بنات الأتيليه.. برضه بنحلم بالفستان الأبيض

شيماء قنصوة
مع كل عروس تساعدها فى ارتداء فستان الزفاف يتولد فى ذهن إيمان العديد من الأسئلة التى تعجز عن الإجابة عنها، كيف سيكون فستان زفافى؟ هل سيستطيع خطيبى دفع سعر الإيجار؟ هل سأختار ما أريد أم ستختار لى الميزانية؟ وغيرها من الأسئلة التى لا إجابة لها فى ذهن إيمان حسن التى اختارت أن تعمل فى واحد من أتيليهات شارع بطرس غالى بمنطقة روكسى.
عشرات الفتيات يترددن يومياً على الأتيليه بحثاً عن فستان ليلة العمر، منهن من تجد ما تريد ومنهن من تخرج خائبة الأمل وتحمل هم اللف والتدوير من جديد، وفى الحالتين تشفق إيمان عليهن وعلى نفسها معهن، فالأولى فى أغلب الأحيان لا تشعر بالارتياح بعد الاستقرار على الفستان لأن بعدها سيكون هناك خلاف بينها وبين شريك حياتها بسبب السعر الذى لن يقل عن 5000 آلاف جنيه، وستكون أمام خيارين إما أن تبحث عن فستان غيره أو تستعين بوالدتها أو حماتها للفصال مع صاحب الأتيليه لتقليل سعر الفستان، أما الثانية فهى مثلها تماماً لا تعرف ماذا تريد وأين ستجد فستان أحلامها، وقد تكون مثلها لا تعلم كيف ستواجه خطيبها بأسعار فساتين الزفاف.
«إيمان»:كان نفسى أشوف دموع الفرح فى عيون أمى.
مواقف لا تعد ولا تحصى تعيشها الفتاة العشرينية مع العرائس منذ أن قررت أن تعمل فى أتيليهات فساتين الزفاف منذ 4 سنوات، فبين دموع الفرحة التى تراها فى أعين أم العروس عند رؤية ابنتها كالأميرات فى فستان الزفاف، تشفق على حالها وتتذكر والدتها التى غادرت الحياة منذ كانت فى المرحلة الإعدادية وتفتقد الكثير من المشاعر التى لن تعيشها معها، ومع ضحكات العروس مع صديقتها بعد البروفة الأخيرة للفستان والتقاطهن الصور التذكارية لتوثيق هذه اللحظات تشعر بالوحدة، فهى بلا صديقة مقربة ولا أخت، لكنها تجد نفسها فى واحدة فقط، هى التى تستعطف خطيبها ليدفع ثمن إيجار الفستان الذى اختارته وتحاول أن تدبر معه ثمن الإيجار أو تصل لاتفاق مُرضٍ مع صاحب الأتيليه فى أن يخفض ثمن الإيجار لأقصى مبلغ ممكن بشرط أن يرتدى الفستان غيرها العشرات من العرائس.
ابنة حى الزاوية الحمراء الشعبى تعيش قصصًا يومية تمر بعضها عليها مرور الكرام، وبعضها ترى نفسها فيها، أما التى تعلق فى ذهنها فهى القصص التى لا تتكرر إلا مرة أو مرتين على الأكثر فى العام، وتتمثل هذه القصة فى «فركشة الجوازة»، فهناك بعض العرائس ترجع إلى الأتيليه قبل موعد استلام الفستان ووجها ملىء بالهموم وكأن الحياة قررت أن تبدل فرحتها بالفستان الأبيض إلى مأتم سترتدى فيه الأسود حتى تسترد وعيها، وتكون زيارتها للأتيليه من أجل استرداد عربون حجز الفستان الذى حلمت به سنوات طويلة وبذلت مجهودًا كبيرًا فى رحلتها للبحث عنه.
سنة واحدة تفصل إيمان عن ارتداء فستان الزفاف ومازالت لا تعرف من أين ستشتريه وكيف ستقنع خطيبها الموظف البسيط أن يدفع مبلغًا يعادل مبلغ أنتريه عش الزوجية من أجل فستان زفاف سترتديه لعدة ساعات ولن يبقى لها منه إلا مجموعة من الصور التذكارية.
مارينا: لم أصدق أن يهدينى صاحب المحل هذا الفستان
حبها للخياطة والتطريز جعلها تختار العمل فى الأتيليهات منذ كان عمرها 13 عاماً، فبعد أن استقرت مارينا ماجد فى القاهرة مع أسرتها اختارت أن تعمل فى مجال الخياطة والتطريز، وبدأت ذلك فى ورشة ترزى فساتين سواريه فى منطقة حدائق القبة بمبلغ 80 جنيهاً فى الشهر، وعلى الرغم من كبر المبلغ وقتها فإن الخبرة التى اكتسبتها من هذه التجربة كانت أكبر بكثير.
تعلمت مارينا فى ورشة عم محمد البيومى جميع أشكال الغرز وطريقة التعامل مع كل نوع من أنواع الأقمشة، وكذلك الإبر والخرز؛ جعلها متمكنة من عملها وقادرة على العمل فى أتيليهات فساتين الزفاف، وكفاءة لا غنى عنها فى أتيليهات عباس العقاد، فعلى الرغم من صغر سنها فإنها ماهرة فى تحويل فستان الزفاف من أسوأ حالة إلى أشيك وأرقى فستان زفاف بلمساتها السحرية المتمكنة، أى ينطبق عليها المثل الشعبى الغريب «تصنع من الفسيخ شربات».
تجارب مارينا مع عرائس الأتيليه تختلف كثيراً عن غيرها من الفتيات اللاتى تعملن فى أتيليهات غيرها، فصاحب الأتيليه السورى يحرص على اختيار مجموعة من فساتين الزفاف التركية المستوردة ويضع لها أرقاماً خيالية للإيجار لا تقل عن 13 ألف جنيه، وقد تتجاوز 25 ألفًا، أما فى حالة الشراء فالوضع مختلف تماماً فقد يتجاوز السعر 50 ألف جنيه، مما يجعل زبائن الأتيليه فئة معينة فى المجتمع لا يهمها إلا الفستان الأنيق مهما كان سعره، وتكون أكبر مشاكل العروس وشريكها هو تغيير شكل تطريز الفستان.
لم تكن لمارينا أن تصدق أنها ستزف لعريسها يوم فرحها بواحد من هذه الفساتين الغالية والتى لم تفكر يوماً فى ارتدائها، لكن حب صاحب المحل لها جعله يختار بنفسه فستان الزفاف الذى يليق بها ليكون هدية عرسها، فكما تقول مارينا: السوريون أكثر شعب يهتم بالذوقيات والإنسانيات فى التعامل.
على الرغم من أن الفستان تم استئجاره أكثر من مرة فإنه ما زال أنيقاً وراقياً، لكن مارينا أرادت أن تعدل فى التطريز لتشعر بأنها هى أول من ارتدت الفستان، وبالفعل ذهبت إلى الأماكن التى تبيع مستلزمات الخياطة وقامت بشراء إكسسوارات جديدة من أجل الفستان.
ثلاثة أيام فقط احتاجتها مارينا ووالدتها لإعادة بناء الفستان من جديد، وبالفعل أصبح فستاناً غير الذى أعطاه لها صاحب المحل، وكانت فى يوم زفافها كالملكة بفضل الحظ الذى دفعها للعمل فى هذا المحل ويكون فستانها هدية منه بفضل مهارتها وإبداعها فى الخياطة والتطريز. •