الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مريم عزمي فنانة أخميم التلقائية التي فازت بجائزة الشيخة سبيكة: أرسم كى أظل كبيرة..

مريم عزمي فنانة أخميم التلقائية التي فازت بجائزة الشيخة سبيكة: أرسم كى أظل كبيرة..
مريم عزمي فنانة أخميم التلقائية التي فازت بجائزة الشيخة سبيكة: أرسم كى أظل كبيرة..


كانت اللحظات التي وقفت فيها السيدة الأولى «الأميرة الشيخة سبيكة» قرينة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة «ملك البحرين، ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة على المسرح.. تبتسم في وجه مريم عزمي ممثلة وزارة التضامن المصرية، قبلما تصافحها وتسلمها الجائزة، تكرر اسمها، وتلمس كتفها برقة..

 هى اللحظات التى تكللت فيها مسيرة حياة مريم كفنانة تلقائية تمارس الفن الطبيعى الذى اشتهرت به مدينتها أخميم – سوهاج منذ القدم، من خلال فن النول الفرعونى والنسيج المصرى الأصيل.. الذى كاد أن يندثر، لولا قيام جمعية الصعيد للتربية والتنمية برعايته منذ حوالى ستين عاما، انطلاقا من ايمانها بأن الحفاظ على الحرف القديمة هو مقدمة إحياء التراث باعتباره البوابة الحقيقية للحفاظ على الهوية المصرية، وتماسك الوطن، فكرست الجمعية جهودها لإحياء تاريخ المنطقة التى عرفت بأنها مانشيستر ما قبل التاريخ، واستعادت أمجادها التى كادت أن تخبو، بالتوازى مع خطة تحسين أحوال أهل المدينة العريقة اقتصاديا وثقافيا..
فى الطائرة
رحلة ذكريات طويلة كانت تدور فى رأس مريم أثناء العودة للوطن من البحرين، مما ساهم فى تخفيف حدة مهابة ركوب الطائرة للمرة الثانية، بين سعادة الفوز بجائزة أفضل منتج على المستوى العربى فى صناعة الجلود، باسم الأسر المنتجة التابعة لوزارة التضامن مصر، وبين رغبتها فى فتح الهدية التى غلّفتها بعناية وحرص، وتأجيل رغبتها لفتحها بين أفراد عائلتها وزميلاتها بالمشغل الذى عملت به ولا تزال منذ أكثر من ٥٠ عاما، حتى صارت تعرف بـ «الأسطى مريم» كبيرة الفنانات، ثم تتذكر البدايات، قائلة: كنت صبية فى الحادية عشرة من عمرى.. حينما تركتُ المدرسة فى الصف الخامس الابتدائى وانضممت للمشغل الذى كانت تقوده أبلة جيل ويوكا الراهبتان. اخترتُ العمل على النول، إلا إن المدرب سخر منى لقصر قامتى ناصحا إياى بالبحث عن وصلة لإطالة قامتى.. ولكنى لم أحزن ولم أفقد الأمل، فالتقطتنى أبلة جيل وقالت لى «أعتقد إن عندك موهبة الفن» وهكذا بدأت رحلتى مع الرسم، ومع جمعية الصعيد حيث كنتُ كل يوم أرسم مرة قطة، فقطتين، فبرج حمام.. ثم تعلمت وصرتُ أرسم موضوعات كاملة، حتى وصلت البحرين.
ولا تزال تتذكر: كان مشغل بنات.. وكانوا يأتون لنا بالكراسات والألوان لنرسم ما نراه ونشعر به. لم يكن أحد يعلق على شغلنا.. بل كانوا يشرحون لنا إن ما نقوم به اسمه «الفن الطبيعى».. فكانوا يحكون لنا الحكايات والقصص الخيالية، ويأخذوننا فى رحلات متنوعة لزيارة مختلف الأماكن داخل أخميم وسوهاج وخارجها.. وزرنا العديد من الأماكن، آخرها الأهرامات بالجيزة، وحديقة الحيوان، والمتحف القبطى والإسلامى، والسبع كنائس والأديرة.. فقط لنرسم كل ما نراه ونتأثر به، مثلما تعرفنا على بعض الفنانين مثل «عدلى رزق الله» و»ويصا واصف».. وتعرفنا على بعض الناس الحلوة مثل الأستاذ «اندريه عزام» وأستاذ «نادر حسنى»، و»أبلة هند»، وأبلة «سيسيل رمزى».. وحاليا أبلة «لولا لحام» المسئولة عن أخميم بالجمعية.
خط انتاج جديد
سألتُ «لولا لحام» الكاتبة الصحفية، ومديرة مشروع أخميم بجمعية الصعيد عن بداية الفكرة، فقالتْ: بدأتْ الفكرة مع الرغبة فى التجديد والخروج من المنتجات التقليدية لأخميم مثل التابلوهات، والستائر، والمفارش.. بالتعاون مع إحدى الصديقات من مجموعة الأصدقاء المحبين لأخميم، التى قامت بتوزيع قطع قماش صغيرة على الفنانات وطلبت منهن الإبداع فوقها، وبالفعل قمنا بتوظيف هذه القطع وطعمنا بها بعض المنتجات الجلدية مثل الشنط الحريمى والمحافظ الرجالى.. وهكذا بدأنا خط الانتاج الجلدى الذى تم عرضه بالمعرض السنوى للجمعية فى ديسمبر الماضى، والذى قامت المهندسة أمانى غنيم وكيلة وزارة التضامن بافتتاحه مع السفير الكندى، وبعض الدبلوماسيين. وكانت هديتنا لهم جميعا من ذلك المنتج الجديد الذى وصل للدكتورة غادة والى وزيرة التضامن فأعجبت به، وقامت بترشيح جمعية الصعيد باسم قطاع الأسر المنتجة فى صناعة الجلود، وجمعية أخرى عن صناعة الخيامية.. لتمثيل وزارة التضامن فى المسابقة التى تعقدها البحرين كل سنتين بين الدول العربية، والحمد لله – تستطرد لولا: لم يخب إحساسى، وساهمت الجمعية فى فوز مصر بجائزة أفضل منتج على المستوى العربى فى صناعة الجلود.
بلغت مريم الثانية والستين من عمرها، قضت منها خمسين سنة كاملة فى رسم ما لا يقل عن ٣٠٠ لوحة فن طبيعى رسمت فيه مختلف الموضوعات مثل امرأة تحلب، وامرأة تدش الفريك، والسوق، والفرح، وغيرها من موضوعات الحياة التى تتأثر. بها تتراوح أحجام لوحاتها بين اللوحات الصغيرة التى لا تتعدى السنتيمترات، واللوحات الكبيرة التى تبلغ مترا ومترين. أسألها عن اللوحة التى تعتز بها، فتقول: عمرى ما عملت لوحة وحشة، عشان بارسمها بكل قلبى، أما اللوحة التى أعتز بها، تقول مريم، فهى لوحة «أنا والدنيا حواليا، ولوحة «ليه يا دنيا غدرتِ بينا وأخذتِ الراهبات وفرجتِ الدنيا علينا؟» حينما تم هدم المشغل القديم وتركتنا الراهبات، وأيضا لوحة «أنا والدنيا حواليا والحب بعيد عن عينيا».. وأيضا لوحة «افتتاح السيد الرئيس لآثار أخميم» بعد اكتشاف تمثال ميريت آمون واحتفال الرئيس مبارك به عام١٩٨٢، وفى هذه اللوحة يمكن للشخص العادى أن يتعرف على تفاصيل الافتتاح من دقة التفاصيل التى رسمتها مريم لذلك اليوم.
أرسم لأظل كبيرة
تقول مريم إنها ترسم لكى تظل كبيرة «حتى لا تقل قيمتها قدام الناس».. تستغرق اللوحة فى رسمها بين أسبوع إلى ٣ شهور حتى تنتهى منها، حيث تقوم بفرش القماشة التى ترسم بالطباشبر الأبيض موضوعها عليه، حتى تكتمل الصورة كما تراها فى مخيلتها.. ثم تبدأ فى إعداد الخيوط التى ستعبر بها عن فنها. أسألها لماذا يقبل الناس على عملها بالتحديد، فتقول: لأننى أحترم نفسى ولا أعمل لوحة إلا وأنا واثقة فى رضائى عنها. كما إن اختياراتى للألوان تجعل الناس تحب مفارشى، لأننى أضع الألوان التى أراها، فهذا الفن فى رأيي- تستطرد مريم: لا يحتمل وجهات نظر تجعل النخلة لونها أحمر مثلا، فأنا ألون نخلاتى بالبنى الأخضر، كما يخبرنى البعض أن رسمى للقمح مميز جدا والناس يشعرون إننى أصوره لا أرسمه.
سألت لولا عن مميزات فن مريم عزمى بالتحديد بين الخمسين أو الخمس وخمسين فنانة بمشغل أخميم، وقد لاحظت أن «سيسيل رمزى» مسئولة معارض أخميم تعرف لوحاتها بمجرد النظر، فقالت: بالفعل، وتفسيرى هو إن الإنسان يصبح متميزا حينما يشتغل على نفسه، ويؤمن بموهبته، ولا يستسلم.. مثلما فعلت مريم عزمى التى لولا ايمانها بنفسها لما كانت مثابرة هكذا، مع وجود ميزة أخرى تميزها وهى النقد الذاتى.. حيث تمكنها روحها العالية من نقد شغلها بنفسها وقبول نقد الآخرين.. وليس لديها أى مانع من فكه وإعادته ولو أكثر من مرة.. حتى ترضى عنه هى أولا.. وتلك سمات الفنانين.
أما ملامحها كفنانة، فهى تمتاز بتفاصيل الغرزة، وشكل الناس الذين ترسمهم بالخيط على اللوحات التى ترسمها، بالإضافة للتنفنيش Finishing.. فى النهاية تشعرين كأنها لوحات مرسومة Painting وليست لوحات بالغرزة.. مما يجعل سعر لوحاتها الأعلى بين جميع الفنانات.
حكاوى فتيات وسيدات أخميم
كتبت لولا... كتابا عن بنات أخميم بعنوان «حكاوى فتيات وسيدات أخميم» وهو أول كتاب باللغة العربية يستعرض التجربة الأخميمية، وتستعرض من خلاله الدور الذى تقوم به الفنانات بلوحاتهن، وهو دور مشابه لدور الراوى الشعبى صاحب الذاكرة الجمعية التى تحمل الثقافة الموروثة من آلاف السنين، ومفردات اللوحات التى تزخر بالتعبير الفنى الحر كما تشاهدها الفنانات حولهن.. وقد طرحت عبره الدعوة لاعتبار هذا الفن كأحد ألوان الفن التشكيلى. بينما يقوم أصدقاء أخميم من المصريين فى مصر، وبعض دول العالم بمساعدة الجمعية فى الترويج والدعاية لأخميم.. بشراء منتجاتها وتنسيق بعض المعارض باسمها فى البلاد التى يعيشون فيها، بها يسهمون فى مساعدة الجمعية للاستمرار فى تبنى هذا الفن المصرى الصميم، كما يسهمون بمختلف الوسائل فى توفير الحياة الأفضل لبنات أخميم وعائلاتهن..
وحول السيرة الذاتية التى قدمتها لولا لوزارة التضامن عن مريم لإلحاقها بالمسابقة، كتبت تقول: مريم عزمى سيدة أخميمية، أرملة بدون أولاد، لا تقرأ ولا تكتب، ولم تدرس الفن ولا أبعاده لكنها علمته لنفسها بنفسها، بدأت بأشكال بسيطة وتطورت لرسم اللوحات المركبة التى تحتوى على أكثر من موضوع.. حيث كل ركن يحكى حكاية. تطورت فى عملها حتى اكتسبت ثقة البنات الأخريات بالمشغل، وصارت المسئولة عن تعليمهن..
سألتها لماذا تزوجت متأخرا لحد ما؟ فقالتْ: كنتُ أخاف الولادة! ثم أخذتنى معها عبر الممر الطويل بالدور الثانى فى المعرض الدائم الذى قامت لولا لحام بإنشائه بمقر الجمعية.. لعرض منتجات أخميم منذ الستينات.. وأشارت للوحة بعنوان «الولادة»، التى قالت إنها أكثر لوحة تخجل منها لأنها رسمت فيها مخاوفها من الولادة عبر المنظر الطبيعى للسيدة التى تلد طبيعيا كما فى اللوحة. مستطردة: ولكنى تزوجت، والحمد لله ساعدنى الزواج على الاستقرار ولم يقل معدل انتاجى.
بين سطور كلامها تروى مريم كيف تغيرت أحوال البنات، وساعدهن الفن على التعبير عن أنفسهن، ولم تعد حدة العادات والتقاليد قاسية مثل أيامها هى وزميلاتها، معتقدة إن فن المشغل ساهم فى تغيير كل أخميم للأحسن.. وكل الناس صارت تبينى بيوتا ومقبلة على الحياة.
تضحك وهى تصف كيف كانت الشيخة سبيكة متعاطفة معها، وهى تعيد اسمها واسم بلدها. وإنها شخصيا أحبتها وتمنت الجلوس معها مدة أطول.. وإنها تتمنى أن ترسم المزيد من اللوحات لتهديها للأميرة التى ساهمت فى منحها المزيد من الثقة فى نفسها..