الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العالم الدكتور فاروق الباز لـ «صباح الخير»: نضيع ثروة الشباب بإهدار طاقتهم

العالم الدكتور فاروق الباز لـ «صباح الخير»: نضيع ثروة الشباب بإهدار طاقتهم
العالم الدكتور فاروق الباز لـ «صباح الخير»: نضيع ثروة الشباب بإهدار طاقتهم


 
عالم الجيولوجيا المصرى الكبير الدكتور فاروق الباز، يشغل مساحة كبيرة من الحب فى نفوس المصريين، لدماثة خلقه وتواضعه وحبه الكبير لمصر والمصريين، وقد كرمته جهات عديدة فى العالم كان آخرها تكريمه فى شهر سبتمبر الماضى بحصوله على جائزة «Inamori Ethics Prize» العالمية لعام 2018 وهذه الجائزة تمنح لكبار علماء العالم، الذين أسهموا بإنجازات علمية كبيرة فى خدمة البشرية، ولهذه المكانة العلمية الكبيرة كان الدكتور فاروق الباز دائمًا قريبًا من كل رؤساء مصر السابقين وهو الآن مستشار الرئيس  السيسى للشئون العلمية وفى الحوار التالى معه لـ«صباح الخير» يطرح رؤيته لحاضر مصر ومستقبلها.

• بداية كيف علمت بأمر هذه الجائزة العالمية الأخيرة؟
- لم أكن أعرف شيئًا عن الجائزة فى بداية الأمر، وعندما اتصلوا بى سألتهم.. كيف ولماذا تم اختيارى لهذه الجائزة ؟ فقالوا إنك رجل علم ونحن نعترف بذلك ونوقرمجهودك وعملك على سطح القمر، وقد علمنا أنك التقطت صورًا فضائية ذهبت بها إلى مصر، كى تكتشف أماكن المياه الجوفية فى مصر والسودان وتشاد، وهذه الأعمال تعد من أكرم الأعمال التى تستحق التقدير، بأن تأخذ من وقتك وعلمك ومعرفتك وتجلب الصور لتعمل عليها شهورًا وتصطحب الطلاب وتذهب معهم إلى أماكن التجارب حتى تحدد لهم مكان الحفر المناسب لاستخراج المياه الجوفية ولأن المياه هى أساس الحياة فنحن نعتبر عملك هذا من أعظم الأخلاقيات فى العالم.
• هل كنت تتوقع هذه الجائزة أم كانت مفاجأة؟
- بالطبع كانت مفأجاة تمامًا، لأنى لم أكن أعرف عن هذه الجائزة شيئًا، ولم أعتقد يومًا أنهم سوف يمنحونها لى على الإطلاق.
• هناك مقولة شهيرة تتردد عنك تقول فيها: «إن الزلط أغلى عندى من الذهب» ماذا تعنى بهذه المقولة؟
- لم أقل مثل ذلك أبدًا بهذا الشكل.. وهناك خلط شديد فى القول والمعنى المقصود به، فقد سألنى البعض من قبل عن القصور والسيارات التى أمتلكها وكان ردى أننى أمتلك شقة وسيارة صغيرة تستخدمها زوجتى وأنا أذهب إلى الجامعة سيرًا على الأقدام وكانوا يتعجبون من ردى وأننى لا أمتلك فعلا سيارات كما يتصورون، ولن أنسى أبدًا الرحلة التى زارنى فيها الرئيس السادات وأنيس منصور فى أمريكا، وكنت وقتها رئيس الأبحاث العلمية فى متحف الطيران والفضاء بأمريكا وهو متحف تابع للدولة، وكان رئيس المتحف أحد رواد الفضاء وهو من استعان بى واختارنى لأكون رئيس أبحاث الطيران والفضاء، وعندما وصل أنيس منصور مع الرئيس السادات الذى قال لى: «أنا عايز آجى أشوف المتحف ومكانك، فأجبتهم طبعًا اتفضلوا وهذا هو العنوان» وعندما جاء الاثنان، كان السادات برفقته ورق ويريد كتابة وملاحظة كل شىء وبعد أن انتهينا قال أنيس: «هاستناك عشان أروح معاك للمنزل» وعندما ذهبنا إلى جراج السيارات قال لى: «فين عربيتك فقولت له هيا دى «فولكس فاجن بيضاء» فقال: «يا نهار أسود دى فضيحة بتركب العربية دى إزاى؟ وفين السواق فقولت له أنا اللى بسوقها دى عربية كويسة خالص وماشية فقال لى: «أنت عار قومى.. إزاى ترضى تمشى بالطريقة دى؟ فقلت له أنا بامشى كده ومبسوط خالص»، وهذه هى القصة الحقيقية لهذه الأقوال المغلوطة وفى مرة أخرى سألنى أحدهم قائلاً: إنت لسه محتاج.. بتروح الصحراء ليه ؟ فرددت عليه قائلاً: «أنا كده مبسوط وسعيد إنى معايا حاجة أعيش فيه ناس غلابة كتير مش لاقيين حاجة؟ فسألنى مرة أخرى «ليه هو أنت مش بتاخد فلوس كتير من شغلك والحمد لله؟ فرددت عليه: «لأ مابخدش فلوس.. فلوس إيه ده أنا باصرف من جيبى» فتعجب قائلا: «إنت بتروح تعمل أبحاث وتصرف من جيبك وممكن تعيش فى مكان نظيف وقصور ويكون عندك سواقين وعربيات وتعمل كذا وكذا»، وفى النهاية تم تحريف ما قلت وتأويله لشىء بعيد تمامًا.
• ذكرت من قبل أن أحد أحلامك أن يتم الكشف عن الأسرار الخاصة بالحضارة المصرية القديمة.. كيف يمكن تحقيق ذلك؟
- اهتمامنا بالحضارة المصرية القديمة ضعيف جدًا، وفى مدارسنا لا ندرس التاريخ المصرى القديم بالشكل اللائق به، فحكمة قدماء المصريين وأديانهم هى أم الأديان وكان لديهم أقدم وأعظم نظام إدارى للدولة فى العالم، ونحن لم نستطع أن نوصل رسالتنا للعالم بأن كل النظم الحديثة سبقناهم فيها سواء فى الإدارة أو فن الإبداع الهندسى للبناء أو الزراعة أو الضرائب، ونحن فى النهاية نأخذ هذه النظم عن الغرب والحضارة المصرية القديمة هى أصلها.
• ماذا عن مقترحك بشأن ممر التنمية وإلى أين انتهى؟
- الرئيس السادات كانت لديه رؤية هائلة جدًا، وكان يريد عمل تنمية فى الصحراء وغزوها، وقد طلبنى عام 1974 حتى أعمل معه وكان يقول لى: «شوف لنا نعمل إيه فى الصحراء أنا عايز 3 ملايين مواطن يعمروا سيناء و4 ملايين فى الصحراء الغربية و2 أو 3 ملايين فى الصحراء الشرقية ، عايزين نوزع الناس كلها» وذهبت ودرست معيشة الناس هناك وماذا يستطيعون عمله واتضح لى أن الناس ترتبط بوادى النيل بشكل كبير حتى لو عاشوا سنوات طويلة فى الوادى الجديد والواحات عندما يموت منهم أحد يسافرون لدفنه فى بلده الأصلى «بمعنى أنهم لن يستقروا تمامًا فى هذه المناطق الجديدة ويرتبطون بجذورهم فى حضن وادى النيل، ولذلك اقترحت عمل ممر التنمية الموازى للنيل بداية من البحر المتوسط والمنطقة الفارغة بين النيل والممر يكون فيها سكة حديد وشوارع وكهرباء ومياه وأراضٍ زراعية ومصانع وجامعة جديدة ومدارس وصناعة زراعية ومخازن ومعامل ومساحته تتخطى عشرة ونصف مليون فدان، ونحن نعيش على 6 ملايين فدان فقط والممر الجديد يضيف ضعف المساحة ومازال الناس يعيشون فوق بعضهم فى العشوائيات».
• هذا المحور كان سيوفر فرص عمل كثيرة للشباب وهو ما يجعله أهم محور لأى أسرة مصرية؟
- عندما بدأنا الكلام عن الممر كان معنا نائب رئيس شركة «بكتل» وأعجب بالفكرة وسألنى كيف ستنفذها فرسمتها له ودرسها وقال ستكون هناك صعوبة فى البداية لأنك ستحتاج لأكثر من نصف مليون من الأيدى العاملة فقلت له لدينا أضعاف هذا الرقم يحتاجون عملاً، لا تقلق.
• كيف ترى مكانة مصر عالميًا حاليًا فى ظل السياسة الخارجية للرئيس السيسى؟
- نحن الآن على بداية الطريق الصحيح، وكنا فى منخفض عميق بطول 60 أو 70 سنة فى حقيقة الأمر، ولابد أن نحسن من عملنا وإنتاجنا ومستوانا وعلاقتنا مع العالم الخارجى والداخلى وأفريقيا، حتى نعيد احترامنا كما كان من قبل، وهذا يتطلب أن تكون لدينا إمكانيات غير عادية، وهذا يجعلنى أتساءل عن التعليم والبحث العلمى فى مصر، ولو كنت وزيرًا للبحث العلمى فى مصر ما هى الأولويات التى يجب أن نركز عليها؟ نحن نمتلك إمكانيات كثيرة غير مستغلة مثل الأرض والمناجم، ولا نجيد التصرف أو التسويق الجيد لهذه الإمكانيات ولابد من دعم أفكار الشباب وهذا يؤجج الطاقة بداخلهم، لأن طاقة الشباب هى أكبر ثروة فى مصر وأريد أن أقول إن الرحلة الفضائية أبولو 11 كنت أشاهد مع رواد الفضاء أن غالبية من يعملون فى المركز الأساسى لتشغيل السفينة الفضائية من الشباب صغير السن بمتوسط 26 عامًا ومثل هؤلاء عندنا فى مصر نعاملهم على أنهم ليست لديهم خبرة ولا يفهمون فى شىء أو عاطلون عن العمل.
• كيف نستفيد من العقول المهاجرة ولدينا عدد كبير من العلماء فى كل دول العالم وكيف نبنى جسرًا لتواصلهم مع الوطن؟
- يمكن أن يتم هذا بالتعاون معهم وكل واحد منهم له قصة وحكاية مختلفة دفعته للحياة بعيدًا عن مصر، ولذلك لابد من إعادة بناء جسر الود معهم لأن غالبيتهم عندما خرجوا كانت لديهم إحباطات وتجارب سلبية ووجدوا أنفسهم وضالتهم فى البلاد التى عاشوا فيها، لذلك لابد من تحفيزهم وتشجيعهم بفتح أبواب الأفكار والمشاريع لخبراتهم، ومساعدتهم أيضًا فى كل ما يحتاجونه من دعم فى الدول التى يعملون بها.•