الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى معرضه الاستيعادى  «أحمد شيحا».. يحاور الزمان والمكان

فى معرضه الاستيعادى  «أحمد شيحا».. يحاور الزمان والمكان
فى معرضه الاستيعادى  «أحمد شيحا».. يحاور الزمان والمكان


على مدار أكثر من خمسين عامًا هى عمر مشواره الفنى يأخذنا الفنان الكبير «أحمد شيحا» فى معرضه  الاستيعادى بقاعة «أفق 1» التابعة لقطاع الفنون التشكيلية إلى آفاق رحبة، إلى عالمه العتيق الذى تشكلت ملامحه نتاج أفكار ودلالات زمنية متعددة، جمع فيها بين الماضى والحاضر فى آن من خلال التعمق والتفكر فى جوهر الحضارة المصرية القديمة، وترجم ذلك بأسلوبه الفنى الحديث فى لغة بصرية ورؤى إبداعية تجسدت على جداريات بسطوح صخرية عتيقة غنية بالحركة الكامنة والطاقة الروحية، وكأنها جدار عتيق يقف بنا بين ثنايا الزمان والمكان نتلمس فيه ملامح زمن بعيد.

رغم انتمائه إلى المدارس الفنية الحداثية يمتلك شجاعة الانطلاق لعالم فسيح يبحث فيه دائمًا عن الابتكار وتخطى مرحلته الفنية الراهنة إلى مرحلة فنية جديدة، فنراه متجددًا ومتنوعًا فى لوحاته لأنه يدرك جيدًا أن الابتكار هو ابتداع رؤية جديدة لم يسبقه إليها أحد، ثم التمرد عليها والقفز منها لابتكار أعمال أخرى أكثر تجديدا  وحداثة، فهو دائمًا يبحث فيها عن النهضة بأعماله المركبة فى معالجات رصينة تسحبك من الطابع البصرى إلى طابع آخر وجدانى.
له أساليب تكنيكية تمثل  القاعدة التى انطلقت منها ملامح فنه والتى كان لها تأثير كبير على هذا التنوع والثراء الذى يميز أعماله، وهو ما يظهر جليًّا فى معرضه الذى يضم ما يقرب من 60 لوحة فنية، تنوعت مساحاتها وأساليبها الفنية وتراوحت خاماتها بين الجداريات، التلوين الزيتى، التلوين المجسم والبارز، يستخدم فيها الفنان خليطًا من التربة المصرية مع الأكاسيد المضاف إليها مواد نباتية تعيد تماسكها وتصل لدرجة الصلابة، ومع مرور الوقت تصبح حجرًا معلقًا على السطح الخشبى أو القماش  لتتكون لوحاته من طبقات لمواد مختلطة أعطاها بعدًا ثالثًا مجسمًا وطابعًا نحتيًا مازجًا ما بين تقنيات النحت والرسم والتصوير، ليثرى عالمه الخاص ويؤكد على عمق فنه الذى مزج ما بين حداثة الأداء وأصالة المعنى.
تمثل أعماله تجسيدًا للأرض الزراعية المصرية -هبة النيل- بصفوفها الأفقية التى يمثل كل قطاع فيها مرحلة من مراحل النماء والحياة، اقتبسها الفنان من جداريات ومشاهد الفن المصرى القديم، لتضم عناصر تشخيصية مختزلة، يكون البطل فى أغلبها شخصية أسطورية مختزلة لجسد رجل أو امرأة يقف فى بؤرة التكوين، تنوعت أوضاعهم ما بين الوقوف والجلوس بجسد فى وضع أمامى ورأس فى وضع جانبى «بروفايل»، وتكون أكثر العناصر رسوخًا فى التكوين، تحوطها عناصر حياتية أخرى لأشخاص وطيور وحيوانات وملامح لأطياف من كائنات صغيرة ورموز لكتابات قديمة، نفذت جميعها بتكوينات هندسية مشبعة بدراما لونية فى إيقاع ميتافيزيقى، ويعطى الحجم الكبير ومركزية الشخصية الرئيسية دليلاً على الأهمية وفق حسابات المصرى القديم، كما جاءت العناصر فى بعض اللوحات متراصة فوق بعضها بشكل هرمى، والآخر مزج فيها بين التركيب المعمارى الصارم وبين الأشكال والعناصر التى توحى برموز وأطياف إنسانية تعلوها دائرة منيرة فى دلالة رمزية تشير إلى أن الشمس منارة ومركز الكون، نفذت فيها العناصر بأسلوب تجريدى رمزى اتسم بالتلخيص والتبسيط تذكرنا برسوم الجداريات من الصرحيات المصرية القديمة فى حلل جديدة.
ظهرت أعماله الزيتية بتكوينات بسيطة للغاية وعناصر مجردة استخدم فيها لغة التشكيل وثراء التلوين، حيث لعب اللون فى أعماله بشكل عام دورًا مهمًا تدرج فى منظومات لونية غنائية من ألوان الطبيعة وفق مستويات التكوين ، فجاء اللون الأزرق لون المياه لمستوى النيل، ثم الزيتونى والبنى لمستوى خط الأرض والمستويات الأخرى وصولاً إلى الدرجات النارية المتوهجة للأحمر والأصفر للشمس على خلفية باللون الذهبى كأنها مضيئة تتسم بالسكون الذى يفيض بالمعانى.
يصل بأعماله إلى أقصى  صور التجريد والاختزال فى أحدث أعماله التى تحمل نفس فلسفته السابقة والتى لخص فيها عمق الحضارة المصرية من حيث الحياة والموت «البعث والخلود» والحضارة التى قامت على الزراعة من مياه النيل الذى رمز له المصريين بإله «حابى».
وقد لجأ إلى التصوير بالألوان الزيتية بأسلوب يمزج ما بين التكعيبية والتجريدية من خلال تقسيم اللوحة إلى خطوط أفقية كالتى يقسمها الفلاح فى أرضه الزراعية، فهى فلسفة الحضارة الزرعية المصرية وحيث تتعامد الشمس على الأرض تجد هذا الحوار الذى لا ينتهى بين النور والبهاء والخضرة المنبسطة.
لذلك تمثل أعماله فى مراحله المختلفة والمتنوعة احتفاء بعبقرية الزمان والمكان وتجسيدًا للفن المصرى بأصالته وحداثته، وهو ما توج بترشيحه لتمثيل مصر فى بينالى فينسيا فى دورته الثامنة والخمسين والتى ستعقد خلال الفترة من (11 مايو 2019: 24 نوفمبر 2019)  على أن يكون قوميسيرا لفريق عمل مصرى مكون منه ومن الفنان «إسلام محمد عبدالله» والفنان «أحمد عبدالكريم عبدالنبى».