الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

اللى يقول لمراته يا هانم

اللى يقول لمراته يا هانم
اللى يقول لمراته يا هانم


 أغرب ما قالته لى صديقتى أن أسلوب الإدارة بعملها يشبه أسلوب تربية الكلاب.. حيث يقوم المدرب بتجويع كلابه، ليضمن وجودهم حوله.. فيطمئن لطاعتهم فى تنفيذ ما يريد، ويقرر أى منهم كان أكثر تذللا وطاعة.. فيعطيه طعاما أكثر! أما هى،  فلم تكن يوما من القطيع، بل كان مديرها لا يريدها، لأنها ببساطة لم تحقق توقعاته، فلم تبدِ يوما غباء أمامه لترضى غروره، ولم تُظهر أى استعداد للتنازل عن قيّمها ليرضى عنها!
  فمنحها راتبا حقيرا لعلها تغضب وتذهب، وجعلها تعمل -منفردة- من دون فريق عمل ليتهمها بالبطء وعدم الإنتاج.. لعلها تذهب، مثلما أهمل تسكين قطاعها فى الهيكل الإدارى لئلا يكون لها وجود.. لعلها تفهم رسالته وتذهب! فسألتُها كيف استمرتْ هكذا؟ وكيف وافق مجلس الإدارة على ذلك؟

مجلس الإدارة
ابتسمتْ صديقتى ببعض الألم، وقالتْ: السِكينة كانت سارقانى.. مأخوذة بعلاقاتى مع أسرة العمل، فبرغم كل شيء.. قاطعتُها وقلتُ: أنتِ تصرين على روعة وأمانة أصدقائك ولكنى أعتقد أن شخصية الإنسان لا تتجزأ، فأنا أرى زملاءكِ مجموعة أشخاص خائبين أو خائفين أو مستفيدين.. وربما جميع هذه الصفات معا، فأية تنمية مجتمعية تقومون بها وأنتم مقهورون؟ ولا تستطيعون الوقوف أمام الفساد الذى يحكمكم؟
ابتسمتْ صديقتى ببعض الشجن قائلة: لا تكونى قاسية، فالحياة ليست مثالية هكذا! تركتنى أدافع عن رأيى،  ثم روتْ لى كيف اضطرت للرحيل حينما فتحتْ الإدارة وظيفتها أثناء قيامها بعملها! أفندم؟ سألتُها.
فاستطردتْ: فجأة حل علينا برنامج الهيكلة والإصلاح الأوروبى مسبوقا بسمعته الطيبة فى آسيا وأفريقيا وبعض البلدان العربية، بعدما فرضته علينا بعض الجهات التمويلية الأجنبية كشرط أساسى للاستمرار فى تمويل برامجنا، فقامتْ الإدارة بتكليف فريق عمل يمثل جميع قطاعات الجمعية للتعامل مع البرنامج، ولم تخترنى لقطاع العلاقات العامة الذى أديره!
سألتُها عن السبب، فأجابتْ: كانت الإدارة تتصور أن إدارة وميزانية الهيكلة والإصلاح ستكون بين يديها، فاختارتْ الأشخاص القريبين منها، والذين تعتقد أنهم سيكونون عيونها ولسان الدفاع عنها.. وليس مهما أن  تخصصاتهم لا تناسب المهام التى سيقومون من خلالها بخطة الخواجات فى الإصلاح!
قاطعتُها: OK موقف مديرك مفهوم لاستبعادك، ولكن.. ألم يلحظ مجلس الإدارة غيابك عن الفريق؟ فمسئول العلاقات العامة لا يكون نكرة فى أى مكان!
ابتسمتْ ساخرة وأجابتنى: تَجاهلْ المجلس كل شيء بحجة أن الإدارة التنفيذية تعرف أكثر،  ثم استطرَدَتْ قائلة: إن أعضاء مجالس إدارات الجمعيات شرفيون ياسيدتى.. وفى الجمعيات الكبيرة تكون سلطة الإدارة التنفيذية أقوى منهم.. بل هى التى تختارهم وتحدد مصيرهم فى الفوز والخسارة بعضوية المجلس، رغم أنهم الذين يقومون برسم السياسات العامة للجمعيات!
متعجبة سألتُها: حتى لو كانوا لا يفقهون شيئا عن إدارة الجمعيات وكيفية تسييرها؟ فلا عجب -إذن- أن يقوم أعضاء المجلس بإرضاء ومجاراة الإدارة التنفيذية! لكن- ولايزال القول لي- لا تقنعينى أن الأمور كلها «شرفية».. ابحثى عن المصالح المشتركة! وبهدوء أجابتنى: بعض الزملاء يرددون كلامك، بل يؤكدون أن المجلس يستفيد بشكل أو آخر، رغم علمى بنزاهة معظم من تعاملتُ معهم، وتأكُدى من صدق رغبتهم فى الخدمة والعطاء! يييييه.. قلتُ لصديقتى وأنا أنكز كتفها: بَطَلى حُسن النية بأه.. الناس بيسموها خيبة الزمن ده! ضَحِكَتْ من كلماتى وهى تقول: ذكرينى أن أخبرك كم أصبحتِ شريرة!
 اللى يقول لمراته يا عورة
لاحظتُ أنها عادتْ للتدخين بشراهة، وهى تقول: لم تكن علاقتى على ما يرام مع فريق الهيكلة والإصلاح، ورغم أننى أحب التعامل مع الخواجات لبساطتهم وصراحتهم، فإن هذا الفريق كان متعاليا، وبدا كما لو كان قادما بخطة سرية مسبقة لمساعدتنا فى تحسين أوضاع العمل!
قاطعتُها: طبيعى جدا، ما داموا أجروا تقييما شاملا، فبالتأكيد اكتشفوا الفساد الذى لا يتمرد عليه أحد منكم بالجمعية.. فجاءوا بالحل الذى أعتقد أنكم تعرفونه ولكنكم لا تجرؤون على الاعتراف به!
تجاهلتْ صديقتى ملحوظتى،  وأكملتْ: بعد عامين من تخطيط الخواجات مع الزملاء الذين اختارهم مديرى لتمثيل القطاع الذى أقوده.. فجأة سمح لى بالمشاركة فى إحدى ورش العمل التى كانت خبيرة العلاقات العامة بفريق الهيكلة تديرها، وكانت الصدمة حينما قدمتُ لها نفسى كمسئولة العلاقات العامة، ففوجئتُ بها تضع كفها على صدرها، وهى -بخطوة للوراء- تسألنى متعجبة: مسئولة العلاقات العامة؟ ابتسمتْ صديقتى واستطرَدَتْ ساخرة: فى اليوم الثانى فوجئت بالخبيرة الأجنبية تصفنى بأننى كثيرة الشكوى! ثم عرفتُ أنها سألتْ مديرى عنى،  وكان هذا رده ورأيه!
تعجبتُ من وصف مديرها بأنها كثيرة الشكوى، فصديقتى هذه معروفة بأنها قليلة الكلام، وهادئة، ومتفكرة! فضحِكتْ وقالتْ: الأكيد أننى تغيرتُ وأصبحتُ أقول رأيى وأنتقدُ ما يستحق النقد! ولكن الغريب هو تفسير مديرى للنقد على أنه شكوى وتذمر وتمرد! والمثير أنه يشوه سمعتى - حتى بين الخواجات- بمثل هذه الأقاويل.
فسرتْ صديقتى وجهة نظرها واختتمتها قائلة: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، مال وسلطة ونساء!
فقاطعتُها بابتسامة تطمع فى المزيد من التفاصيل، وأخبرتُها: كلام كبير ياصديقتى.. ولكنكِ تفهمين اللعبة؛ فمديرك لم يختركِ من البداية، أى أنه لا يعترف بكِ، وفريق العمل الذى اختاره للتعاون مع الخواجات غير متخصص، وينقصه مسئول ليديره، فطَمِعَتْ خبيرة العلاقات ببرنامج الهيكلة فى تولى إدارة برنامجِك بنفسها، لتجمع بين راتبى الخبيرة ومسئولة القطاع! فكان من الطبيعى أن يقابل اقتراحها -كخبيرة- بالموافقة على فتح وظيفتك حتى وأنتِ تمارسين عملك!
كانت تنصتْ لى بهدوء ثم قالتْ: وهكذا طالتْ عدوى الفساد الخواجات! بين رضا مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على التضحية بى.. كرشوة لبرنامج الهيكلة، مقابل أن يقوم أعضاؤه بدور الوسيط بينهم وبين الممولين!  ثم ببعض الانفعال صرختْ قائلة: ولكن الخواجات لم يجروا لى تقييما ليعرفوا إن كنت أصلح للدور أم لا!
وبنفس الانفعال قلتُ لها: إنها جمعيتكِ التى ساهمتْ فى قيامهم بالطمع فى عملِك، فلماذا تلومينهم؟ هل نسيتِ مثلنا العبقرى: «اللى يقول لمراته يا هانم يرفعوها على السلالم، واللى يقولها يا عورة يلعبوا بيها الكورة»؟  هكذا الحال بين المدير وموظفيه أيضا!
لم يعجبنى امتداد صراعها إلى الخواجات،  وحذرتها من السمعة  السيئة التى قد تصيبها، فقالت: معكِ حق.. قادة الجمعية هم الذين جعلوا الخواجات يلعبون بنا الكرة! منذ تركوهم يضعون خطتهم الإصلاحية بناء على ما سمحوا لهم برؤيته! ولكن هل تعرفين ما الطريف فى الأمر.. سألتنى صديقتى وأجابتْ: بدأت إدارة جمعيتى تستمع لآرائى منذ بدأ هذا الصراع! وطلبوا منى كتابة تقرير بآرائى،  فكتبتُ تقييما كاملا وتوصيات كان أهمها ضرورة وجود خبير مصرى يقود الخواجات للتعامل مع ثقافتنا بحسب عاداتنا وتقاليدنا المصرية.
هل استقر  حال العمل، وتحققت أهداف برنامج الهيكلة؟ سأعرف من صديقتي!