مخططات إخوان ليبيا و«الملتقى الوطنى الجامع»

جمال طه
خالد المشرى رئيس المجلس الأعلى للدولة فى ليبيا، القيادى بحزب «العدالة والبناء»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، أعلن استقالته من التنظيم.. سيناريو لا ينبع من الرغبة فى القفز من مركب شارف على الغرق، بقدر ما يعكس التزامًا بأجندة مكرورة، يتبعها الإخوان عادة، طبقها عبد المنعم أبوالفتوح، وكمال الهلباوى، وآخرون، للتحايل على الرأى العام، وخداعه، عندما تنحسر شعبية الجماعة، وتصبح فرصة فوز مرشحيها فى الانتخابات محدودة.. هى عملية توزيع للأدوار داخل التنظيم، بما يضمن كسب أصوات المعارضين، والاحتفاظ بتأييد المنشقين.
قرار المشرى يرتبط بالتاريخ الذى حدده غسان سلامة المبعوث الدولى لليبيا لعقد «الملتقى الوطنى الجامع»، خلال فبراير 2019، بهدف تحقيق المصالحة، وإنهاء الصراع السياسى فى البلاد، ووضع خارطة طريق لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.. المشرى يستعد ليكون مرشح الإخوان المتوارى خلف «النقاب»، للانتخابات الرئاسية المستهدف إجراؤها سبتمبر المقبل، ضمن خطة متعددة البدائل والمراحل لإحكام السيطرة على ليبيا.. الساحة الغربية لأمن مصر القومى.
حملة الإخوان المضادة
الإخوان يتحركون فى ليبيا بالتنسيق مع تركيا وقطر، تقديرهم للموقف الراهن أكد أن نجاح «الملتقى» فى التوصل إلى مصالحة بين الليبيين يساعد على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لاستعادة مؤسسات الدولة الشرعية، فى وقت هو الأسوأ، بالنسبة للجماعة، لإجراء أى ترتيبات سياسية تتعلق بنظام الحكم، نظرًا لتدنى شعبيتها إلى حد لم تبلغه من قبل، بسبب الغضب الشعبى عليها، وتحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع الاجتماعية والأمنية منذ سيطرتها على مفاصل الدولة فى 2011، والتورط فى أعمال العنف، بدءًا من أحداث «فجر ليبيا» بطرابلس، ثم تقديم الدعم غير المحدود للتنظيمات الإرهابية وخاصة مجلس شورى مجاهدى درنة، ومجلس شورى ثوار بنغازى، لذلك فإنهم يسعون لتأجيل الانتخابات بأية وسيلة لكسب الوقت وإعادة تنظيم صفوفهم وإعداد مشروع سياسى جديد وتقديم وجوه سياسية جديدة قد يكون لها حظ فى إكتساب ثقة الناخبين.
من حيث المبدأ يتحفظ الإخوان على خارطة الطريق الأممية، بما تتضمنه من عقد «الملتقى» وإجراء الانتخابات خلال العام الجارى، مما يفسر حملة التشكيك، التى توَّجها هجوم «الصادق الغريانى» المفتى المعزول، الذى وصف «الملتقى» بأنه «سيقود البلاد إلى المجهول «، تنفيذًا للمخطط القطرى والتركى الساعى لإثارة الفوضى كوسيلة لتأجيله.. حتى الصراعات المسلحة التى تنشب بين ميليشياتهم المسلحة داخل طرابلس تندرج ضمن هذا المخطط الفوضوى بهدف إجهاض «الملتقى».. عناصر الإخوان داخل المجلس الأعلى للدولة تتمسك بإجراء الاستفتاء على الدستور أولًا، قبل الانتقال إلى الانتخابات، وهو خيار يعنى تأجيل طويل للانتخابات التشريعية والرئاسية، بسبب الخلافات حول مشروع الدستور، والطعن عليه من قبل بعض أعضاء هيئة الدستور نفسها، وبعض أعضاء البرلمان، الذى أقر قانون الاستفتاء على الدستور حتى لا يتعلل أحد بموقفه، لكن إجراء الاستفتاء يعتبر تسرعًا، ويفرض قيودًا على مستقبل ليبيا المستقرة، لأن هناك أمورًا تفرض تعديلات دستورية بمجرد أن تحسمها الدولة، أبسطها توحيد المؤسسة العسكرية والتوافق على العلم والنشيد وموضوع الجنسية، وكلها أمور لم تحسم بعد، وربما تحتاج لفترة ليست بالقصيرة، مما يفرض استكمال إدارة المرحلة الراهنة بالإعلان الدستورى، وترك أمر الدستور للنظام السياسى القادم.
الدعم بالأسلحة والأموال
انتشار السلاح فى إيدى الجماعات والأفراد يعتبر أهم أدوات إثارة الفوضى داخل الدولة، مما يفسر كثافة محاولات تهريب شحنات كبيرة من الأسلحة التركية إلى ليبيا، خفر السواحل اليونانى وصف السفينة التى تم ضبطها فى يناير 2018 وعليها شحنة من المواد المتفجرة والأسلحة والذخائر متجهة من تركيا إلى الشواطئ الليبية لدعم محاولات الجماعات المتطرفة إثارة الفوضى والاضطرابات، بأنها عبارة عن «قنبلة متحركة».. جمارك ميناء الخمس البحرى شرقى طرابلس العاصمة ضبطت فى ديسمبر 2018 سفينة تركية عليها شحنة مواد غذائية، مخبأ داخلها كمية من الأسلحة تتضمن نحو 3 آلاف مسدس تركى الصنع «zoraki» عيار 9 ملم، و400 بندقية قنص، وقرابة أربعة ملايين طلقة.. جهاز الجمارك فى ميناء «مصراتة» البحرى ضبط شحنة من الأسلحة فى 8 يناير 2019 كانت على متن باخرة قادمة من تركيا، وجد داخل حاوية واحدة منها 20.000 مسدس و556 صندوق سلاح.. الإخوان يسيطرون على البنك المركزى الليبى فى طرابلس، من خلال القيادات التى تمتلك صلاحية الموافقة على القرارات، والتستر على التحويلات النقدية، وفتح اعتمادات وهمية.. لذلك يلعب البنك دورًا بالغ الخطورة فى توجيه الأموال للإخوان، والجماعات المتطرفة، وزعماء الميليشيات المسلحة، وهو الذى قام بتمويل محاولاتهم للسيطرة على موانىء النفط.. قطر وتركيا يقومان بتنفيذ مخطط شامل لإعادة تأجيج الفوضى من جديد، وتعميق الخلافات بين الشرق والغرب، واستنزافهما بإشعال الجنوب، حتى تعود حكومة الوفاق للاعتماد على الميليشيات، وتستعيد جماعة الإخوان قدرتها على العمل.
الانتخابات البلدية
جماعة الإخوان تعطى أولوية خاصة للانتخابات البلدية، اكتسحت انتخابات المجلس البلدى فى «الزاوية»، وتستعد لخوض الانتخابات فى كل البلديات بدعم من إيطاليا وبعض الدول الغربية، وهى لا تستند إلى شعبيتها، وإنما تستغل الإحجام الواسع عن المشاركة.. قادة الكتائب والميليشيات المسلحة يسعون أيضًا لتقنين سيطرتهم على مفاصل مؤسسات الدولة بالعاصمة طرابلس وبعض مدن الغرب الليبى عبر الانتخابات البلدية.. اللجنة المركزية لتنظيم انتخابات المجالس البلدية قامت منتصف ديسمبر الماضى بفتح الباب لمراجعة سجلات الناخبين فى 76 بلدية انتهت مدة ولايتها القانونية منذ يونيو 2018.. لو استمرت مستويات المشاركة المتدنية، فى الترشح والانتخاب، فسوف تكون البلديات رأس الحربة لجماعة الإخوان لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، بالغة الأهمية.
إجراءات السلطات الليبية
السلطات الليبية فى الشرق، فرضت حظرًا على استخدام الطائرات التركية للمجال الجوى الليبى، ووضعت رقابة مشددة على سفنها التى تحاول دخول الموانىء الليبية.. حكومة الوفاق فى طرابلس العاصمة أدركت أخيرًا طبيعة التحالف بين الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة» من خلال جناحها السياسى «حزب الوطن» الذى يترأسه عبد الحكيم بالحاج، الهارب إلى تركيا، مما يفسر صدور مذكرة النائب العام باعتقاله و36 آخرين من قادة الميليشيات الليبيين والأجانب، بتهمة الهجوم على موانئ التصدير بمنطقة الهلال النفطى على الساحل الأوسط، وقاعدة تمنهنت العسكرية بالجنوب.. مجلس النواب يجتمع قريبًا لمناقشة مشروع قانون لتجريم وحظر نشاط جماعة الإخوان فى ليبيا، وذلك بناء على عريضة وقعها 20 نائبًا، استندوا فيها إلى تورُّط التنظيم فى دعم الإرهاب ببنغازى ودرنة ماديًا وسياسيًا وإعلاميًا، وأنه «يقود حربًا على الوطن والمواطن»، وأشارت العريضة إلى إنقلابه على الشرعية وقيادته للحرب على الأمة عندما خسر انتخابات 2014.
•••
فكرة «الملتقى الوطنى الجامع»، المقرر أن تعقد أولى جلساته بتونس خلال فبراير الجارى، ثم يستكمل أعماله بالداخل الليبى، بدأت جيدة من الناحية النظرية؛ لأنه يضم 140 من الممثلين عن كافة القطاعات المؤثرة بالدولة «شيوخ القبائل وأعيانها، أنصار النظام الملكى ونظام القذافى والنظام الفيدرالى، اتحاد العمال، الطلاب والشباب، الجيش الوطنى، قوات حكومة الوفاق، قوة البنيان المرصوص...»، وقصد به أن يكون ملتقى حوار، لتحقيق المصالحة الوطنية، وألا يكون بديلًا عن الكيانات التشريعية القائمة، ولكن عندما تم وضع النظام الأساسى تم توسيع اختصاصاته إلى حد تضمن المادة 12 «أن من مهامه اختيار مجلس رئاسى مؤقت، وتشكيل حكومة مؤقتة، وكذلك اختيار قيادة عسكرية مؤقتة، ويكون المؤتمر الجامع هو السلطة التشريعية إلى حين انتخاب سلطة تشريعية جديدة»!!، هذه الصلاحيات تتجاوز فى الواقع قدرات أعضائه، ولن يتسنى تنفيذ ما يصدر عنهم من قرارات على الأرض.. مباحثات الصخيرات عجزت عن دمج «برلمان» طبرق، و«مؤتمر» طرابلس فأقرت بجناحين للسلطة التشريعية «البرلمان، والمجلس الأعلى للدولة».. ست جولات من مباحثات العسكريين فى اجتماعات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بالقاهرة لم تتوصل حتى الآن لصيغة مقبولة من الطرفين.. فكيف نتصور أن ينجح «الملتقى» فى اختيار قيادة عسكرية مؤقتة، وأن يلغى الكيانات التشريعية القائمة؟!.. للأسف، النظام الأساسى يتضمن ألغامًا قد تنفجر ذاتيًا، دون حاجة لتدخلات خارجية.. ليون المبعوث الدولى السابق سعى لتحقيق التسوية استنادًا لاتفاق الصخيرات ففشل، سلامة المبعوث الحالى رأى الذهاب إلى «الملتقى»، ولم يقنع بأن يكون ساحة لمصالحة حقيقية بين الأشقاء، وحاول أن يُحلِّق بعيدًا.. فهل يلقى نفس المصير؟!.•