الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«قعدة فضفضة» تهزم المرض

«قعدة فضفضة» تهزم المرض
«قعدة فضفضة» تهزم المرض


«الفضفضة» هى أكثر ما يريح القلب ويهدئ من وقع المصيبة على روح الإنسان خاصة إذا كانت الفضفضة متعلقة بوصف مشاعر مرتبكة عن مرض لعين مثل سرطان الثدى، حيث تحاول أغلب المصابات بهذا المرض إخفاء مشاعرهن ومخاوفهن بعد الإصابة، حتى عن أقرب الأشخاص لديهن، خوفا عليهم من مشاعر الحزن والقلق.
 جلسات الحكى، أو كما تحب أن تصفها مريضات سرطان الثدى البسطاء «قعدة فضفضة» هى أكثر ما يخفف عليهن مشاعر الحزن والغضب التى تحاول السيطرة عليها أمام أهلهن وأصدقائهن، لتكون الجلسة الأسبوعية هى الملجأ الوحيد لتفريغ الطاقة السلبية من بكاء وبوح بمشاعر سلبية ومخاوف، بالاستماع لقصص وتجارب ناجحة من متعافيات تعطيهن دفعة أمل لاستكمال الحياة الصعبة مع مرض لعين يضعف الجسد ويشتت الروح.
سحر محمود السيدة الأربعينة المكافحة، استطاعت أن تعبر ببناتها الخمس إلى بر الأمان بعد سفر والدهن للعمل فى إحدى دول الخليج وعودته إلى مصر خلال فترة قصيرة، بعد أن سرقت أمواله واكتشافه الإصابة بسرطان الكلى ثم وفاته بعدها مباشرة، اكتشفت هى الأخرى إصابتها بسرطان الثدى الالتهابى وفى مرحلة متقدمة.
«لازم أكون قوية قدام بناتى ويكونوا متأكدين إنى كويسة وهقدر أعيش معاهم سنين كتير، لكن إنى أمثل إنى كويسة ده فوق طاقتى وده بيخلينى أخرج عن شعورى وأتعصب على زبائن ورشة الخياطة اللى بشتغل فيها، وأحيانًا على البنات كمان، لحد ما عرفت بالصدفة بعد جلسة العلاج الكيماوى أن مستشفى بهية بتعمل جلسات حكى يومين فى الأسبوع وقررت أحضر».
سحر : «الحكى خلانى أطلع الخنقة اللى كنت بداريها ولقيت دعم وطبطبة كنت محتاجاهم فى الوقت ده بالذات»
جلسة الحكى هى مصدر الحياة لمريضات سرطان الثدى، كما تصفها سحر، وتحكى عن أول جلسة حضرتها قائلة: «اللى خلانى أحضر الجلسة دى هو إنى كنت مخنوقة ومش عايزة أروح للبنات وأنا فى الحالة دى، فقررت أعرف بيعملوا إيه فى الجلسات دى، ودخلت وسمعت حكاوى، منها اللى شجعنى أكمل علاج خصوصًا إنى كنت بفكر معملش العملية بعد الكيماوى، ومنها اللى خلانى أقول الحمد لله أنا فى نعمة، لكن لما جه الدور على عشان أتكلم كل اللى قدرت أعمله إنى أعيط وأطلع الخنقة اللى كنت بداريها قدام بناتى، ولقيت وقتها كمية دعم وطبطة كنت محتاجهم فى الوقت ده بالذات».
لم تتحسن حالة سحر الصحية كثيرًا لكن حالتها النفسية ومعاملتها مع بناتها هى التى تغيرت، بفضل جلسة الحكى الأسبوعية التى تحرص على حضورها، واستطاعت أيضًا أن تكون صداقات كثيرة.
غادة: «بعد التعافى أصبحت مسئوليتى بث روح الأمل فى نفس المريضات»
جلسات الحكى ليست عشوائية فتتكون من قائد للحكى فى الأغلب تكون من المتعافيات اللاتى استطعن أن يهزمن المرض، وغيرهن من المريضات أو المتعافيات، تقول غادة صلاح جاد «متعافية تقود جلسات حكى فى المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدى»  إنها منذ أن علمت بإصابتها بهذا المرض فى 2009 وهى تحرص على حضور جلسات الحكى التى تنظمها المؤسسة لكنها فى البداية كانت ترفض الإفصاح عن تفاصيل إصابتها وحياتها الشخصية والمشاكل التى تواجهها فى مراحل العلاج، إلى أن اعتادت على أجواء الجلسات الحكى ووجدت نفسها فى الجلسة الخامسة تحكى تفاصيل عن حياتها منذ طفولتها وغيرها من الأمور الخصوصية التى كانت مدفونة فى بئر أسرارها.
استمرت غادة فى حضور جلسات الحكى طوال فترة علاجها، وكانت تنقل للمريضات فى جلسات الحكى أخبار العلاج وأوجاعه، حتى جاءت ذات يوم وبشرتهن بشفائها التام من هذا المرض، ورغم تعافيها ووصولها للشفاء التام لم تتخلَّ عن الجلسات التى كانت مصدر قوتها وإلهامها لتتخطى مساوئ العلاج الكيميائى، وتقبل شكلها بعد تساقط شعرها بأكمله، وفيما بعد أصبحت تقود بنفسها جلسات الحكى.. تصف غادة الفرق بين مشاعرها وهى مريضة عن مشاعرها وهى متعافية تقود جلسة حكى قائلة: «وأنا مريضة كنت بحضر جلسة الحكى عشان آخد دفعات لاستكمال العلاج وتحمل متاعبه، لكن وأنا متعافية أصبح على عاقتى مسئولية بث روح الأمل والتفاؤل فى نفس المريضات من خلال تجربتى وتجارب المتعافيات الأخريات».
بنات «ماجدة» جذبنها للخروج من الدائرة الرهيبة
لم تكن للسيدة التى أوشكت على الاقتراب من العقد السادس من عمرها أن تتخيل أنها ستصاب بهذا المرض، الذى اقتحم حياتها دون أى سابق إنذار لتجد نفسها مع أسرتها الصغيرة فى عيادات أطباء الأورام، وتبدأ رحلة علاج لا تعلم إلى أين ستنتهى بها، ولكن كانت جلسات الحكى مصدرًا جديدًا لحياة مختلفة خالية من مسئوليات المطبخ والبيت والأحفاد.
وكان قرار حضور جلسات الحكى ليس بناء على رغبة من ماجدة حسام التى لم تخرج من بيتها منذ زواجها منذ أكثر من 30 عامًا سوى لزيارات الأقارب والرحلات العائلية للمصيف كل عام، لكن كان بعد إلحاح كبير من بناتها اللاتى قررن أن يقدمن لها الدعم النفسى ويحاولن إخراجها من دائرة الاكتئاب، والشعور باقتراب الموت مع كل زيارة للدكتور، وبالفعل كان اختيار البنات فى محله وأتت جلسات الحكى بثمارها فى رحلة علاج الأم التى لم تنتهِ بعد.