الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أنت شمس حياتى

أنت شمس حياتى
أنت شمس حياتى


بطل القصة كان مرشدًا سياحيًا، أتقن ثلاث لغات تعلمها فى مدرسة خاصة مع قراءة عامة للآثار المصرية فى وقت لم تكن فيه هذه الدراسة فى كلية متخصصة.. بطلة القصة سائحة من بلاد الشمال الأوروبى.. جاءت مصر هربًا من ثلوج بلادها لتتمتع بشمس الشرق الدافئة. لم تكن أول سائحة أجنبية تقع فى غرامه.. فله حكايات كثيرة مع السائحات، حتى أصبح مشهورًا فى بلاد العالم الباردة.
كانت مغامراته تنتهى بانتهاء زيارة السائحة.. ربما كانت ترسل له خطابًا أو اثنين ويرد عليها بكلمات مكررة، وغالبا تستهل المرأة خطابها بعبارة: افتقدت شمس بلادك.. فيرد عليها بكلمات: أنت شمس حياتى تعالى لتضيئ حياتى المظلمة.
عادت إلى مصر وجعلت حياته حقيقة مظلمة.. ربما لأنها كانت مهندسة زراعية لم تجد لعملها مجالاً فى أرض مغطاة بالثلوج معظم أيام السنة، فأرادت أن تعيش فى بلد زراعى دافئ وتعمل بمهنتها.
وربما لأن الرجل اقترب من العمر الخمسينى ولم تعجبه بنات مصر بعد اختلاطه بالأجنبيات.. فقد انقاد لامرأة الشمال وارتبط بها بالزواج.. لكنه لم يكن ارتباطًا عاديا كما يحدث بين البشر العاديين.. لقد ارتبط بها كما يربط حمار فى وتد!
ولأنها كانت حاصلة على دكتوراة وهو لم يحصل على شهادة عالية، فقد كان مقتنعا بكل آرائها.. حتى نوع طعامه.. وشرابه وملابسه.. كل شىء تقوله مهما كان غير معقول أو تافهًا يعتبره علميا متحضرا.. وقد أقنعته أن يترك عمله الحكومى ويبيع سيارته ويشترى قطعة أرض من تلك الأراضى الرخيصة التى لا تصلح للزراعة، وأنها بعلمها ومهارتها ستصلحها، وستجرى الحكومة وراءه ترجوه أن يسمح لزوجته أن تصلح لهم بقية الأراضى البور وسيصبح ثريًا بعبقريتها هى!
أقام مع زوجته كوخا على تلك الأرض الجرداء واشترى مضخة لرفع المياه التى اتضح فيما بعد أنها مملحة بدرجة عالية.
لا نريد أن ندخل فى تفاصيل زراعية يفهمها العامل الزراعى الفلاح أكثر من المهندسة الأجنبية، فقد كان العمال يشرحون للرجل أن ما تفعله زوجته لا يصلح لأرضنا ولتلك الأرض بالذات.. لكن كان ينهرهم فكلامها علمى لا يفهمونه ولا هو أيضا يفهمه!
لا نريد أن ندخل فى تفاصيل عدة سنوات من حياة هذا الرجل التى أصبحت راكدة بلا أمل مثل تلك الأرض البائرة.. لقد أصبحت زوجته الأجنبية هى كل معارفه وأصدقائه، هى جريدته ومذياعه وتليفزيونه.. لقد انقطع عن العالم إلا من عدة أيام كل شهر يذهب إلى العاصمة ليقابل الأصدقاء وليشترى تموين طعامهما. وكان يتظاهر أمامهم بنجاح مشروع زوجته.. وهو لا يدرى كيف يخرج من تلك المشكلة.
وحقيقة أن الحكومة تجرى وراءه كما تنبأت زوجته، لكن للمطالبة بديونه لها.. أما زوجته فقد وجدت مخرجا لفشلها بسبب هروب العمال الزراعيين.. وأخيرا تركت الأرض.. بل تركت مصر كلها!
شعر الرجل براحة عظيمة لم يهتم بخسارته فى الأرض التى لن يشتريها أحد.. ولم يرحب به كمرشد سياحى فى الشركات السياحية لأن كثيرا من الشباب الدارسين لهذه المهنة يعملون بها الآن.. وقال الرجل لنفسه مواسيا: هذا أفضل.. حتى لا يقابل سائحات أجنبيات وينزلق لسانه بالترحيب بهن ويقول لواحدة منهن إنها شمس حياته.•