الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بيت شيوخ "القاياتى"

بيت شيوخ "القاياتى"
بيت شيوخ "القاياتى"


على بعد أمتار من باب زويلة بشارع المعز، ستقودك قدماك إلى عطفة القاياتي"السكرية سابقا"،وفي لافتات أخرى في الحارة كانت تسمى"عطفة الحمام"، حيث منزل الشيخ مصطفى القاياتي أحد أعلام ثورة 1919، والذى يعود بناؤه إلى القرن التاسع عشر، على الطراز المعماري للبيوت والمنازل العثمانية في مصر.


يتوسط البيت صحن تطل عليه مجموعة من الغرف"حواصل" ومقعد لاستقبال الضيوف، مازالت بعض أعمدته قائمة إلى الآن، وهناك آثار لأقبية نصف دائرية، يبدو أنها تقود إلى قاعات، مغلقة الآن، وفي مواجهة الداخل للصحن يقودك سلم إلى طابق علوى تستأجره إحدى الأسر من ورثة "القاياتي" الذين يسكنون الطابق الأرضي حتى الآن.
وسيلفت انتباهك باب خشبي قديم، بعد أن تمر من باب حديدي حديث بضلفتين، إلى داخل البيت، الذى يحيطه سور من الحجر الضخم، الذى يسميه الآثاريون"حجر فص نحيت ميدماك"للدلالة على قوة ومتانة تراصه فوق بعضه.
وعلى السور مجموعة من الكوابيل الحجرية، المشهورة بحمل طوابق عليا أو المشربيات المميزة للطراز العثماني، ليست بعيدة عن أجواء ثلاثية وفيلم نجيب محفوظ "بين القصرين والسكرية"، وبالسور فتحات لشبابيك مستطيلة، و"قبو" لكن كلها مغلقة ومسدودة بالطوب.
 وكما تحكي الخمسينية "أم عبد العزيز" زوجة الحاج أشرف القاياتي، التى تسكن الطابق الأرضى،: "أن البيت كان مكونا من ثلاثة طوابق، وكان به مجموعة من المشربيات، لكن هدمت الطوابق، ووزارة الآثار تحتفظ بهذه المشربيات في مخازنها".
وتتذكر أم عبد العزيز، من الحكايات التى سمعتها عما جرى في البيت، خلال أحداث ثورة 1919، أنه كان مكانا لتجمع مشايخ الأزهر الشريف، وأن سعد زغلول اجتمع بالشيخ مصطفى القاياتي في أحد غرف هذه البيت.
سكن البيت خلال القرن التاسع عشر الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي " 1838-1902"، وأخوه الشيخ أحمد القاياتي، من علماء الأزهر الشريف، اللذان شاركا في أحداث الثورة العرابية، وبعد أن احتل الانجليز مصر قبض على زعماء الثورة، ونفي الأخوان إلى بيروت لمدة 4 سنوات، وهناك ألف محمد كتابه الشهير عن ملامح التغير الاجتماعي في بلاد الشام بعنوان"نفحة البشام في رحلة الشام".
ومما يتناقله ورثة القاياتي أن البيت سجل كأثر في عام 1961، ثم خرج من هذا التصنيف في أواخر الستينات، وأن الأخوين محمد وأحمد عبد الجواد، طلبا أن يتملكا البيت وعرضا الأمر على قاضي قضاة مصر"حضرة صلاح بك الشاموطي"، ووافق بالبدل مقابل 300 فدان بببا بمحافظة المنيا.
وﻭﻟﺪ لاﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪﺍﻟﺠﻮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺎﻳﺎﺗﻲ، الابن "مصطفي"ﺑﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﻳﺎﺕ بﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻌﺪﻭﺓ باﻟﻤﻨﻴﺎ، وحضر للدراسة بالأزهر وسكن بيت "القاياتي" الذى جمع الكثير من أهل العائلة وأغلبهم من شيوخ الأزهر والشعراء والساسة، وكان البيت ﻣﻠﺘﻘﻰ لأﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻷﺩﺏ، ولازال يأتى إليه أبناء من عائلة القاياتى في المنيا الى الآن.
ﻭحصل مصطفى على شهادة العالمية من الأزهر وعين مدرسا بالأزهر، وﺍﺷﺘﻬﺮ ﺑﻨﺰﻋﺘﻪ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ،وﺍﺳﺲ ﻣﻊ ﺯﻣﻼﺋﻪ خلال دراسته بالازهر"ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻣﻜﺎﺭﻡ ﺍﻻﺧﻼﻕ" وﺭﺃﺱ ﺟﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺩﻳﻨﻴﺔ أخرى، ولنبوغه ﺍﻧﺘﺪﺏ فيما بعد ﻠﺘﺪﺭﻳﺲ اللغة العربية وآدابها وتاريخها ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ.
يوضح د.محمد عفيفي استاذ التاريخ بجامعة القاهرة، أن الشيخ مصطفى القاياتي كان من كبار علماء الأزهر الشريف، وهو يمثل ذروة اشتراك علماء الأزهر في ثورة 19 وكان واحدا من الأعضاء البارزين في الوفد المصري بزعامة سعد باشا زغلول ،وكان يقود الجماهير في  المظاهرات المطالبة بالاستقلال ويخطب في المساجد.  
ويلفت عفيفي إلى الدور الذى لعبه القاياتى في تبادل الخطب مع القس سرجيوس الذى يخطب قي الجامع الأزهر، ويخطب الشيخ مصطفى القاياتي فى الكنيسة المرقسية بكلود بك أثناء ثورة 19 ،وترتب على هذه الخطب أن اعتقلت سلطة الاحتلال البريطاني الشيخ مصطفى وسرجيوس وتم نفيهما معا إلى معسكر الجيش الإنجليزي في رفح لإبعادهما عن القاهرة وظلا هناك مدة 4 شهور رغم اعتراض الكنيسة والأزهر، مع العديد من الوطنيين وفى مقدمتهم محمود فهمى النقراشى، وأبوشادى المحامى وافرج عنهما بعد ذلك ليصبحا رمزا من رموز السياسة وثورة .1919.
ويذكر عبد الرحمن الرافعي، أن الشيخ مصطفى القاياتي، قد أسند اليه رئاسة الجماعة التى ألفها المتظاهرون في ثورة 1919، لحفظ النظام أثناء سير المظاهرات، وميز أصحابها بشارات بيضاء حول أذرعهم تميزهم عن غيرهم، واليها يرجع الفضل في تنظيم المظاهرات والابتعاد بها عن الاعتداء على الأموال والأنفس، وكان منهم من يحمل القرب لاطفاء ظمأ المتظاهرين، وكان الجمهور يستجيب لنداءاتهم طواعية، وتوعدت السلطة البريطانية من ينتمي منهم لهذه الجماعة بالاعتقال والمحاكمة في ايريل 1919.