الأحد 8 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بنات الصعيد: ونجحنا أهو فى القاهرة

بنات الصعيد: ونجحنا أهو فى القاهرة
بنات الصعيد: ونجحنا أهو فى القاهرة


كتبت: أبانوب نبيل
قرار الاستقلال عن  العائلة  ومواجهة أعباء الحياة، يعد من القرارات المصيرية الصعبة فى بداية الحياة العملية لكل منا، ويزيد من صعوبة هذا القرار، عندما يكون الاستقلال خارج الوطن أو فى محافظة أخرى، ويكون بالطبع أكثر صعوبة وقسوة بالنسبة للفتيات، لما تواجهه الفتاة المغتربة من صعوبات اجتماعية فى العيش بمفردها.

«صباح الخير» ترصد تجارب فتيات، عشن تجربة الاستقلال والغربة بعيدًا عن الأهل وشعارهن «النجاح أو العودة المؤلمة».
«عائلتى كانت عائقًا أمام  وصولى لهدفى فقررت الاستقلال عنهم»،  بهذه الجملة استهلت كريستين كيرلس البالغة من العمر 28 عامًا توصيف حالتها موضحة أنها مكثت مع عائلتها 4 سنوات، فى محافظة المنيا بعد الانتهاء من الدراسة فى كلية الآداب قسم إعلام جامعة المنيا.
 وقالت: إن السنوات الضائعة التى أمضتها بين أحضان عائلتها لم تتقدم فيها خطوة واحدة، بسبب اقتناع أسرتها أن مهنة الإخراج السينمائى التى  تسعى إليها مهنة غير مناسبة للبنت، وغير مناسبة للبيئة التى تعيش فيها.
تمسك كريستين بهدفها منذ أن أنهت دراستها دفع أسرتها إلى الإسراع بخطبتها التى استمرت لفترة ثم تم فسخ الخطبة لعدم التوافق والتفاهم بينها وبين خطيبها، وكان انتهاء الخطبة بمثابة خروج من السجن الذى فُرض عليها، فاتخذت قرار السير نحو هدفها والنجاح فى مجال الإخراج السينمائى  ومن هنا أتى قرار الاستقلال والسفرإلى القاهرة.
«سنة أولى الاستقلال»
واجهت كريستين العديد من المشكلات بمجرد وصولها إلى القاهرة، أولها الوصول إلى شقة للسكن، حيث واجهت رفضًا من مالكى الوحدات السكنية لتسكينها وحدها كفتاة مغتربة، ولكن فى النهاية قبل أحد ملاك الشقق ولكن بإيجار مرتفع، لكن خلال تنمية قدراتها فى مجال الإخراج السينمائى وتعرفت على فتيات فى مجال عملها لمشاركتها فى السكن..  تجربة الحياة مع بنات لا تعرفهن، قربت المسافات بين كريستين والفتيات اللاتى شاركنها فى السكن، إعداد الطعام معًا، المشاركة اليومية فى الصوم وفرحة الأعياد الإسلامية والقبطية معا.
تغيرموقف الأسرة
 استمرت كريستين فى مشوار النجاح فى مجال الإخراج التليفزيونى والسينمائى،  وخاضت تجربة إخراج حلقات لبرنامج تليفزيونى وكان هذا بمثابة نقطة تحول فى تغيرموقف الأسرة منها، فنالت الكثير من التشجيع من أفراد أسرتها، لافتة إلى أنها فخورة بما وصلت إليه ولم تشعرأبدًا بالندم تجاه قراراستقلالها، كما تتمنى أن يكون لديها أبناء موهوبون فى المستقبل منهم الممثل والمخرج والعازف ولن تقف عائقًا أمام طموحهم.
أصعب اللحظات
«الاستقلال سلاح ذو حدين، إما أن تسعى لتحقيق هدفك فى النجاح أو تتمرد فتظل تائهًا» تقول شيرين غليوم من مركز ملوى بمحافظة المنيا، التى تبلغ 25 عامًا، إنها بدأت رحلتها فى تحقيق ذاتها بمجرد حصولها على بكالوريوس علوم من جامعة المنيا بتقديرعام جيد جدًا مع مرتبة الشرف، حيث تشاورت مع أسرتها فى قرار استقلالها  عن  المنزل للعمل واستكمال الدراسات العليا ، ولم تندم على هذا الحوار الأسرى، لتفهم والدتها مدى تمسك ابنتها بهدفها والسعى لتحقيق ذاتها بالرغم من كونها الابنة الوحيدة لوالديها، وهم فى مكانة اجتماعية مرموقة ولا حاجة لها للعمل من أجل المال.
أضافت شيرين: «بدأت مشوار استقلالى بالسفر إلى القاهرة، وقضيت العام الأول فى منزل خالتى،  أثناء استكمال دراستى والبحث عن عمل فى مجال تخصصى، ووجدت فرصة عمل فى أحد المعامل وأنهيت تحضير بعض الدراسات، ثم قررت أن يكون لى سكنى الخاص التابع لإحدى الكنائس».. وتكمل: «بدأت فى تحمل المسئولية بالسعى للتفوق فى دراستى والتقدم والنجاح فى عملى، وتعلمت تدبير أمورى المالية والموازنة ما بين مشترياتى ودخلى الشهرى وبهذا اعتمدت كليًا على نفسى لأننى كنت أجد الأمر محرجًا عندما أطلب المساهة المالية من أسرتى رغم استقلالى عنهم».
وقالت شيرين: «أصعب اللحظات التى مررت بها عندما سمعت صوت والدتى وهى فى شوق ولهفة لرؤيتى، وكادت لهفتها أن تضعف إرادتى وأقررالعودة، إلا أن والدتى كانت تصر على أن أكمل مسيرة نجاحى وكانت تقوينى وتساندنى فى تخطى الكثير من ضغوط الحياة والعمل، وللحق فإن دور والدتى فى تقويمى وتقبل لغة الحوار، كان بداية لنجاحى وكانت اليد التى  تساندنى فى طريق كفاحى».
مطربة تنتظر الشهرة
«استقلالى كان تمردًا على العنف وإصرارًا على استغلال موهبتى فى الغناء»، بهذه العبارة التوصيفية الموجزة بدأت أميرة سيد «24 عامًا» فى سرد حكايتها قائلة إنها كانت تعيش حياة هادئة طبيعية فى إحدى قرى محافظة سوهاج، حتى تحول مجرى حياتها إلى حياة صاخبة مليئة بالنزاعات مع أسرتها وأهلها وبعض أهالى قريتها.
وترجع أميرة بذاكرتها للوراء قائلة: «اكتشفت موهبتى فى  الغناء، أثناء حضورى إحدى الندوات الجامعية، وتعرفت على فتاة نصحتنى  بتنمية موهبتى الغنائية، وعندما عرضت الفكرة على الأسرة كان رد الفعل صدمة، فتعرضت للسب والضرب الشديد لأننا نعيش فى قرية تنظر إلى الغناء على أنه لايناسب البنات، ومنعنى الأهل من استكمال دراستى بكلية التجارة وأجبرونى على الارتباط بشخص تمت خطبتى له، لأتراجع عن فكرة الغناء، ولكنى لم أحتمل هذه المعاملة القاسية، فقررت الهروب إلى القاهرة عند صديقتى التى دعمتنى وشجعتني  على تنمية موهبتى وأصبحت فى نظرأسرتى كأنى توفيت».
ترتسم على وجهها علامات أسى وحزن شديد وتقول: «تنازلت عن علاقتى بأسرتى فى مقابل استقلالى وتنمية موهبتى، وعملت جليسة أطفال لكى أستطيع تدبير أمورى المادية بجوار عملى ببعض المسارح والفرق الموسيقية الصغيرة،  ورغم أن العمل بمثل هذه المسارح لم يكن يوفرلى الدخل الكافى فإنني وجدت فيه نفسى وذاتى.
عشت لا أرى أهلى لفترة طويلة، وعندما أخبرتنى  إحدى صديقاتى فى القرية كانت على تواصل  معى أن والدى تم نقله إلى المستشفى وفى حالة حرجة جدًا، أسرعت بالذهاب لرؤيته وعند وصولى إلى المستشفى انهال أخواتى علىّ ضربًا وطردونى وقالوا لى لقد قلنا لأهل القرية إنك مع الأموات».. أنهت أميرة حكايتها المحزنة قائلة بأسى: «دفعت ضريبة كبيرة جدا وأصبحت منبوذة من الجميع، وحرم علىّ رؤية والدى، ولم يتبق لى غير صوتى وطموحى فى المجد والشهرة لكى أثبت لأهلى  أن  تضحيتى كانت تستحق».
المعيدة المثالية تدفع ثمن النجاح  
رغم أنها ليست من الصعيد، لكنها أيضا تغربت من أجل أن تحقق ذاتها، ترى أمينة موسى «25 عامًا» معيدة بأكاديمية الشروق: «النجاح فى تحقيق الذات يتطلب الكثير من التضحيات للوصول  للهدف، فقد ولدت بإحدى قرى محافظة المنوفية، وبعد الثانوية التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وكسرت عادات وتقاليد القرية بالتغرب لإكمال دراستى الجامعية..  وعاصرت أمينة أحداثًا كثيرة أثناء ثورة 25 يناير وهى بعيدة عن أهلها، لكنها تحملت الظروف الصعبة، وحولتها إلى إيجابية واستخدمتها فى تبادل الثقافات، وتنمية قدرتها على التواصل الاجتماعى  وتوسيع دائرة معرفتها.
وبعد حصولها على بكالوريوس الإعلام، قررت أن تسلك طريقها إلى النجاح والاستقلال وإكمال الدراسات العليا بجامعة القاهرة، ودار نقاش بينها وبين والدها الذى اعترض فى أول الأمر، بسبب حبه وخوفه الشديد عليها ورغبته فى أن تظل معه، لكنها نجحت فى النهاية فى إقناعه أن تستقل وتكمل الدراسات العليا بالقاهرة.
تقول:  أقمت فى البداية عند إحدى صديقاتى بعد معاناة فى البحث عن سكن آمن وقريب من الجامعة، وسرعان ما انتهت المعاناة بتوفر سكن للطالبات، لكن بدأت معاناة جديدة، فكنت أشارك الغرفة مع طالبات لم أستطع التفاهم معهن، وتحملت من أجل تحقيق حلمى حتى تم تعيينى معيدة بكلية الإعلام بأكاديمية الشروق، ولم أتوقف عند هذه النقطة بل أكملت سلسلة الدراسات العليا، وتم تكريمى بعد حصولى على لقب المعيدة المثالية، وأنهيت تحضير بعض الرسائل العلمية  فى عدد من المجالات. وقالت  أمينة إنها تزور أسرتها كل شهربسبب ضيق الوقت ما بين العمل وتحضير الدراسات، لكن عند عودتها ترى فى أعين أسرتها الفخر، لما وصلت إليه «أرى أن شريك حياتى وزوجى فى المستقبل يجب أن يتقبل طبيعة عملى وحبى للنجاح ويساعدنى عليه لذلك رفضت أحدهم عندما تقدم لخطبتى وطلب تنازلى عن عملى ولم أتقبل ذلك». •