الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رسائل الحاضر فى السينما السورية

رسائل الحاضر فى السينما السورية
رسائل الحاضر فى السينما السورية


ماجدة موريس تكتب..
وقف الأب بين يدى قناصيه السفاحين، وصمم على أن يتكلم قبل أن تنطلق رصاصاتهم نحوه وتقتله، قال إنه وغيره سيموتون، ولكن سيبقى الوطن، مهما قتلوا أبناءه، وحاولوا تخريبه.
رسالة مهمة وجهها الممثل أيمن زيدان، فى فيلم سورى مهم، هو(الأب) الذى رأيناه فى مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى فى دورته الماضية، والتى عُرض فيها ثلاثة من الأفلام السورية الحديثة والمهمة، غير أننى اخترت فيلم الأب لقدرته على بلورة القضيتين، قضية الوطن، وقضية السينما وتعبيرها عن الأحداث مباشرة، رغم ما يحل بها من أزمات تتصل بأزمات الوطن نفسه.
نحن أمام قصة موظف عام، يعيش من أجل أسرته الصغيرة، ويقيم فى إحدى قرى (إدلب) إلى أن تحدث الكارثة ذات يوم، حين تجتاح قوات داعش الإرهابية القرية وتحاصرها، وتأخذ أفرادها أسرى فلا يجد الأب (إبراهيم عبدالله) أمامه حلاً، إلا المقاومة، والدفاع عن عائلته، وأبيه وأمه وكل شركاء المصير فى القرية، وفِى اللحظة التى خططوا فيها لترك القرية والإفلات من قبضة الدواعش، إلى الفضاء الواسع والزراعات التى تحميهم، إذا بهم يقعون فى قبضة الغزاة، وتتعرض إحدى بناته للاغتصاب والضياع، ويتفرقون ويصبح على كل فرد الدفاع عن نفسه بمفرده حتى يصل الأمر إليه، ويقتادونه كصيد ثمين.
ولكن الأب يصمم أن يخاطبهم قبل الموت، وهو فى الحقيقة يخاطبنا جميعا - عبر الفيلم - عن معنى الوطن بالنسبة لمن ارتبط بأرضه، وتنفس هواءه، فى رسالة مؤثرة قدمها المخرج باسل الخطيب، والممثل القدير أيمن زيدان وكل العاملين فى هذا الفيلم، وهناك أفلام عديدة أنتجتها السينما السورية فى عز الحرب التى لا تزال مستمرة علي سوريا، والهجوم الضارى عليها من قوى دولية متعددة، ومع ذلك، فلم يتوان الفنانون السوريون عن العمل فى المساحة الباقية من الوطن بدون احتلال، وهى العاصمة دمشق.
وبعض المناطق الأخرى، والحقيقة أن السينمائيين السوريين من أكثر صناع السينما فى العالم ارتباطًا بوطنهم، وهو ما بدا واضحا منذ قيام الحرب على سوريا وحتى الآن.
ثمانى سنوات من محاولات الغزو، وهدم المدن والتقاتل بين فرق متنافرة ولَم يتوقف العمل فى السينما السورية، بالطبع قل عدد الأفلام، ولكنها مستمرة، ، ومن حسن الحظ أننا نراها فى مصر غالبا من خلال مهرجان الإسكندرية السينمائى، المتخصص فى دول البحر المتوسط، ، وغالبية هذه الأفلام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما فى سوريا التى تمارس نشاطها منذ بداية السبعينيات من القرن الماضى، ربما فى نفس الوقت الذى تم فيه إلغاء المؤسسة المصرية العامة للسينما، كأول مؤسسة قطاع عام يتم إلغاؤها بعد قرار الرئيس السادات باعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادى، ومع إنشاء المؤسسة العامة السورية للسينما فى بلد كان يرتاد دور السينما فيه مائة الف مواطن يوميا فى هذا الزمن، وبرغم عدد دور العرض السينمائى المحدود، والمعوقات العديدة لانطلاق المؤسسة الجديدة، ومنها أن الدولة السورية لم تعامل المؤسسة كأنها هيئة خدمات كالمسرح والإذاعة والتليفزيون، ولَم تعطها تمويلًا، وإنما فقط أعطتها الحق الحصرى لاستيراد الأفلام الأجنبية، وجنى الربح، أو الخسارة، وحق الاقتراض من البنوك، ومع ذلك فقد ظلت المؤسسة تعمل فى إنتاج الأفلام لمدة تقترب من النصف قرن حتى اليوم، وربما تكون قد حظيت ببعض التسهيلات فى هذه المدة، لكن المؤكد أنها استطاعت دائمًا أن تكون منتجًا وسببًا من أسباب تقديم إبداعات أجيال من السينمائيين السوريين.
أين ذهبت المسلسلات
فى شهر يوليو عام ٢٠١٠ نشرت جريدة (الأهرام) تقريرًا خاصًا من دمشق بعنوان (الدراما السورية تغزو الفضائيات بأربعين مسلسلًا فى رمضان ) أفردت فيه أخبارًا عن نقلة جديدة للدراما السورية ممثلة فى إنشاء أربع شركات جديدة للإنتاج التليفزيونى بدعم لا محدود من الحكومة السورية، وأن هذه الشركات بدأت العمل بالفعل منذ شهور واستوعبت كل العاملين فى الدراما السورية، ومنهم بعض كبار الأسماء فى الإخراج والتمثيل الذين كانوا قد بدأوا العمل فى الدراما المصرية، كالمخرجة رشا شربتجي والمخرجين باسل الخطيب وحاتم على وفِى التمثيل الفنانون جمال سليمان وباسم ياخور وتيم حسن وسلاف فواخرجى وغيرهم، وفِى هذا التوقيت، كانت الدراما السورية قد وصلت إلى أعلى معدلات ازدهارها، خاصة فى مسلسلاتها التاريخية التى سجلت نجاحًا باهرًا فيما يتعلق بعناصر المصداقية والجودة، من مشاهد للحروب والمحاربين بأعدادهم وعتادهم وملابسهم، ومن أماكن تصوير ملائمة للمشهد الدرامى، فى الوقت الذى انهار فيه المسلسل التاريخى المصرى نتيجة لتكلفته العالية وعدم مساهمة أجهزة الدولة فى دعمه كما يحدث مع المسلسل السورى، وليس المسلسل التاريخى فقط، وإنما أبدعت الدراما السورية أعمالًا اجتماعية فى أجزاء مثل (باب الحارة) تحكى تاريخ الأجيال، وأعمالًا معاصرة متنوعة، وأصبح المسلسل السورى رقمًا صعبًا فى دائرة المنافسة على المشاهد العربى موازيًا للمسلسل المصرى، ولكن جاءت الحرب لتوقف هذه النهضة، وليتوقف إنتاج رائع فى جانبيه الفكرى والفنى، وليصبح الإنتاج السينمائى الآن هو الأكثر ملاءمة وليكتفى الفنانون السوريون بما هو متاح منه.•