الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المفكر والمؤلف د. طارق حجى .. سؤالى للأقباط: تريدون بطريركا أم رئيس دولة للمسيحيين؟

المفكر والمؤلف  د. طارق حجى .. سؤالى للأقباط:  تريدون بطريركا أم رئيس دولة للمسيحيين؟
المفكر والمؤلف د. طارق حجى .. سؤالى للأقباط: تريدون بطريركا أم رئيس دولة للمسيحيين؟


يصعب تعريفه.. على قدر سهولته، فحينما حاورتُ دكتور طارق حجى اكتشفتُ أن سر تميزه، واتساع شهرته ودائرة معجبيه فى مصر والعالم يعود لانفتاح آفاقه كموسوعة ثقافية وعلمية، واتساع دائرة اهتماماته ومعارفه السياسية، والفنية، والتاريخية، وأيضا الاجتماعية والثقافية. بالإضافة لكل ذلك.. تغلب لباقته فى الحوار، وحسه الإنسانى الرقيق الذى يجعله لا يلتفت لتفاهات الأمور، ليحقق حلمه بمجتمع راق يليق بتاريخ وطنه الذى يدافع عنه بطريقته.
التقيتُ به فى مكتبه الأنيق بالقاهرة الجديدة، ودار بيننا حوار إنسانى جدًا عن النشأة والزمان المكان.. والمرأة والأقباط، والتاريخ والثقافة والفن.. بين الماضى والحاضر والمستقبل.
بدأ تعريف نفسه قائلا: دائمًا ما كنت أريد الجمع بين هوايتى وعملى، مؤكدا أنه ولحد بعيد عملت هذا بشكل نسبى، حيث ترتبط جميع هواياتى بالكتابة والفنون، بل قضيتُ أكثر من نصف حياتى أخدم هذين المجالين، ولكن هذا لم يمنع أننى كنت رئيسا لشركة بترول أجنبية، كنت أنتظر بعد هذه المرحلة العودة للعمل بهوايتى، وهو ما يريده معظم الناس، ولكن الحياة أقسى من أن تجعل هوايات كل الناس مهنتهم.
وحول دور الأسرة فى نشأته، قال: أنا مُنتج لأسرة مترابطة جدًا، والدى مهندس بترول، وأمى ربة منزل. وأنا الطفل الثانى بين أربعة أطفال، نشأنا فى بورسعيد، وكانت أختى الأكبر أشطرنا دراسيًا حيث التحقت بكلية الهندسة، ثم فى وقت معين أجبرها المجتمع الذكورى على البقاء فى البيت، ونفس الشىء حدث مع أختى الأخرى التى هى توأم مع شقيقى الأصغر، والاثنان التحقا بكلية التجارة. والابن الثانى كثيرا ما يكون له وضع خاص بين الأبناء- كما يقول علم النفس- وغالبا ما يلقى العناية الأقل؛ فيريد دائما أن يثبت أنه مثل الطفل الأول فى ذكائه، وحيث كنتُ أعيش مع أبى فى رأس غارب بالبحر الأحمر، فأعتقد أننى كنت مشروعه الخاص، لأننى الوحيد الذى كنت متواجدًا معه طوال الوقت، فأعطانى كل الاهتمام الذى كان يصعب أن يعطيه لأربعة أطفال.
أنا صناعة والدى
• وهل اقترابك من الوالد كان سر تميزكم؟
- أعتقد هذا، فأنا لحد بعيد جدًا صناعة والدى الذى كان معنيًا بأن يجعل ابنه يعمل كل شىء على أحسن وجه، ولا أنسى منذ كنت فى الصف الرابع الابتدائى حينما اخُتِرتُ لقراءة الأخبار وإلقاء كلمة فى ميكروفون المدرسة، فناقش والدى الأمر معى كأنها شغلته، واقترح أن أُلقى الكلمة عن عبدالكريم قاسم فى العراق، وقتها، وجلس معى يُحفِظنى ما يجب أن أقوله وكيف تكون الخاتمة، مُحذرًا إياى من استخدام ورقة أثناء القراءة، ومنذ ذلك الوقت تعلمتُ ألا ألقى محاضرة أبدًا من ورقة، حيث زرع فى عقلى قيمة فكرة الارتجال، التى أدركت تأثيره فى مخاطبة الناس، بينما لا أحد يعرف من كتب الورقة التى تقرأ محتواها، بالإضافة لفقد التواصل مع الناس.
 أما أمى، يستطرد د. طارق، فكانت تحبْ القراءة، وقدمتْ لى سنة ١٩٦٥ كتاب عودة الروح لتوفيق الحكيم، فأحببته لأنه كان مكتوبًا بلغة سلسة على الحدود بين العامية والفصحى، وكانت النتيجة أننى فى اليوم الثانى قمتُ بشراء كتابيه شهرزاد وأهل الكهف..  أى أنها أحسنت الاختيار حينما اختارتْ الحكيم، لأنها لو قدمت لى وقتها طه حسين أو العقاد -مثلا- لما أحببتُ القراءة، فأمى هى التى وضعتنى على الطريق الصحيح. ما يعنى أن دور الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والجامع والكنيسة، والمعبد هى الأعمدة الرئيسية فى تكوين الإنسان.
لستُ ابن الطبقة الأرستقراطية
• تملأ الدنيا بكتبكم التى بلغت ١٨ كتابًا باللغة العربية، وبعض الكتب بالإنجليزية وغيرهما، وتتسابق البرامج التليفزيونية المحلية والعالمية لمعرفة رأيكم فى كثير من القضايا، فهل لو كنت ابن الطبقة المتوسطة لاختلف تأثيرك المجتمعى؟
ـ اعترض د. طارق على تصنيفى له - فى سياق الحديث - كأحد أبناء الطبقة الأرستقراطية، مؤكدا أن تعريف علم الاجتماع واضح جدا فى هذا الشأن، حيث كل من يعيش من عمله أو جزء من عمله هو ابن الطبقة الوسطى وكل من يعيش من مصادر أخرى هو ابن الطبقة الارستقراطية مثل فؤاد سراج الدين الذى كان يمتلك أراض وممتلكات ولم يعمل أبدا، وكانت وظيفة وزير هى أولى وظائفه.
 وأنا- يستطرد د. طارق- ابن مهندس كان يعيش من عمله فينطبق علىّ تصنيف الطبقة الوسطى التى تنقسم بعينها إلى الطبقة الوسطى العليا التى أعتقد أننى أنتمى إليها، والطبقة الوسطى الوسطى، والوسطى الدُنيا. ويمكن القول إن توفيق الحكيم كان ينتمى للطبقة العليا حيث كانت أمه تمتلك ١٠٠٠ فدان، وسافر للخارج ليتعلم، أما نجيب محفوظ، فبحسب التعريف يمكن تصنيفه على أنه ابن الطبقة الوسطى الوسطى، لأنه كان ابن رجل ميسور الحال يمتلك ٥ محال تجارية.. من العباسية أصلا قبلما ينتقل إلى منطقة الحسين.
وبحسب سؤالِك، نعم إن الثقافة تؤثر على طبيعة مشاركة الإنسان وعطائه فى المجتمع، فأنا - مثلا - أتردد على الأوپرا منذ الستينيات، وأختار نوعًا معينًا من الكتب والموسيقى.. ولو كنت نشأتُ فى قرية – مثلا- لاختلف الأمر، وهذا ليس فضلا منى كما أنه ليس ذنب الآخر؛ ففى جيلى، غالبا مَنْ أحب الموسيقى السيمفونية هم أبناء الطبقة الوسطى العليا، أما أبناء الطبقة الوسطى- الوسطى فاقتصر ذوقهم على أم كلثوم وعبدالوهاب. إذن هناك علاقة بين الثقافة والبيئة، لأن الثقافة مكون رئيسى فى حياة الإنسان وبيئته هى التى تجعله إما قابلا للتعلم أو غير قابل للتعلم.. حتى يصبح هو نفسه – فى النهاية - منتجًا ثقافيًا يعبر عن تلك البيئة ورؤيته لنفسه. فكم أتعجب حينما أرى معظم الأطباء الذين يسافرون أوروبا لا يعودون إلا بزوجة ممرضة، وكأن هذا مستواهم، وأنهم لا يستحقون زوجة بدرجة علمية أعلى!
بطريرك أم رئيس دولة الأقباط؟
• ولكن يؤخذ عليك اهتمامك بقضايا الأقباط والمرأة فى وطنك رغم أنك تعيش نصف العام تقريبا فى إنجلترا؟
ـ بحزم يقول: لأن المسيحى المصرى لا يختلف عن المسلم المصرى، فعلى سبيل المثال، أى ظن أن المسيحى المصرى غير محافظ كالمسلم المصرى، هو خطأ! ففى البداية كنت أتصور أن المسيحيين غير عنيفين كشخصية المسيح، ثم قابلت بعض المسيحيين من بلدان عربية أخرى، فتأكدتُ أن المصرى سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا هو شخص غير عنيف بطبيعته!
أما اهتمامى بالمرأة.. فهو لأنها صانعة المجتمع الذى نحياه، فالنساء كأمهات – يجيب د. طارق- هى التى تعلم الذكور منظومة القيم التى تشكل استمرار المجتمع الذكورى الذى يضرب المجتمع كله فى الصميم حينما يعود ثانية إليهن من خلال العنف الذى يمارسه الرجال حينما يصبحون فى أدوار عامة بالمجتمع، مثل أدوار رجال الدين.. الذين علمنا التاريخ أن معظمهم كانوا خصوما لقضيتى المرأة والأقليات بالتحديد!
• ولكنك تدافع عن تلك القضايا، وتخسر أجهزة الإعلام فى وطنك؟
- يبتسم د. طارق قائلا: نعم، عندك حق، فمنذ عام ٢٠١١ قمتُ بالمشاركة فى حوالى ١٥٠ حوارا تليفزيونيًا، بينما عدد الحوارات التى لم أشارك فيها كان أكبر بكثير! لأنه دائما ما يقال لى رجاء لا تتحدث عن تجديد الخطاب الدينى، ولا ما يحدث -مثلا- فى المنيا، فأرفض! لأن قضيتى الفكرية الأولى هى تقدم مصر، أى أن تصبح مصر مجتمعًا حديثًا، وأكبر مقياس لاقترابنا أو ابتعادنا عن التقدم كمجتمع هو المرأة وكيف ننظر لها، وحقوقها وواجباتها، كذلك الأقليات الدينية.. فكلما كان للإنسان موقف متشدد ضدهما كلما كان بعيدًا عن العصر وثقافة العصر، فنقطة البداية عندى ليست المرأة ولا المسيحيين، وإنما هو التقدم الذى لا يمكن أن يحدث فى مجتمع نصفه معطل عمليًا، وربعه الآخر محاصر عقائديًا.
• ولكنك بمفهوم البعض لا تقدم مناصرة للدين!
 وببعض التعجب: بالعكس، المواطنة التى تحكم بين المصرى والدولة باسم الدستور هى المناصرة للدين، لأنها تقول للمواطن ما له وما عليه. أما أن أنكر المشكلة وأتصرف مثل وسائل الإعلام التى تتجاهل الأحداث، فهذا ليس مناصرة للدين! فهل اضطهادى للقبطى مناصرة لدينى؟ بالعكس، فمن المؤكد أن تصرفات بعض المسلمين تسىء لصورة الإسلام أكثر مما أساء للإسلام أعداؤه! وبدلا من أن نقول إن هناك خارجين عن القانون والإنسانية ننخرط فى التبرير لهم! بينما مناصرة الدين هى أن نجعله صورة إنسانية راقية مقبولة، كما كانت موجودة منذ حوالى ٧٥ سنة.. أيام سعد زغلول.. ولنقرأ التاريخ!
• وعلى ذكر التاريخ، هل يمكن القول إن تاريخ مصر مزور كما يردد البعض؟
- يقول د. طارق: عندى مشكلة مع كلمة مزور لأنها تحمل نوايا إجرامية، ولكن يمكننا القول إنه مُسيّس! أى أن الذى كتب عن محمد على وإسماعيل بعد ثورة ١٩٥٢ كان بلا شك لا يتوخى الحقيقة خدمة للسياسة القائمة وقتها، ونستطيع أن نطبق هذا على أمور عديدة، مثل سعد زغلول الذى أُعطى حجما صغيرا فى عهد عبدالناصر، ثم شن السادات عن طريق أعوانه حملة غير مباشرة على عبدالناصر. وحتى هذه اللحظة فإن هناك كتابات متباينة جدًا عن محطات رئيسية فى تاريخنا قبل ١٩٥٢ حيث هناك من يراها ثورة وهناك من يراها مؤامرة أمريكية! كما أن هناك ضبابية بين علاقة الضباط الأحرار والإخوان، وأسباب تعاون السادات مع الجماعات الدينية، وأظن أن سياسة مبارك فى التعامل مع الإخوان كانت غير واضحة، ولكن من المؤكد أن الواقع سمح لهم أن يكونوا القوة الوحيدة لاستلام السلطة سنة ٢٠١٢.. وبالتالى فإن تسييس كتابة التاريخ أمر مؤكد بالنسبة لى، ونتائجه سلبية جدا على الشخصية المصرية فيما يخص الانتماء والإحساس بقيمة الهوية!
• وكانت النتيجة سقوط الشعب المصرى فى براثن التشدد الدينى.. فماذا بعد؟
 وببعض التأمل يجيبنى د. طارق: لست متفائلا بأمر القضاء على التشدد الدينى، ليس فقط عند المتشددين الإسلاميين، ولكنى أتعجب من بعض الانقسامات الصادمة الغريبة على روح الكنيسة المصرية، بين بعض من عينوا أنفسهم مجموعة الإيمان الصحيح التابعين للأنبا فلان وبين مجموعة أبناء البابا تواضروس الذى - بالمناسبة - تعرفت عليه منذ ٣ سنوات، وهو والله العظيم شخصية مثالية ولكنه يواجه ظروفا صعبة تتمثل فى هذه الانقسامات، مما يجعلنى أسأل الأقباط: هل تريدون بطريركًا أم رئيسًا للمسيحيين؟ ومن ناحيته، أعتقد أن البابا تواضروس يشعر بالسعادة لتواصله مع الرئيس.•
لم ينته الحوار.. بعد