«كلوب الخديوى» نادٍ للنبلاء تحت قبة إيطالية

منى صلاح الدين
جذب عنوان الندوة التى نظمتها هذا الأسبوع لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة «العمارة والهوية فى أفريقيا»، الكثير من المهتمين والمتخصصين فى الشأن الأفريقى والمعمارى، علًها تقدم رؤية واضحة متخصصة عن شكل وملامح العمارة فى أفريقيا وعلاقتها بـ«الهوية الأفريقية»، خاصة مع الاهتمام برئاسة مصر للاتحاد الأفريقى قبل أيام، لكن ما جاء بالندوة كان على غير المتوقع.
يحكى أن الملك أحمد فؤاد،قبل تولية العرش تشاجر مع زوجته الأميرة شويكار حفيدة إبراهيم بن محمد على باشا، وضربها بالكرباج لأنها لم تعطه النقود التى طلبها، فحكت لأخيها البرنس أحمد سيف الدين، فتتبع الزوج فوجده فى كلوب محمد على، وهناك أطلق عليه ثلاث رصاصات وسط الحاضرين من علية القوم، واحدة فى الفخذ، والثانية فى الحنجرة، والثالثة فى الصدر.
حدث هذا فى 1898 وقبض على البرنس أحمد سيف، وانتهت حياته داخل مصحة للأمراض العقلية فى اسطنبول، وظل الأمير المصاب فى الكلوب لمدة 15 يوما، دون حركة خشية تحرك رصاصة الصدر، فتصل إلى القلب، وطوال هذه الأيام ظل المصريون والإنجليز المقيمون، يترقبون الأنباء اليومية التى تصدر من الكلوب عن حالة الأمير المصاب.
هذه هى إحدى القصص الموثقة، عما حدث داخل واحد من أشهر المبانى التاريخية بوسط القاهرة، المبنى أنشئ فى 1895 بأمر من الخديوى عباس حلمى الثانى، والذى كانت تدور فيه جلسات تشكيل الوزارات، كما تحاك فى المؤامرات وتدفع فيه الرشاوى للحالمين بالمناصب العليا من الباشاوات.
وهو المبنى الكائن فى 12 شارع البستان، بوسط القاهرة، والمسجل ضمن قائمة المبانى ذات القيمة التراثية والمعمارية بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى، والذى مر بأسماء عديدة، «الكلوب الخديوى، نادى محمد على، نادى التحرير» وفى عام 1982 تغير اسمه إلى النادى الدبلوماسى.
المبنى الذى يصل عمره إلى 124 عاما، احتاج إلى الترميم، لتأثره بعوامل الزمن، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، خاصة مع أعمال إنشاء مترو الأنفاق، فأعلنت وزارة الخارجية، المالكة للمبنى، عن مسابقة لترميمه 1996، وإعادته لما كان عليه وقت إنشائه، وتحديث ما يجعله متواكبا مع العصر.
وفاز فى مسابقة الترميم التى شارك فيها 12 مكتبا من كبريات المكاتب الهندسية، مكتب الإخوة فتحى «THE» كما يحكى الدكتور المهندس عصام فتحى «فزنا لعرضنا الفنى، الذى لفت نظر وزير الخارجية وقتها، عمرو موسى، وقال لنا بمكتبه بالوزارة، إنه أعجب بعرضنا الفنى لتميزه بمراعاة البعد التاريخى والأثرى والمعمارى للمبنى».
استغرق العمل فى ترميم المبنى نحو العام، بتكلفة بلغت وقتها 7 ملايين جنيه، بخلاف ترميم الأثاث الذى قام به متخصصون آخرون.
ويضم النادى مجموعة من المقتنيات القيمة كالنجف الفرنسى، وتماثيل ولوحات زيتية تزين جدرانه، والتى رسمها فنانون فرنسيون من أجل كلوب محمد على، وتعكس علاقة مصر بالعالم الخارجى، وتبرع بالكثير منها الفنان محمد محمود خليل، وقدرت قيمة هذه اللوحات بنحو 25 مليون جنيه بحسب تقديرات عام 1997، كما يقول د. عصام.
صعوبات الترميم
يشرح الدكتور مهندس هشام فتحى الصعوبات التى قابلتهم للمحافظة على قيمة المبنى المعمارية خلال الترميم: «كان علينا إزالة 20 طبقة من الدهانات التى أخفت معالم الزخارف والحليات التى تميز الأسقف والحوائط، والتى تشمل نحو 18 شكلا من الكرانيش، لتعود إلى ما كانت عليه، وبلون أقرب إلى اللون الذى كان عليه وقت إنشائه».
وكان على «الإخوة فتحى» التفكير فى إنشاء نظام لتكييف المبنى، دون المساس بالأسقف والديكورات الداخلية، ودونما أيضا تشويه لواجهاته الخارجية، وتوصلوا إلى أسلوب يشبه التكييف المركزى للمبانى الحديثة.
«مددنا مواسير هواء مبرد بين سقف البادروم وأرضية الطابق الأول، لتبرد الطابقين، ومددنا مواسير أخرى خلف الزخارف الخشبية المزينة للحوائط «البانو»، ورممنا الشبابيك والأبواب الأصلية، وأرضيات الباركيه الخشبى الفرنساوى الفاخر، والأرضيات الرخامية المميزة من نوع الكرارة الأصلى، ورممنا البلاطات المزايكو ذات اللون الأخضر المميز، ورممنا الدعامات أو الحوائط الحاملة للمبنى المبنى بالحجارة» كما يقول د.هشام.
أضيف للمبنى خلال الترميم والتحديث أجهزة مراقبة ونظام للتحكم الأتوماتيكى فى الإنارة، وإنذار للحريق وللصوتيات على أعلى مستوى، وجددت تجهيزات وأدوات المطبخ، بأحدث الأفران وغسالات الأطباق وأفران الخبز، ليمكنه تجهيز وتقديم 250 وجبة فى نفس الوقت، ويعد من أفضل المطابخ التى تقدم الأطعمة فى القاهرة.
«كلوب محمد على»
فى أواخر القرن التاسع عشر، أنشأ الإنجليز نادى الجزيرة ليكون فضاء خاصا بهم، يقضون به وقتا ممتعا بالقاهرة، خلال استعمارهم لمصر، فقرر البشوات والأمراء والنبلاء المصريون أن يكون لهم أيضا نواديهم الخاصة، ليلتقوا ويلعبوا ويتبادلوا الأحاديث، وكان أولها نادى السيارات الذى كان أعضاؤه من النخبة التى تمتلك سيارات وقتها، وأنشأ الخديو عباس حلمى الثانى «الكلوب الخديوى» فى 1895.
تاريخ النادى جمعه السفير مصطفى العيسوى، فى كتاب صدر عام 1997 بعنوان «النادى الدبلوماسى المصرى، 100 عام من الدبلوماسية»، ويذكر فيه أن النادى أنشئ، ليكون ناديا يمارس فيه الأمراء والنبلاء ما يريدونه بعيدا عن أنظار عامة الشعب، واقتصرت عضويته على أفراد أسرة محمد على باشا، من الأمراء والأميرات والنبلاء وأنسابهم، وقناصل الدول الأجنبية، وكبار التجار الأجانب، وبعض ممثلى سلطات الاحتلال البريطانى.
واختير لمبنى كلوب الخديو أرض تقع بين قصر عابدين وثكنات الجيش البريطانى، فى جزء من حديقة البستان، وأصبح النادى يقع عند تقاطع شارع البستان، وشارع سليمان باشا الفرنساوى «طلعت حرب» حاليا.
وانتخبت أول جمعية عمومية للنادى، وكان أول مجلس إدارة برئاسة البرنس أحمد فؤاد الذى كان عمره وقتها 27 عاما، وهو أصغر أبناء الخديو إسماعيل، والذى تولى حكم مصر فيما بعد، وكان قد تخرج فى مدرسة عسكرية بإيطاليا، وحصل على رتبة شرفيه من الجيش الإيطالى، وارتبط بصداقة مع المهندس الإيطالى إيميليو إمبرون، وشقيقه المهندس المعمارى والرسام والفنان ألدو أمبرون، وهما من مدينة فلورنسا، وهاجرا إلى مصر فى بداية القرن التاسع عشر، ويعتبران من أعيان الأجانب المقيمين فى الإسكندرية، وأسند البرنس أحمد فؤاد إليهما، بناء مبنى الكلوب الخديوى على مساحة 900 متر.
صمم الأخوان المبنى على الطراز المعمارى المعروف بالنيو باروك، الذى يتميز بالفخامة والزخارف التى تتوج بقبة مستديرة مميزة فى الركن الجنوبى الغربى للمبنى، والذى انتشر فى أكثر من مبنى مميز فى وسط القاهرة وقتها.
للكلوب مدخل رئيسى على شارع البستان، ببوابة حديد فخمة، مشغولة بزخارف إيطالية، تأخذك إلى باب خشبى، ومنه إلى درجات من الرخام الأصلى الإيطالى، وكان يعلو المدخل فى البداية شعار الكلوب الخديوى، ثم بعد ذلك شعار كلوب محمد عليC M A، والذى مازال موجودا على أماكن متفرقة فى المبنى، وعلى أدوات الطعام.
ويفتح المدخل على صالة فسيحة وبهو، يتفرع منه صالونان رئيسيان، وقاعة للبلياردو، وعلى يسار هذا البهو سلالم من الرخام الفاخر، تؤدى إلى الدور الأول العلوى، الذى به الصالونات وقاعات الطعام والمكتبة.
وبهذا الطابق سلم يأخذك إلى طابق تحت الأرض «بدروم» لخدمات المطابخ والتخزين وحجرات للعاملين، وقبو للخمور وقتها.
وقد صمم ألدو أمبرون قبل وفاته سنة 1918 وأشرف على تنفيذ الطابق الأول العلوى للكلوب، ثم مر بعدها المبنى بأكثر من مرحلة للبناء، كان آخرها فى 1930 ببناء الطابق الثانى العلوى، بعد أن أصبح الكلوب منتدى للنخبة ورجال الحكم، وأغنياء المصريين والمتمصرين، كما أنشئ طابق مسحور، بين الأول والثانى العلويان، خصص لمدير النادى ومساعديه.
وفى أول اجتماع لمجلس إدارة كلوب الخديوى، منح الأخوان أمبرون العضوية الشرفية للنادى.
جمعية نادى محمد على
مع بداية الحرب العالمية الأولى، طلبت سلطة الاحتلال تسجيل أى جمعيات أو مؤسسات أهلية، وإشهار الغرض منها وإعلان أعضائها المؤسسين، فسجل أعضاء الكلوب ناديهم باسم «شركة نادى محمد على»، وأعلنت أنها المالكة للعقار المسمى بالكلوب الخديوى، وقامت بستجيل هذه الملكية، ووضعت به المنقولات اللازمة لتأسيسه، ليكون منتدى اجتماعيا، وأعلنت الشركة أن رأسمالها 14 ألف جنيه، موزعة على 70 سندا، ثمن الواحد 200 جنيه، وحددت مدة الشركة بـ 50 سنة، تنتهى فى 1958.
وضمت عضوية مجلس إدارة نادى محمد على، الأمير أحمد فؤاد باشا، رئيسا لمجلس الإدارة، ويعقوب آرتين باشا نائبا للرئيس، وأدولف قطاوى، أمينا للصندوق، وروبيرت رولو سكرتيرا لمجلس الإدارة، وكان من بين أعضاء مجلس الإدارة عدلى يكن باشا، عزيز عزت باشا، سير الكسندر بيرد، هنرى فاوس، أركيل بك نوبار، محمد باشا رياض، إسماعيل باشا صدقى.
وبعد أن أنشئت الجمعية، ساهم الأعضاء فى تأثيث المبنى بعشرات الآلاف من الجنيهات، بصالونات ومقتنيات غالية الثمن والقيمة، من التحف والانتيكات وأدوات المائدة من الفضة الخالصة.
وعندما اندلعت الثورة فى 1952، صودرت حصة الأعضاء من الأسرة العلوية، وعند صدور قانون الجمعيات والنوادى، حاول الأعضاء الذين لم تشملهم المصادرة، إشهار النادى من جديد، لكن المساعى باءت بالفشل، واشترت المبنى وزارة الخارجية المصرية فى 1974، وسمى بنادى التحرير فى 1977، ثم أصبح النادى الدبلوماسى منذ 1982.