الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لو كان حُرًّا لما صار أسطورة!

لو كان حُرًّا  لما صار أسطورة!
لو كان حُرًّا لما صار أسطورة!


«تعلمون أن لهذا الشخص وجوها عدة.. فهو صعلوك ونبيل، شاعر وحالم مفتون دائمًا بما هو خياليّ وبالمغامرة.. يود أن يجعلكم تظنون أنه عالم وموسيقى ودوق ولاعب بولو. لكنه لايتوانى عن جمع أعقاب سجائر، وعن نشل قطعة سكر من طفل، وبالطبع إذا وجد الفرصة سانحة يوجه طوعًا لطمة إلى قفا سيدة، فقط إذا كان غاضبًا.. شابلن فى كتابه  «هذه حياتى».


المتجول والمتحول فى الألوان، ملاك صامت، من زمن كانت كل العربيات فيه بأحصنة.. دنيا فضلت منها صورة، وتاريخ على أغلفة صناديق الضحك.. والحلم.. والخيال... فى السينما، الغرفة السحرية المطلة على الخلود.. أخذ وحدته ورجع طفل من تانى، مندهش وبريء، بعد ما اكتشف لذة اللعب مع عرايس الماريونت.. أصبح هو مسرحه الخاص، أصبح دمية تتحرك فى زحمة الألوان.
شابلن، الذى ولد فى أبريل، فى لندن، فى حى كننجتون.. ١٨٨٩ فى العام ذاته الذى اخترع فيه أديسون جهاز الكينتو سكوب، الآلة البدائية الأولى التى قامت عليها السينما فيما بعد، لقد ولد شارلى شابلن، وولدت معه السينما فى عام واحد، ولمصير واحد.
.. «مفتاح مزيكا، واقع من جيب كومبارس..
كومبارس حالم طاير على سحابة خياله،
 على بوابات المسارح الكوميدية».
أحب الاحتفاظ بما فسرته الطفولة، أن هذا المخلوق السحرى ورداءه الخرافى، هو خيال لا حقيقة، ربما هو الساحر والمسحور، وكأنى كنت أراه يخرج الدنيا من جيبه، من قبعته..لمسة بعصاه السحرية تحول كل شيء إلى خيال.. أو عكاز يلم آخر حروف الموسيقى، عالم شفاف ورقيق.. بسيط وصادق.. صادق إلى نهاية كل شيء.
.. أذكر حلقة من برنامج «اتنين على الهوا»، سأل بها طارق حبيب الكاتب أنيس منصور، لو شفت شابلن تسأله عن إيه؟! فأجاب فورًا.. يقولى تفسير مقنع أو حتى مضحك، أنه  اتولد فى نفس العام الذى ولد به طه حسين والعقاد والمازنى والرافعى وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضى، ونهرو وهيدجر وهوسرل  وكوكتو وغيرهم الكثير.. معندكش تفسير للظاهرة دي؟!
 ورغم كل المبدعين الذين جاءوا للعالم عام ١٨٨٩، إلا أنه فى النمسا، وفى٢٠ أبريل تحديدا، أنجبت السيدة كلارا المتزوجة من السيد الويس طفلهما أدولف هتلر، الذى تسبب فى قتل أكثر من خمسين مليون إنسان.. وفى القاهرة، بحى باب الشعرية، ولد فى العام ذاته ١٨٨٩، نجيب الريحانى، لأم مصرية وأب عراقى يدعى الياس ريحانة.. «نجيب» الذى ملأ عالمنا بالسعادة والفن المخلص..
وهناك مصادفة مفارقة أخرى تتعلق بشهور الميلاد والوفاة بين شابلن وجاهين.. شهرا «أبريل وديسمبر» ولد صلاح جاهين بنفس يوم وفاة شابلن ٢٥ ديسمبر.. ليلة الميلاد.. وتوفى بـ٢١ أبريل أما شارلى فقد ولد بـ١٦ أبريل.. هل من معنى لكل هذا!؟ .. تشارلز سبنسر تشابلن، الذى يشتهر بتشارلى تشابلن (١٦أبريل ١٨٨٩ _ ٢٥ ديسمبر ١٩٧٧). المولود بلندن إبان التاريخ الفكتورى. لوالدين بائسين يمارسان الفن.لم يصلنا ما يفيد سر تعاستهما وانفصالهما، الذى تلاه وفاة الأب مدمن الكحول، واضطرابات عقلية للأم أودت بها للمصحات النفسية حتى وفاتها، أحوالهم الاقتصادية جعلت من حياتهم الأولى مرحلة صعبة بل بائسة على حد قول شابلن نفسه بمذكراته.
يصف طفولته «حياة ديكنزية النمط _ إشارة لروايات ديكنز _ لم أعرف متى سأغادرها..» خمسة أعوام فقط، كان عمره حين واجه الجمهور للمرة الأولى بديلًا عن أمه التى أنهكها التعب واختفى صوتها. يقول عن تلك الحادثة التى لم يسمع صوت أمه من وقتها بتاتًا «حين يمتزج القدر بمصير الناس لا يعرف شفقة أو عدالة» ساءت حالتهم الاقتصادية إلى أن سكن وأخوه سيدنى وأمه الملجأ، فرق بينهم، وبدأت الوحدة.
عمل بائع جرائد، وصانع ألعاب، وعامل مطبعة، ونافخ زجاج، وساعيًا لدى طبيب، وغيرها الكثير. إلا أنه وسط كل هذا لم يغب عن ذهنه لحظة هو وأخوه هدفا نهائيا، أن يصيرا ممثلين هزليين، لذا بين وظيفة وأخرى كان يلمع حذاءه، ويرتب رداءه ويذهب لوكالة بلاك مور المسرحية، كرر ذلك إلى عمر السادسة عشرة تقريبًا، كان حالمًا سهل البكاء، فتىً يشتم الحياة ويعبدها، كانت روحه فى شرنقة لم تنضج بعد، لم تكن كلمة فن فى رأسه يومًا ولا بين مفرداته المعتادة.. لقد كان المسرح بالنسبة له نمطًا من الحياة لا أكثر.
السحب الطيبة التى مرت على شاشات عينيه وترجمت لابتسامات ودموع، لمعانٍ وخيالات ومشاعر على شاشات السينما.. صندوق سحرى احتضنه وملأه خيالات وأشباح لبشر كلهم فى زى شابلن..
رداؤه السحرى..
ملابس رثة، وحذاء بالية.. وربما الروح ذاتها رثيثة جريحة ذات رمق.. ثمة سحر يكمن بينها لاتمنحه إلا من تريد.... يقول شابلن عن ملابسه: «أن تلك السترة التى كنت أرتديها حقيقة، كان لدى شعور بأنها مخلوقٌ حيّ، وفى الواقع كانت تفجر لدى كل أنواع الأفكار المجنونة التى ما كنت لأحلم بها يومًا قبل أن أتنكر بشخص ذلك الصعلوك».
أراد المفارقة فقط فجمع أشياء متناقضة؛ حذاء كبير وبنطال واسع وقميص ضيق ثم أضاف القبعة والعصا.. حينها اكتمل السحر..
الصعلوك دائم التسكع، شريدًا متشردًا بين الطرقات.غريبًا بين غرباء.. لديه حذاءً خاصة صديقة له وللطريق رحيمة برئتى الطريق ولها  شخصيتها فهى التى تحدد شكل الخطوة.. ترقص وتطير.. أو تجرجر أو تجرى.. فى إخلاص وصمت وخفة، حذاء شابلن وحذاء فان جوخ الخالدة فى اللوحات. . حذاء شابلن الذى حين لم يجد لديه ما يقدم لضيفه، قام بطبخها وأكلاها معًا..  يا للمعجزة!
وفى رقصة الخبز الشهيرة، يرقص برغيفى خبز كأنها أقدامه المستعارة.. بخفة روحه ويضحك فى النهاية لدهشته أيضًا.. هل من السهل أن يأتى كل هذا الجمال من خلال إنسان واحد..؟!
يقولون أن عبقريته فى كونه بارعًا فى كل ما قام به وهو كثير.. ممثل هزلى، مخرج أفلام، كاتب سيناريو، منتج، مؤلف موسيقى تصويرية، ملحن، مونتيير، كاتب سيرة ذاتية.. وأيقونة عالمية بشخصيته التى اخترعها « المتشرد»..
وأظنه عبقريًا لشفافيته وظهور تنويعات فنية وجمالية كثيرة بوضوح من خلال روحه الشفافة الرقيقة الصادقة، ولبساطته رغم تراكيب المفارقات القدرية حوله.. حياته من أكثر القصص الدرامية المذكورة بالتاريخ عن التحول من حياة الفقر إلى حياة الثراء.. امتدت حياته المهنية لأكثر من خمسة وسبعين عامًا.
عندما كان عمره ٢٧ عامًا كان أكثر شخص يتلقى أجرا فى العالم؛ حيث وقع عقدًا بعام ١٩١٦ مع شركة موتوال قدره عشرة آلاف دولار أسبوعيًا مع منحة ١٥٠ ألف دولار بحيث يصبح ١٤ ونصف مليون دولار تقريبًا فى عام ٢٠١٦.. سافر لأمريكا للمرة الأولى على سفينة شحن للمواشى، وخاب أمله برحلته الأولى تلك، لم يعجب بغطرستها ووصفها بالمخيفة «كانت ناطحات سحابها لا ترحم كأنها تسخر من أناس عاديين». وأخرج منها بتهمة سياسية.بعدما صنع بها مجدًا منقطع النظير.  وفى آخر لقاء بينهما عام ٧٢ حين فاز بالأوسكار، قال بدون مجاملات وبابتسامة دامعة «شكرًا لكم أيها الأناس الرائعون».. رأس تتحرك يمينًا ويسارًا غير مبالية.. ووجه يبتسم.. يندهش.. يرفع قبعته لكل شىء احترامًا.. حتى إذا تعثر فى طريقه يرفع قبعته ويحيى الصخرة التى اصطدم بها لتوه.. ويمشى مترنحًا مرحًا.. يهزكتفيه ساخرًا من الحياةومتحديًا لها.. يقول أرسطو أن الملهاة أو الكوميديا تطهر النفس كما تطهرها المأساة أو التراجيديا. لأن النفس المطبوعة على الرحمة وحسن الذوق تجد فى المأساة والملهاة منصرفًا لما تنطوى عليه من العطف والشوق إلى الكمال واجتناب التشويه.
ويقول العقاد فى كتابه جحا الضاحك المضحك، أن الضحك ضحوكٌ عدة، فهناك ضحك السرور والرضا، وضحك السخرية، وضحك المزاح، وضحك الإعجاب، وضحك العطف والمودة، وضحك المفاجأة والدهشة وغيرها الكثير ولكل منها ألوان عدة.. ونجد محاولات كثيرة لمفكرين وفلاسفة  وعلماء فى علم النفس لتفسير الضحك، والكوميديا.. إلا أن الأمر الذى لم يصلوا به لتفسيرات واضحة.هو  تعاسة الأشخاص الكوميدين أو المشتغلين بفنون الإضحاك؟!
شابلن الذى عاش طفولة بائسة، عاش حياة جادة، مليئة بالمحاولات، والحماس، الذكاء، والعمل الهزلى الدؤوب، اختار الاشتغال بالهزل والتهكم والمحاكاة الساخرة بكل جدية وصبر. وبعد عمر من الاحتياج المادى جمع ثروة طائلة. وأصبح شخصية أسطورية خالدة بملامح وجه وزى متهالك وهو فى الحقيقة ذو ملامح ارستقراطية حادة.
ذاك الطفل الذى كان عليه، لم يجد شيئًا، ظل يعمل ويعمل لم يلعب كما يجب.. فعمل باللعب طوال عمره.. لعب بكل جدية، ولعب بخفة، لعب بحب، ولعب بعناد، وبدهشة، واكتشف عالمًا شاسعًا من الجمال والحرية، عاش به طفلًا رجلًا ورجلًا طفلًا مكتمل المسئولية.. كان لديه ٧٣ من الأعوام يحمل طفله كريستوفر ويرقص بحديقة منزله، عجوزًا أبيض الشعر، سعيدًا يكاد يطير حاملًا عصفوره الوليد الجديد.. تقول ابنته جيرالدين «أنه كان يتصرف فى منزله كما لو كانت هناك كاميرات فى كل أرجاء المنزل، وكانت أمى هى المشاهدة الوحيدة. ربما كان هذا سبب انجابه العديد من الأبناء؛ حتى يزيد عدد مشاهديه».
المفارقة..
 حيث يكمن السر لعظمة شابلن. المفارقات التى استحوذ عليها.. والمفارقة هى جوهر الكوميديا والضحك. وهى هنا جنيته الطيبة؛ إذ كيف لرداء رثيث أن يجلب كل هذه الثروة والحظ فى أبهة الحياة ومجالسة الرؤساء.. رداء سحرى حوّل حياة صعلوك إلى أسطورة خالدة..
ومفارقة صمته.. فقد نطقت السينما كلها وظل شارلى صامتًا أبدًا، بملامح شخصية مجردة لاتحمل اسمًا أو عنوانًا أو مهنة بعينها ولا عمرًا ولا صوت يخصه.. تخلى عن الصوت ليحظى كل منا بتجربة إضفاء صوته الخاص.. ليصبح مخلوقا عالميا.. ومفارقة أعجب أن يجتمع فى محبته أناس مثل تشرشل وغاندى فى آن.. آينشتين وبرناردشو، وكثير من الشخصيات رفيعة المستوى.. لقد استحق مودة العالم وحبه، وغمرته أوروبا بآيات التكريم والأوسمة الرفيعة، حتى وإن كان الأمريكيون ناكرين كثيرًا للجميل. لرجل ذى قلب خير، عمل على مدى أربعين عامًا لدروس قيمة لا تقدر بثمن فى بساطة وحماس. 
شكرًا مستر شابلن..
يقول لوركا « الشاعر الإسبانى»: «ثمة فارق شاسع بين كل الناس وشارلى، كل الرجال قد يهزأون من الأشياء التى يبكى هو من أجلها.. ولا فى أى حالة جمالية استعمل الدمع كما استعمله هو وبهذا الصفاء. فقد صنع قضية من دموعه كأن لها مصدرها الخاص الذى لا علاقة مباشرة له مع الموضوع المرافق للمشهد، دموع قائمة بذاتها. يعطى دموعه ويعطيها كل معانى الحكمة والعدالة، قد يعطى الضحكة، لأن الضحك غنى وكريم وفائض، فهو بعد أن وهب ضحكاته إلى المرأة ثم إلى السماء وإلى أجواء الربيع السعيدة، بقيت لديه ضحكات يهبها إلى الأفيال الضخمة والسمكات الهانئة البعيدة.. تبدو كل أفعاله وحركاته كأن لها معانيها الخاصة بها والجديدة، فهو يهب هدوءه للعاصفة الهوجاء، يحرك كتفية ذهابًا وإيابًا متحديًا بهما!».
وعنه قال سارتر الفيلسوف الفرنسى : «إنه بحق ملك السينما، الباقون مجرد ممثلين، قد نلتقى بهم فى حياتهم الشخصية لنتعرف إليهم، أما شارلى فلا يمكن اللقاء به إلا من خلال أفلامه.. وهو ينام فى العراء، يستيقظ وأمامه شرطى، يتقاتل مع لص أو محتال، يتبنى ولدًا صغيرًا فقد أمه، يولد مع كل فيلم ويموت معه.. شارلى المتنقل ابتدع فيلمًا، أنه الفيلم حول التعاسة الحقيقية، أبطال البؤس الحقيقى، الذين قد يموتون من الجوع ولكن فى حياتهم اليومية يبدون نشطين، وقد يقومون بأعمال لايقوى عليها الآخرون، غير أنهم أبطال متواضعون لا يتفاخرون بأنفسهم مع أنهم وحدهم أفضل أبناء العالم»..  ورولان بارت الفيلسوف الفرنسى أيضًا يقول: «فوضويته التى هى مجال نقاش، تمثل فى الفن أكثر الأشكال الثورية فعالية».
فيلسوف وناقد فرنسى آخر هو أندريه مالرو: «شابلن مخلوق كونى، إنه الأسطورة فى وضعها البكر».. وتقول مارلين فيب - ناقدة سينمائية-: «نجح شابلن فى تحرير الكوميديا من قيود خشبة المسرح واستفاد من الوسيط السينمائى الذى لا تحده حدود». . ويقول كافكا: «إنه رجل حيوى، يعطى كل قوته ونشاطه لعمله، وفى عينيه تلتمع شعلة اليأس حيال مصير الفقراء والتعساء الذى لن يتغير». . وروجر إيبرت _ناقد سينمائى أمريكى _ يقول: «فى حال تحتم اختيار فيلم واحد من أفلام شابلن، فإن أضواء المدينة ١٩٣١، سيكون أكثر أعماله تجسيدًا لكل مزاياه العبقرية المختلفة، لاحتوائه على الكوميديا التهريجية والانفعالات المفرطة « الرثاء» والإيماءات العفوية، والميلودراما».
ويقول ناقد آخر، لويس دولوك: «استطاع شابلن تحويل السينما إلى شكل فنى حديث، ورفعه إلى المكانة التى يحتلها بيتهوفن وموليير».
أما فلاديمير مايا كوفسكى - شاعر روسي- :
«أوربا مدينة،
العينان تبحثان فوق السطوح،
عينان تشع منهما نقاط ملونة،
فوق الأعمدة،
 على الطرقات،
وفى آلاف من النغمات،
شارلي!
شابلن!
رجل متواضع أهين فى لوس أنجلوس.
وفى الجانب الآخر من المحيط يجعل عجلة السينما تدور»
أونا أونيل..
غمرت حياته فى عقودها الثلاثة الأخيرة سعادة كبيرة ربما لم يأمل بها بعد فشل زيجاته الثلاث السابقة..
كانت فتاة فى الثامنة عشرة تحب وتتزوج شابلن، الرجل الخمسينى.. رغم رفض أبيها -يوجين أونيل الحائز على نوبل فى الأدب-. وتنجب منه ثمانية أطفال، كانت استثناء للقواعد.
يقول شارلى إن الأمر يتعلق بالحب، والحب الكامل هو الشىء الأروع في  العالم. لكنه الشيء الأكثر إثارة للخيبة أيضًا لأنه أكبر مما يستطيع المرء التعبير عنه.. «أغرمت بها، بالسحر النادر الذى تمتلكه، لقد كانت قادرة على وضع نفسها مكان غيرها دائمًا . أعيش مع أونا وأكتشف بلا انقطاع جمال طبعها الأنيق، وحين تمشى أراها بعنفوانها البسيط وقامتها الصغيرة المستقيمة تمامًا، وشعرها الأسود ممشط بشكل جيد إلى الخلف، تتدفق نحوى فجأة موجة حبٍ وإعجاب».
فى قصر ببلدة كورسيير بسويسرا، ذهب إليه فى الخريف حيث كان الطقس حزينًا بينما كانت الجبال رائعة. يطل على البحيرة وتحيطه الجبال ويعطى بستانه فيما يعطى كرز أسود، وخوخ أخضر لذيذ فضلًا عن الذرة، قضى وزوجته الوادعة أونا وأطفالهم به حياتهم.
يدرك شارلى أن الزمن والظروف جاءت لصالحه، فلقد نال مودة العالم وحبه. «أعتقد أن الحظ ونكد الحظ يسقطان على المرء صدفة، كغيوم ماطرة، لا يهزنى بتاتًا بعمق ما يحصل لى من مزعجات.. ليس لدى فن حياة ولا فلسفة عقلاء أو مجانين.. علينا أن نصارع مع الحياة... أترنح تحت ثقل التناقضات.. أعرف ماذا تعنى السعادة، وأحس بغصة وسط كل هذه السعادة.. أجلس وحدى على العشب وأتأمل الأخضر الشاسع والبحيرة فى البعيد وما وراء البحيرة، وأتأمل الجبال وأبقى هناك لا أفكر بشئ، أتلذذ بسكينتها الرائعة».•