الأربعاء 6 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كاترين وشيرلى والمهاويس

كاترين وشيرلى والمهاويس
كاترين وشيرلى والمهاويس


تزامن لى مشاهدة فيلمين فى نفس اليوم الأول على أحدى الفضائيات والثانى فى درار العرض ، تختلف تفاصيل قصتى الفيلمين تماما فالأول بعنوان « أبتسامة الموناليزا « والثانى هو « جرين بوك « الحائز على جائزة أوسكار أحسن فيلم لعام 2019


تدور أحداث الفيلم الأول فى أمريكا الخمسينات شديدة التحفظ والأنغلاق خاصة ضد المرأة فتذهب المدرسة المتخصصة فى الفنون كاترين « جوليا روبرتس « الى مدرسة للفتيات من أجل تدريس فصل دراسى عن الفنون الحديثة ، تضم المدرسة فتيات الطبقة الغنية ولا يهم العائلات والفتيات من المدرسة سوى تأهيل الفتيات الى الزواج فتكملة الدراسة فى الجامعة لم تكن أمر مطروح بالنسبة لفتاة تنتمى لطبقة غنية وتعيش فى أمريكا الخمسينات.
تدور حياة الفتيات والعائلات فى ظل قيم زائفة وقمعية للأبداع وتعمل المدرسة كاترين على  تغيير عقول طالباتها وأخراجهم من القفص الذهبى الذى يعشن فيه.
لم يكن الأمر سهلا على كاترين وهى تذرع بذور التحرر فى عقول الطالبات فكانت المقاومة الأشد من بعض الطالبات أنفسهن والعائلات وأدارة المدرسة ولكن كاترين لا تيأس وتعمل بجد حتى تبدأ بذور التحرر تأتى ثمارها وتصبح الطالبات المعترضات على الخروج من القفص الذهبى المزيف هن الأكثر تمسكا بالحرية والأنطلاق.
تدور أحداث الفيلم الثانى جرين بوك وهو عن قصة حقيقية  فى أمريكا الستينات أمربكا العنصرية ومصطلح جرين بوك المأخوذ منه عنوان الفيلم يتعلق بالقواعد والأماكن التى يجب على السود أتباعها والذهاب أليها عندما بذهبوا الى الجنوب الأمريكى حيث العنصرية على أشدها ومازال التحرر بعيد تماما عن هذا الجزء من أمريكا منذ أعلن أبراهام لينكلون نهاية العبودية رسميا بالولايات المتحدة فى القرن التاسع عشر.
يذهب الموسيقار الأسود الفذ د.دون شيرلى « ماهر شالا على «الذى تلقى تعليمه فى أرقى المعاهد العلمية فى جولة موسيقية بالجنوب الأمريكى شديد العنصرية ويصاحبه فى الجولة السائق الأبيض تونى ليب « فيجو مورتينسن «هو فى الحقيقة بلطجى نوادى ليلية وعلى صلة بالمافيا الأيطالية أستأجرته الشركة المنظمة للجولة لأجل هدف واحد وهو أخراج الموسيقار الموهوب من المشاكل التى سيواجهها فى الجنوب العنصرى.
نظن فى البداية أن دون شيرلى مجبر على القيام بهذه الجولة الخطرة من قبل الشركة تاركا الشمال الأمريكى الأكثر تحضرا لكن مع توالى أحداث الفيلم الحقيقية نكتشف أن شيرلى هو من أصر على تنظيم هذه الجولة ومجابهة كل المخاطر والمصاعب.
يستطيع شيرلى فضح المجتمع  الأمريكى العنصرى وأحراجه وأحداث تغيير ولوطفيف فى هذا المجتمع لكن التغيير الأكبر يحدثه فى صديقه تونى ليب الرجل قليل التعليم الملوث بالعنصرية فيحوله الى شخص أكثر تحضرا بل أن التغيير يطول شيرلى نفسه بعد هذه الرحلة الخطرة
تبدو قصة الفيلمين مختلفة فى تفاصيلها ولكن أساس الفكرة المحورية فى الفيلمين واحدة وهى أرادة التغيير التى يتصدى لها بعض أفراد المجتمع مثل المدرسة كاترين أو الموسيقار دون شيرلى.
تهدف أرادة التغيير عند هؤلاء التقدميون الى تخليص مجتمعاتهم من أدران وأفات أسنشعروا أنها تهدد تماسك مجتمعهم وتمنعه من تحقيق التقدم بسبب ترسخ أفكار بالية وشريرة فى أذهان أفراده وعلى هؤلاء التقدميون تبديل هذه الأفكار بأخرى أيجابية سواء متعلقة بحرية المرأة أو تخليص المجتمع من عنصرية بغيضة عن طريق فضح أثارها ثم كشف مدى الأنحطاط الذى يعيشه هذا المجتمع بأصراره على قمع المرأة أو ترك العنصرية القبيحة تسيطر عليه.
أن المجتمع الأمريكى الذى حصل على كثير من الحريات وصلت الى تمتع المرأة الأمريكية بكثير من الحقوق ووصول الرئيس باراك أوباما الى سدة الحكم كأول رئيس أسود يدخل الى البيت الأبيض مدين الى هؤلاء التقدميون بالكثير فلولاهم ماحدثت هذه الطفرات الأيجابية فى المجتمع الأمريكى ثم جاءت السينما الأمريكية من خلال الأفلام لتكن الذاكرة التى تنبه المجتمع الى أن الطفرة الأيجابية فى المجتمع لم تأتى صدفة بل نتيجة عمل شجاع قام به أفراد عاديون أمتلكوا أرادة التغيير الى الأفضل.
بالتأكيد تهدف كل المجتمعات الى التغيير الى الأفضل وليس المجتمع الأمريكى فقط لكن الفارق يكمن فى ماهو سلاح التغيير الذى نمتلكه وكيف نستخدمه ؟
بعد أحداث يناير 2011 أجتاحت دعاوى التغيير كل المجتمع المصرى بل وصلت الى درجة الهوس ووقتها عندما كنت تسأل مهاويس التغيير ماذا سنغير فى المجتمع ؟ لا تجد أجابة سوى  صيحات مطالبة بالتغيير الى المجهول.
تجسد التغيير الذى طالبوا به فى شيئ بعيد تماما عن التغيير بل هو العدو الرئيسى للتقدم وهو الفوضى وأصبح التغيير فى ذهن هؤلاء أمر ساذج الى أبعد الحدود مجرد التظاهر فى الميادين وألقاء الحجارة على بعضنا البعض فى مراهقة سياسية وعقلية لم يشهد لها المجتمع المصرى مثيل من قبل.
لم يلحظ مهاوييس التغيير أن هناك من يتربص بهم وبتغيرهم المراهق فقد كان الفاشيست الأخوان وأذنابهم من السلفيين يتحينوا الفرصة حتى أنقضوا على السلطة فى يوم مشئوم.
لم يدرك المهاوييس أن مجتمعهم تمت السيطرة على عقله خلال أربع عقود بواسطة الفاشيست وتدينهم المزعوم وأن هذا المجتمع المغيب بفعل الظلامية الفاشية سيسير وراء خداع الفاشيست ظنا منه أن الفاشيست يحملون لواء التغيير الذى يطالب ويلح عليه المهاوييس.
بعيدا عن مهاوييس التغيير أستطاع الجذر الحضارى الموغل فى القدم للأمة المصرية ووعيها بهويتها التصدى لظلام الفاشبست والأطاحة بهم فى ثورة 30 يونيو المجيدة
الغريب بعد كل هذه الكوارث التى سببها مهاوييس التغييرتسمع من حين الى أخر صيحاتهم تتردد مطالبة بتغيير لا يعلموا عنه شيئا ولا يملكون أسلحته.
عندما نعود الى التقدميين الأمريكيين التى جسدت السينما قصصهم وغيرهم كثر سنجد الأجابة عن السؤالين الذين طرحناهم سابقا ماهو سلاح التغيير وكيف نستخدمه ؟ فالشخصيتبن المدرسة كاترين والموسيقار شيرلى يمتلكا العلم والوعى الثقافى بمعنى أخر فالتغيير الذى ينشدونه والتقدم الذى يسعون أليه قائم على مشروع علمى ثقافى وليس قائم على الصياح وألقاء الحجارة على المجتمع ومؤسساته.
تقدم هذه الشخصيات مفهوم أصلاحى للتغيير أساسه تغيير ذهنية المجتمع تجاه مايرونه خطر عليه وفى نفس الوقت لا يريدون تغييرمراهق بل يريدون تغيير عميق يحدث الطفرة الأيجابية التى تظهر فى تشريعات وقوانين تعطى الحقوق للفئات المتعرضة للغبن فى مجتمعهم أو بطريقة عكسية يسعون لأنهاء تشريعات وفوانين تقمع فئات أخرى.
يعطينا التاريخ مثل واضح من فلسفة المهاتما غاندى على مفهوم التغيير والأصلاح فهو كان يرى فى تحرير الأمة الهندية من الأحتلال البريطانى الأمر الهين أما التغيير الحقيقى فيكمن فى تحرير عقل المواطن الهندى من التعصب والطائفية وقد سار تلاميذه على نهجه حتى أصبحت الأمة الهندية على قناعة كبيرة بمدنية الدولة وكارثية التعصب.
هذه الشخصيات التى قامت بالأصلاح تحملت الكثير وتسلحت بالعلم والوعى الثقافى وأستوعبت تحديات ومشاكل مجتمعاتها أما مهاوييس التغيير فلا يمتلكون سوى الجهل والنظرة المراهقة للتغيير التى تتجلى   فى صناعة الفوضى ثم بعدها تسليم أنفسهم لقمة سائغة للفاشيست.
تجد الأفكار البلهاء لمهاوييس التغيير منتشرة على وسائل التواصل الأجتماعى ومن خلف الستار يحركهم الفاشيست كعرائس الماريونيت لكن هل يستطيع المهاوييس فى لحظة ما القيام بعمل أصلاحى حقيقى يحدث طفرة أيجابية فى مجتمعهم ؟ بالتأكيد الأجابة لا لأنهم لا يمتلكون كما قلنا سوى الجهل وعقول مراهقة لم تنضج بعد.•