليوسف إدريس فى فيلمه «لاوقت للحب» ثم قدم نصا أدبيا مسرحيا للطفى الخولى، هو «القضية68», كما قدم رواية لإسماعيل ولى الدين هى «حمام الملاطيلى»، وليوسف السباعى قدم « السقا مات» ولصالح مرسى قدم رواية «الكداب», ثم كانت الخاتمة عند يوسف القعيد فى «المواطن مصرى». وكانت هذه الأفلام هى غالبا التجارب الأولى لأصحابها فى تحويل رواياتهم إلى السينما.
الوجه الرابع والأكمل هو الواقع الشعبى الذى شغف به صلاح أبوسيف، وهو ابن حى بولاق أبوالعلا، ولاشك أن بدايات أبو سيف كمساعد مخرج مع كمال سليم فى فيلم «العزيمة» 1939، وقد كان الفيلم الأول فى هذه الرحلة مع «لك يوم ياظالم» المأخوذ عن رواية للكاتب الفرنسى أميل زولا الذى يعتبر رائد الأدب الطبيعى التى تعنى واقعية الواقع، الفيلم يدور فى حى بولاق أبوالعلا الذى تربى فيه المخرج حول زوجة يغويها صديق زوجها ويقتله كى يتزوجها، وفى العام التالى 1952، كانت بولاق أبو العلا مسرحا لأحداث فيلمه «الأسطى حسن» الذى كشف فيه التباين بين الزمالك، وأبو العلا الذى يفصلهما نهر النيل، ومن فيلم إلى آخر عشنا فى الكثير من الأحياء الشعبية ومنها «الإسكندرية»  فى ريا وسكينة حيث حى اللبان، وإلى الصعيد انتقل فريق العمل ليصور خط الصعيد فى «الوحش» عام 1954، وإلى القاهرة القديمة صور فيلمه «شباب امرأة» حول طالب جامعى قادم من الريف إلى أعماق العاصمة، وإلى سوق روض الفرج توجه أبطال فيلمه «الفتوة».وعاشت الأسرة فى « شبرا» فى فيلم « بداية ونهاية»، وصارت الواقعية فى مرحلة ثانية تعنى أيضا تصوير البيئات الاجتماعية الراقية ومنها مصر الجديدة، والزمالك، البيوت الفخمة التى تطل على نهر النيل إلى أن عاد إلى «حمام الملاطيلى»، ثم السيدة زينب فى فيلمين متتالين هما «الكداب» و«السقا مات»، ليظل وفيا تماما للبسطاء الذين رأوا أنفسهم وأماكنهم فى عالمه البالغ الاتساع.•