السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حجر ومشربيات وزخارف دانتيلا

حجر ومشربيات وزخارف دانتيلا
حجر ومشربيات وزخارف دانتيلا


«مبانٍ من الحجر ذى اللون البيج، ذات زخارف دقيقة تشبه الدانتيلا فوق النوافذ» هكذا تبدو حلب للزائر.  ولا تختلف حلب فى طابعها المعمارى العربى عن باقى المدن السورية القديمة دمشق وحمص ذات البيوت العربية والأسواق القديمة، وسوق حلب وسوق الحامدية، والحمامات التى لا تزال تعمل حتى الآن.


هذا التميز كما تصفه أستاذة العمارة بهندسة القاهرة، سهير حواس، التى زارت الكثير من المدن السورية، يعود إلى أن لكل مدينة برامج ممتازة للحفاظ عليها كتراث معمارى وإنسانى،  وضعت بجهد مشترك بين الدولة والبعثات العلمية.
 وتستثمر سوريا مبانيها التراثية ذات القيمة التاريخية فى الأنشطة السياحية، بما يتفق مع المبنى والبيئة المحيطة به، فبعض البيوت الأثرية يعقد بها حفلات موسيقية ومهرجانات، وأخرى تستغل كمطعم لتقديم المأكولات التراثية.
40 نوعًا من الشبابيك وشوارع نظيفة:
سيف أبو النجا: «السوريون حافظوا على عمارتهم لحبهم للغة العربية»
يرى رئيس جمعية المعماريين المصريين، المهندس سيف أبو النجا، «إن السوريين استطاعوا الحفاظ على هويتهم المعمارية، ذات الطابع العربى،  لإتقانهم واحترامهم للغة العربية، فمن يحترم اللغة، يحترم العمارة والموسيقى، فحتى مع دخول أشكال العمارة الحديثة فى الستينيات، فإن عمارتهم تتميز  بالأصالة».
ويدلل سيف على ذلك باهتمام السوريين بقوانين البناء المعمول بها فى سوريا، حيث تشترط أن يكون مصمم أى مبنى مهندسًا معماريًا مصنفًا بحسب خبرته وتميزه، وهى الشروط المعمول بها فى كثير من الدول مثل تونس والجزائر والمغرب، فالمبنى الذى يصممه معمارى يكون مبنى مميزًا مهمًا طال عمره، ويمكن ترميمه فيما بعد، فى حين لا تشترط مصر والسودان مثلا هذا الشرط فى مبانيها.
وبحسب سيف تتميز العمارة فى سوريا بكثرة وتنوع نماذج الشبابيك والأبواب والعقود التى تصل إلى نحو 40 نوعًا، بالإضافة إلى استخدام الحوائط الحاملة والحجارة والمشربيات والمقرنصات، لكن تبقى تفاصيل صغيرة وزخارف محلية  تميز كل مدينة.
ورغم كل هذه التفاصيل المعمارية، يحب سيف نظافة المدن السورية، ويرى أنها أكثر ما يميز المدينة السورية.
محمود مرسى: مصر وسوريا «جسد واحد» منذ الفراعنة
عاشق الآثار والعمارة السورية، أستاذ الآثار والعمارة الإسلامية بكلية الآثار بجامعة القاهرة محمود مرسى،  عاش فى سوريا خلال إعداده لرسالته للدكتوراه حول عمارة وآثار سورية، ثم لإعداد العديد من الأبحاث المتخصصة فيها أيضًا.
ومن خلال كل هذه الخبرة والمعايش، يتوقف عند الارتباط القديم بين مصر  وسوريا، عبر العصور التاريخية، منذ عصر الفراعنة الذين وصلوا إلى مدن حلب وحمص وإدلب، لتأمين الامبراطورية المصرية من جهة الشمال الشرقى،  خلال عصر رمسيس الثانى وتحتمس الثالث.
ويشير محمود إلى ارتباط مصر بسوريا منذ عصر الدولة الأموية، حيث كانت الشام مقر الخلافة، ومصر ولاية تابعة لها، ثم عندما كانت مصر مقرا للخلافة الفاطمية ثم الأيوبية والمملوكية، فكانت مصر وسوريا دولة واحدة تقريبًا، وخلاصة أبحاثه تقول إن عمارة سوريا تفوقت على العمارة المصرية فى الطراز الأيوبى للبناء، بينما تفوقت مصر فى الفاطمى، وإن جمعتهما مفردات العمارة المملوكية والعثمانية.
تاريخيًا تزخر سوريا بالآثار والعمارة التى تعود إلى عصر ماقبل التاريخ «العصر الحجرى» حيث وجدت أدوات حجرية سكاكين وسهام، من المستخدمة فى ذلك العصر، فى مناطق متعددة من التلال الأثرية فى صحراء تدمر بوسط سوريا، ثم مرحلة الحكام الحوثيين، ثم العصر الرومانى والبيزنطى،  الذى تأثر فيه الفن السورى بزخرفة الفسيفياء.
فى تدمر: مسرح ومعابد وأعمدة تذكارية وأبراج للمقابر
يرجع تاريخ تدمر التى تقع فى محافظة حمص إلى العصر الحجرى، كما خضعت للحكم الآرامى سنة 2000 ق.م، ثم الرومانى عام 64 قبل الميلاد، ودخل المسلمون تدمر على يد خالد بن الوليد فى 634 ميلادية، ثم ازدهرت أيام العهد الأموى،  لوقوعها بين قصر الحير الشرقى والحير الغربى،  اللذين بناهما الخليفة هشام بن عبدالملك.
ويتوقف د. محمود عند ما تشتهر به تدمر من آثار تعود لعدة عصور، كالمعابد مثل معبد الإله بعل، الذى يعود للعصر الأول الميلادى،  ولا تزال على إحدى جدرانه نقوش إسلامية، ومعبد نابو، ومعبد بل، والمسرح الذى يأخذ شكل نصف دائرة، تحيط به مدرجات تبقى منها 13 درجة، ومجلس الشيوخ، وهو بناء مستطيل بداخله بناء يحتوى على مدرج يشبه حدوة الحصان، وأعمدة تذكارية بنيت فى أماكن متفرقة فى المدينة، وكأنها نصب تذكارى للشخصيات البارزة التى ساهمت فى بناء المدينة.
وبالمدينة قلعة فخر الدين، التى يرجع تاريخ بنائها إلى عصر صلاح الدين الأيوبى،  وتتميز تدمر فى رأى د. محمود، بما يعرف بالمقابر البرجية، التى تأخذ شكل البرج، وتعود للقرن الثالث الميلادى،  والشارع الرئيسى الممتد من معبد بل إلى بوابة دمشق، وهو عبارة عن قوس كبير، وأعمدة متوازية  تعود إلى العصر الرومانى،  وقد دمرت داعش أجزاءً من هذه الأعمدة، أثناء المعارك التى دارت هناك فى 2016، وأرسلت اليونسكو بعثة لتقييم التدمير الذى حل بالمدينة.
قلاع الشام وحصونها الحربية
ترصد رسالة الدكتور محمود أن أزهى عصور العمارة الإسلامية فى سوريا، كان خلال العصر الزنكى -نسبة إلى نور الدين محمود زنكى- ق 6 ميلادى- والأيوبى،  خاصة العمارة الحربية كالقلاع والحصون بدرجة تفوق مثيلها فى مصر، لأن الشام كانت أكثر عرضة لحملات الصليبيين، فنجد قلاعًا كثيرة فى دمشق، وجعبر ، وصهيون، وحلب، تتميز هذه القلاع  بعمارتها الحربية الخالصة، لتظهر أكثر حصانة عن قلعة صلاح الدين بالقاهرة، فلم يخصص فيها أماكن للسكن.
أسرار المساجد السورية
 تتميز سوريا بعمارتها الدينية من مساجد ومدارس، ذات الطراز الأموى والسلجوقى والأيوبى والمملوكى والعثمانى، أقدمها «جامع مبرك الناقصة»  بمدينة بصرى، ويعود بناؤه إلى العصور الإسلامية الأولى، ويقال إن بمكانه بركت ناقة الرسول- صلى الله عليه وسلم- خلال إحدى رحلاته للشام، وبالقرب منه بيت «الراهب بحيرا» الذى تنبأ بقرب ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويشرح د. محمود مرسى،  كيف أن الجامع بنى ليكون مدرسة دينية، سميت بمدرسة «كمشتكين» نسبة لأحد أمراء السلاجقة، وتميزت عمارتها بالصحن المغطى بقبة، وهو من النماذج المبكرة لهذا الطراز.
وقد لا يعرف الكثيرون أن بسوريا مسجدين يحملان اسم الجامع الأموى، وبكل منهما مقامة لواحد من الأنبياء، الأول هو الجامع الأموى بدمشق، وهو من أكبر الجوامع الإسلامية مساحة، وهو جامع الخلافة الأموية، وبنى فى الربع الأخير من القرن الأول الهجرى، وتطورت عمارته عبر العصور، وأمر ببنائه الوليد بن عبد الملك.
ويتميز  الجامع بزخارف الفسيفساء الملونة على جدرانه، لرسوم بيوت وأنهار ونباتات، تأثرًا بالفن البيزنطى، ويحوى الجامع قبر يوحنا المعمدان «النبى يحي» الذى زاره البابا يوحنا بولس قبل سنوات قليلة، وبجوار هذا الجامع من الخارج يوجد قبر صلاح الدين الأيوبى.
أما الجامع الأموى الثانى،  فهو جامع حلب الكبير، الواقع فى حى الجلوم بحلب القديمة، التى أدرجت على قائمة مواقع التراث العالمى سنة 1986، وأصبح الجامع جزءا من التراث العالمى،  وبالجامع قبر النبى زكريا، والد يوحنا المعمدان، ويتميز بمئذنته، ذات المسقط المربع.
وفى العصر العثمانى بنيت العديد من الجوامع، مثل الخسراوية، والبهرامية والعادلية فى حلب، والدرويشية والسنانية والسليمية، نسبة لولاة أتراك فى دمشق.
زخارف وفسقيات البيوت الحلبية
فى حلب بيوت تعود للعصر العثمانى أشهرها: بيت غزالة، وهو بيت عربى بزخارف كثيرة من الداخل، تكسو جدرانه الأخشاب، وتتميز البيوت العربية بصحن أوسط مكشوف أحيانا، تتوسطه فسقية مياه، وتزرع فيه بعض المزروعات، وتتوزع حول الفناء قاعات خاصة بالاستقبال أو السكن.
واجهات البيوت فقيرة زخرفيًا تلافيًا لطمع اللصوص فى صاحب البيت أو خشية تدميرها خلال الصراعات الطائفية، لكنها من تعج بأنواع الزخارف الهندسية والنباتية الملونة من الداخل، ويحلى الجدران أبيات شعرية، والأسقف مزخرفة مذهبة، بالإضافة إلى فسقية فى الفناء، ليستمتع النساء اللاتى يقضين أغلب أوقاتهن داخل المنزل. ومدينة حلب أكثر تطورًا معماريًا عن دمشق العاصمة، وتتميز بالمبانى الحجرية، ذات المداخل المميزة بالحجر الغائر وطاقية من المقرنصات، التى ظهرت هناك فى العصر الزنكى والأيوبى،  لتنتقل إلى مصر خلال العصر المملوكى.
مدينة الحجارة السوداء
 تتميز مدينة حمص بالحجارة السوداء التى استخدمت فى كل العمائر الدينية وغيرها، وأشهر معالمها جامع خالد بن الوليد، وعمارته عثمانية تشبه عمارة محمد على فى القاهرة.
مدينة النواعير
هو الاسم الذى اشتهرت به مدينة حماة، وأهم معالمها السواقى «النواعير» وهى سواقى كبيرة للرى، ومازالت معلمًا بالمدينة، وجامع محمود زنكى.
دمشق العاصمة
وتشتهر بقلعة دمشق، والمدرسة العادلية نسبة للملك العادل أبو بكر أخو صلاح الدين، المدفون فيها، وأمامها المدرسة الظاهرية، المدفون بها الظاهر بيبرس، وبها مدرسة نور الدين محمود زنكى،  ومدفون بها أيضًا.
ومن أشهر أسواق دمشق «سوق الحامدية» نسبة للسلطان العثمانى عبدالحميد الثانى،  وهى من الأسواق المغطاة بقبو، وقد ضرب منها جزء خلال الحرب العالمية أما الباقى مازال على حاله.
تشبه أسواق دمشق أسواق العصور الوسطى،  فى أنها متخصصة، فهناك سوق الخياطين، وسوق البازاوية وسوق العطارة، وكل شارع مختص بمهنة، وتشتهر سوريا بالحمامات، التى لازال معظمها يعمل حتى الآن، وأشهرها نور الدين محمود فى دمشق القديمة.
وفى دمشق توجد أشهر وكالة أثرية «خان العظم» وهى وكالة تجارية وتقام فيها الحفلات والسهرات.•