الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جملة اعتراضية فى دنيا «التوحد»!

جملة اعتراضية فى دنيا «التوحد»!
جملة اعتراضية فى دنيا «التوحد»!


فتاة رائعة الجمال، وادعة، يستحوذ جمالها على كل من يراها، ربما تعلم أنها جميلة لكن لا تدرى ماذا تفعل بهذا الجمال الآسر! ليس لديها أحلام عظيمة لتحققها ولا شغف تجاه شىء بعينه. فتاة مصرية عادية فى أسرة تقليدية، تزوجت كما تتزوج فتيات العائلات من رجل مناسب كما يرى الجميع، لم يذكر أن اعترضت يومًا على شىء أو كان لها أمل صعب المنال.

ولأنها ذات الترتيب الأصغر بين إخوتها، كان الجميع يشارك فى تربيتها، الأم والأب والإخوة الذكور، الذى كان أكبرهم يلقنها دروسًا متكررة من التأديب بالضرب المبرح بناءً على توجيهات الأم - الأمر الغريب فلا يذكر أحد بالأسرة أن أحدهم ضُرب يومًا - لبساطتها فى الحديث وضحكاتها مرتفعة الصوت وأشياء من هذا القبيل..
 ولما انتقلت لبيت زوجها الذى يحبها، ومازال لا يصدق أنه تزوج الفتاة الأجمل، تكررت مأساة موجات الغضب الذكورى الذى يجتاح امرأة بكيانها الشفاف وطبيعتها الهشة.. ثم أنجبت طفلًا ولدًا، وتلاه آخر.  
لم ينطق أى من الولدين ببنت شفة، ليس فقط.. بل ولم يبادلا أمهما تلك أية ردة فعل لسنوات..! طفلان متوحدان، غارقان فى وحدتهما وصمتهما، وأم كتلك، طفلة بين مجموعة من السلوكيات غير المتزنة.. مرّ من السنوات حوالى السبع. بين الأطباء وفشل المحاولات، وأمومة تعتصر قلب تلك الفتاة الشابة الجميلة المعذبة..
ذروة المأساة!
جف قلبها، ويئست ربما تمامًا، فعاشت أيامها المتشابهة، حتى جاء إعلان للبحث عن متقدمين لوظائف ببنك مجاور، هى ذات تعليم متوسط.. لكن جمالها وخفة روحها وذكاء إحساسها يمنحها تميزًا وسط أية مجموعة مهما كانت ميزات الآخرين، نجحت بتفوق بالطبع، ومنحها البنك منصبًا تلو الآخر متجاوزة السابقين لها بأعوام، وتحمل البنك تدريبها على مهارات كثيرة - تدريبات باهظة أحيانًا لا يتمكن الذى يريدها أن يتكلف قيمتها مما يعيق عمله سنوات - ومازال وما زالت. تتقدم بتطور مذهل وتنتقل من فرع لآخر.
بداية الانفراجة.. ليس بالضرورة!
تركت فور نجاحها فى العمل وربما بعد عامها الأول منزلها، وانتقلت إلى بيت يخصها وربما فيلا، لا أحد يعلم إلى الآن. فهى وحدها تمامًا. لم تنتقل وأسرتها! بل وحدها.
لا يعرف عن عنوانها أى شخص من إخوتها أو حتى زوجها.. الذى ينتظر اتصالها ويفرح لها ناسيًا ومتجاهلًا كل ذلك. كما أن إخوتها جميعًا لم يقبلوا أيا من تصرفها فكان أن قطعت اتصالاتهم بها وغيرت أرقامها وكلما تداولوها من الزوج تحظر اتصالهم دون جدال.. تُوفى الوالدان  قبل زواجها. صلتها دائمة فقط بأولاد وبنات جميع الأشقاء.. يكتشفون اتصالاتها بالأولاد مصادفة لحفاظهم على ذاك السر، هم مراهقون وأطفال.. تأتى لهم بالهدايا الباهظة تقابلهم خلسة وتطمئن منهم على كل شىء وتفاصيل الجميع.. وتطلب دائما شيئا واحدا «افتكرونى بس» وتنهى أحاديثها معهم بسؤال دائم «بتحبوني؟»..
 تغير سيارتها وتسافر من بلد لآخر بإجازاتها أو للعمل.. تهرب من ذاتها وحياتها من خوفها وانهيار قوتها من قلة حيلتها تهرب من كل شىء بجنون جامح لمراهقة لا تكاد تفهم مشاعرها ومشكلتها الحقيقية ولا يفهمهما أحد - هى امرأة ثلاثينية بالمناسبة-.. تعانى كل هذه الوحدة وحدها، والشعور القاتل بالذنب، واعتصار روحها الذى لم يعد قادرًا على النزف أكثر  آسرها فى وحدتها وهروبها الجريح.. ورفضها لواقعها بجنون، كل ذلك لا يمنعها من لطفها وطيب أصلها، ونجاحها كامرأة وحدها فى عالم كهذا.. ولم يمنعها من اهتمامها وسؤالها عن الجميع ومتابعة كل جديد -تتواجد فور شعورها باحتياج أحدهم وتمنحه بغير حساب  مما يحتاج  ولا تلبث أن تختفى - من الصغار الذين يحبونها جميعًا وبلا شك كما لا يحبون أحدا من عائلاتهم.. ليس فقط للهدايا التى تغمرهم بها فى كل مناسبة وبلا مناسبة، ولكن لظرفها وخفة روحها ورقتها المحببة كأنها لا تكبرهم فى العمر، قد تفاجئ الجميع فى يوم غير مميز وتظهر فجأة غامرة الجميع بالمرح والحب والعطاء وسرعان ما يأتى اختفاؤها، تتسابق مع الأولاد بركوب الدراجات واللعب وتبادل الضحكات، وتمنح زوجها كذلك أوقاتا مليئة بالحنان ليغفر لها بما يشبه السحر كل ما لا يمكن لرجل قبوله. فهو لا يعرف عن زوجته شيئًا منذ سنوات ثلاث أو أربع متحملًا كل ما يمكن وما لا يمكن تخيله من النقد الاجتماعى. وتاركًا كل شىء بالحياة يلازم صغيريه، وبكل فشل ومحاولات قاصرة لرعايتهم، تزداد حالتهم سوءًا يومًا بعد يوم. ورغم صمتهم الدائم يدرك الجميع بوضوح افتقادهم لأمهم..
قصة جذابة لفيلم رائع! ولكنها الحقيقة أيضًا! نورا القمورة أو سمّها كما شىئت،
 بالمناسبة، نورا اسمها الحقيقى!