الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صداقة.. وأشياء أخرى!

صداقة.. وأشياء أخرى!
صداقة.. وأشياء أخرى!


فجأة، بدا كما لو كان مديرها يُقدِرُها ويضعها فى موقعها المناسب كمسئولة للعلاقات العامة فى برنامج الهيكلة والإصلاح الذى تديره -عن بعد- إحدى الهيئات الأوروبية؛ حتى تصبح سياسات العمل جديرة بالأموال التى يقدمها الممولون! وقد أوفدت الهيئة أحدهم ليقيم فى مصر -كخبير- لمساعدة الفريق المصرى على تحقيق الإصلاح!
 أما هى، فكان السؤال الذى يدور فى رأسها: لماذا وافق مديرى على عودتى للعمل ثانية بعدما تركتهُ، لموافقته هو ومجلس الإدارة على فتح وظيفتى أثناء عملى، إرضاء للهيئة الأوروبية الذين حجزوا وظيفتى لأنفسهم؟

كان وجود الخبير الأجنبى كزميل.. يثير إحساس زملائها بأن الهيئة الأوروبية تحتل جمعيتهم، وإن هذا الرجل ليس إلا رقيبا عليهم، دون أن ينسوا إنهاء أحاديثهم بصب الغضب على الإدارة التى جعلتهم يقبلون الكثير من الممارسات المفروضة عليهم..  إرضاء لبرنامج الهيكلة!
-  أبديتُ تعجبى من بيئة العمل التى تتضمن كل هذه المشاعر، خاصة موقف زملائها المزدوج بين طاعتهم للخواجات.. واعتبارهم محتلين فى نفس الوقت!
- فالتفتت إلي، وببعض الحدة قالت: عارفة المثل القائل «عض قلبى ولا تعض رغيفي»؟ أى إنسان طبيعى سيرفض معاملته كالعبد، فما بالك ونحن من البلاد التى برعتْ فى العمل الأهلي؟ ولا تنسى أننى تعاملتُ مع بعض الهيئات الأوروبية والأمريكية والعربية.. وكان أكبر اكتشافاتى أن الهدف والمضمون للعمل التنموى بهذه الهيئات يختلف تمامًا عن خبراتنا واحتياجاتنا! هم يتفوقون بالتقنيات والمعرفة.. ولكننا أدرى باحتياجاتنا، ولهذا اقترحتُ وجود خبير مصرى مع برنامج الهيكلة!
التمويل الخارجي
- ابتسمتُ وقلتُ لها: بالراحة.. أكيد أنتِ تعلمين أكثر مني! ولكن من خبراتى أنا أيضًا.. أُخبركِ أن التنمية والعمل الأهلى فى البلاد العربية لا يجتمعان إن لم يكن التمويل الخارجى -بالتحديد- متوفرًا! بل أزعم إن جمعياتنا لم تنجح فى شيء أكثر من المتاجرة بفقر وجهل الفئات التى تخدمها؛ لاستثارة شفقة الممولين الذين يدفعون أكثر كلما نجحت الجمعيات فى إظهار سوء الحال! فهل سيكون هناك عمل تطوعى وأهلى بالفعل، لوغاب التمويل؟
 وقد استفزنى الحوار أكثر، فاستمريتُ قائلة: فى مصر حوالى ٤٦.٠٠٠ جمعية أهلية، لو كانت كل واحدة تستهدف صالح ٥٠٠ شخص فقط.. لتغير وجه بلدنا! هل تنسين أن معاناتِك ناتجة عن إدارة الجمعية التى بدأت إنسانية، ثم تحولت للفساد بسبب فوضى إدارة التمويلات التى تأتيها بالملايين؟ ألا تحتفظ لنفسها بمعظم النقود، وتترك الباقى لخدمة المشروعات التى جاء التمويل باسمها؟ بل واستطاعت بالرشاوى إفساد بعض الجهات الرقابية نفسها؟ ألم تتضخم وتتجبر إدارة جمعيتك -وأمثالها- هكذا؟ فصارت تغدق المال على من تُجنده لخدمة فسادها، وتمنعه عن الأغبياء الذين يصدقون أنهم يعملون لخدمة التنمية!
- كانت تُنصِت إليّ تمامًا، ثم قالتْ: الهيئات الأجنبية كذلك -على فكرة-!
الإنسان هو الإنسان فى كل مكان وزمان! كل الفرق أن القوانين ببلادهم مفعلة وحاسمة! ولكن جمعية أهلية يعنى تمويل، يعنى القدرة على استفزازك لمنحها المال، والقدرة على إقناعك بأنها تحقق أهدافك! وهذا ما فعلته الهيئة الأوروبية أيضًا، ففى النهاية هى جمعية أهلية تبحث عن تمويل، ولم نكن بالنسبة لها أكثر من مشروع يتم تمويله من الجهات التى كلفتها بمساعدتنا! رغم اعترافى بأن تعاملها مع إدارتنا الفاسدة هو الذى استفز قدرتها على التلاعب معنا وبنا!
 صديقى اللدود
 - سألتها كيف دارت العلاقة بينها وبين الخواجة.. مساعد برنامج الهيكلة - الخبير- المقيم بالقاهرة؟ فأخبرتنى أنها كانت ترتاب فى كل تصرفاته نحوها، حتى رفضتْ دعوته على حفل افتتاح منزله بالزمالك! فاستوقفنى الأمر، وسألتها: الزمالك؟ لماذا لم يعش فى بيئتكم المتوسطة لتكون قراراته أقرب للواقع؟
- كان هذا تعليق الزملاء أيضًا.. أجابتنى،  واستطردتْ: ولكنى لا ألومه، فهو قادم من بلاد تكسوها الخضرة، وليس ذنبه أن أجواءنا شبه صحراوية! ثم ماذا يعنى ايجار شقة فى الزمالك ببضعة مئات اليوروهات؟
 - فهمتُ منها أنها اكتشفت توافق بعض الصفات والمواهب بينها وبين الخواجة، مما ساهم فى وجود علاقة إنسانية بينهما، مع قدرتها على الفصل بين قضايا العمل والعلاقة الإنسانية، وإنه كان هو أيضًا يتعامل معها كذلك، فابتسمتُ وأنا أسألها بلطف ماكر: وماذا تعنى علاقة إنسانية بينك وأنتِ الشخصية العاطفية - كما يعرِفْ- وبين شخص يحاول إقناعك بأنكِ غير كفء، ودون المستوى؟ مستطردة: هل هو وسيم؟
- نظرت إليّ وقد أدركتْ مقصدى،  وبكل جدية أجابتنى: هذا ما ألمح البعض له، أيضًا! وكأن التعامل مع رجل أجنبى يعنى بالضرورة علاقة ما! ولولا أن الرجل كان يأتى بصديقته ويتباهى بعلاقته بها.. لفهموا الأمر كما يريدون!
وسريعًا ما سألتنى: أليس غريبًا أن يأتى هذا السؤال منكِ وأنتِ تعرفين كيف أستطيعُ الفصل بين الخاص والعام؟ وإن عملى هو عقد العلاقات حتى مع الأعداء! مستطردة: أجمل فى الخواجات هو الوضوح واحترامهم لمشاعرك، فحينما يريد الخواجة شيئًا يخبرك به، محترمًا قرارك حتى لو كان ضد رغبته! تلك ثقافتهم، وأيضًا ثقافتي!
 الخديعة
 - ولكن كيف وصل الأمر للاحتدام بينكما.. فى العمل أقصد؟
- ضحكتْ عاليًا لاستدراكى، ثم قالتْ: كنتُ دائمًا ما أتعامل معه باعتباره الشخص المكلف من الهيئة الأوروبية بإقناعى بأننى لا أصلح كمديرة، حتى فوجئت به ذات مرة يسألنى إذا ما كنتُ فى حاجة لمساعد، فوافقتهُ فى الحال، وسريعًا ما اقترح أن أعود لإعلان الوظيفة الذى كتبته زميلته الخبيرة بالهيئة الأوروبية، وأنشره على الموقع الإليكترونى وصفحة فيسبوك الجمعية، لعل شخصًا يتقدم وأقتسم الوظيفة معه!
-   الإعلان الذى تركتِ العمل بسببه؟ ووافقتِ؟
- وافقتُ، لأننى كنتُ - ذلك الحين- لا أعرف أن تحقيق خطة الهيئة الأوروبية هو جزء من وظيفته، خاصة أنه لم يعد يتحدث عن زميلته الخبيرة أبدًا، بعد معرفته بأننى أفهم خطتها! وافقتُ مع إحساس ما بأن الأمر لا يجرى لصالحى، ولكنى لم أمتلك دليلًا! بل قمتُ بتصميم الإعلان عن الوظيفة.. وإذا بإحساسى يتمرد حينما وافق مديرى على نشره باللغة الإنجليزية، ولا أعرف لماذا فى ذلك الوقت شعرتُ بأنها مؤامرة وتمثيلية يلعبها الجميع ضدي! وسريعًا ما قلتُ لمديرى: لا.. لن أنشر الإعلان، فإذا كان برنامج الهيكلة يرى قطاع العلاقات العامة فاشلًا، فهل من المنطقى أن نعين شخصًا آخر قبل التخطيط والإصلاح الإداري؟ موضحة: لدينا العديد من المساعدين بمكاتب الجمعية المنتشرة بالمحافظات، من اللائق أن يقوم الخواجات بمساعدتنا على تأهيلهم، مثل باقى القطاعات! لمحتُ نظرة مديري- حينها- وكأنه استفاق من غفلة ما، ثم قال لى: لا تنشرى الإعلان!
 كانت اللقطة الأخيرة التى ذكرتها صديقتى بداية علاقة جديدة مع مديرها، لم تشهدها من قبل.. فسألتها إن كان قام نتيجة لهذا بتعديل أمورها الإدارية والمالية؟ خاصة وأنه المدير الذى يملك أن يصحح موقفها أمام برنامج الهيكلة، باعتباره المتسبب الأساسى فى المشكلة! فسخرتْ قائلة: فات الوقت.. بل اتخذ الصراع صورًا أخرى.•