السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أهلا بالحياة .. والتواصل الافتراضى!!

أهلا بالحياة  .. والتواصل الافتراضى!!
أهلا بالحياة .. والتواصل الافتراضى!!


ما يلفت الأنظار فى الفترة الأخيرة أن الأخبار والمتابعات الإعلامية الخاصة بالإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعى صارت تسيطر وتهيمن على المشهد الأمريكى الواشنطنى  بما جلبت من مواجهات سياسية ومصادمات إعلامية ومن جدل محتدم ومستمر حول خطوط الخصوصية وتبعات التوغل والتغول الفيسبوكى والجوجلى فى حياتنا اليومية ـ أينما كنا طالما كانت فى أيدينا الهواتف الذكية!!.
ولا شك أن هذه الوسائل أو الوسائط التى أدمنها مئات الملايين من البشر تلعب دورًا مهمًا وأساسيًا فى تقرير مسار اختياراتهم ومصير قراراتهم ـ إما سلبًا وإما إيجابًا. وفى الغالب سلبًا، لذا يتوجب الحذر والتعامل بحكمة مع ما نعيشه من تواصل اجتماعى افتراضى صرنا نسعى إليه وفى أحيان كثيرة نتباهى به.
أهلا بحياتنا الجديدة  والمتجددة  مهما  كانت اعتراضاتنا على كثرة التغيير وسرعته، أليس هذا ما هللنا له من قبل على أساس أنه التقدم نحو الأفضل والأجمل والأسرع!! وما قد يتمناه المرء فى هذه الحالة أنه مثلما تتم الاستعانة بالأدوات والمنتجات والصرعات التكنولوجية الحديثة واستيرادها والحصول عليها فى أقرب فرصة ممكنة علينا أيضا أن نهتم من حين لحين بالنقاش الدائر والقائم والمستمر حول تداعيات وجود هذه الصرعات فى حياة البشر وتأثيرها على علاقاتهم الإنسانية ـ الشخصية والأسرية والمجتمعية،  أذكر هذا وأنا أعرف أن الغالبية من أهل الإعلام فى مصر والعالم العربى وفى مناطق أخرى تتعامل مع تطورات التقدم التكنولوجى ومع أحداث وأفكار العالم الخارجى بشكل عام بمفهوم استهلاكى بحت وبمنطق أنها غرائب وعجائب، وأحيانا بطريقة صدق ولا تصدق وهات يا نميمة وفضائح، ومن ثم يتم غالبا تفادى الأفكار الجادة المثارة على الساحة والنقاش الحيوى الدائر حول هذا التقدم. أو التعامل مع القضية برمتها بمفهوم تكثيف المراقبة ووضع القيود وحجب المواقع وإلغاء الوسائط.
الكاتب الصحفى الأمريكى بريت ستيفنز وهو يتأمل هذا التوحش والتغول التكنولوجى المعلوماتى فى حياتنا كتب مؤخرًا فى صحيفة «نيويورك تايمز» أن السبب وراء ما نشعر به بأن التكنولوجيا غالبًا تحبطنا كما أنها تخون ما تعاهدنا معها وهو أنها تعدنا دائما بأنها سوف تجعل أمورًا عديدة سهلة فى حين أن هذه الأمور بطبيعتها صعبة، ولكى يوضح الكاتب ما يعنى من هذه الحالة النفسية والعقلية التى وصلنا إليها بسبب التطور الإنترنتى يكتب أن إطلاق التغريدات أى التويتات سهل إلا أن التمكن من فنون الحوار والمشاركة فى جدل عاقل صعب. كما أن إرسال التكست سهل إلا أن كتابة رسالة مطولة صعب، وإذا كان البحث عبر جوجل سهلًا فإن البحث فى المكتبة والمراجع صعب،  ثم يضيف أن يكون لديك آلاف الأصدقاء على الفيسبوك أمر سهل، أما الحفاظ على صداقة ستة أو سبعة من الأصدقاء المقربين إليك لسنوات عديدة لهو صعب، كما أن إبداء إعجابك عبر تطبيق تيندر (المستخدم لإقامة العلاقات) سهل إلا أن إيجاد الحبيب أو الحبيبة والإبقاء على الحب لهو أمر صعب بلا شك.
إن الحالة النفسية العقلية والفيسبوكية التويترية التى صرنا نعيشها ونشتكى منها صارت واقعنا الجديد بحلوه ومره. خطاب البذاءة والحقارة والكراهية بالطبع مرفوض دائما شكلًا ومضمونًا وصورًا وأفلامًا وأيضا كتوجه. ويجيب التذكير أن منطق النعامة فى دفن رأسها لا ينفع أبدا مع هذه الظاهرة.. وعلى الجميع الاستفادة من تجارب الآخرين والاستعانة بها إذا لزم الأمر ذلك.. المعرفة والتجربة الإنسانية لا تعرف الحدود ولا تعترف بها.
التمسك بالحياة.. والتفنن فيها
ما أثار صدمة علماء النفس والاجتماع أن معدل الانتحار فى الولايات المتحدة قد زاد بنسبة ١٨ فى المائة منذ عام ٢٠٠٠، أى خلال الـ١٨ سنة الماضية، والصدمة كانت مفاجئة للغاية لأن الأرقام تكشف أيضا أن معدل الانتحار عالميا قد انخفض فى نفس الفترة الزمنية ـ منذ عام ٢٠٠٠ حتى الآن بنسبة ٢٩ فى المائة، مجلة «أيكونوميست» البريطانية اهتمت بدلائل هذه الأرقام وتفاصيلها ورأت فى التوجه العالمى دليلًا واضحًا وصريحًا للبقاء والتمسك بالحياة،  كما أن المجلة وهى تتحدث عن التوجه الأمريكى الصادم والمقلق بهذا الخصوص ذكرت أن هذه الزيادة حدثت غالبا لدى الرجال البيض وهم فى منتصف أعمارهم وهؤلاء الرجال لم يحصلوا على التعليم العالى ويعيشون فى أماكن تم إهمالها فى السنوات الأخيرة بسبب ما حدث من انتعاش ونمو اقتصادى فى مناطق أخرى، وبالتالى تفاقمت المشاكل المعيشية بالنسبة لهم.. وهم كما هو معروف وجدوا ـ أو تعشموا فى دونالد ترامب وتأييده كرئيس لأمريكا الحل الأمثل للخروج من مشاكلهم.
ولا شك أن انتحار شخصيات شهيرة مثل الممثل روبن ويليامز دق جرس الإنذار لأسباب حدوث الانتحار.. والالتفاتة لما قد لا يعرفه البعض عن أعز أصدقائهم أو عن أفراد من عائلتهم، وفى كل الأحوال طرح الأمور على الملأ وتسليط الأضواء عليها كما يقال يكسر قيود الصمت والخجل والخوف والحيرة لدى هؤلاء الذين يقاومون يوميا  أفكار  الاستسلام للانتحار وعدم المقاومة وكل ما يسحبهم للهاوية، أن تسخيف الاهتمام بتفاصيل الحياة والاستهتار بما يعنيه المصارحة الإنسانية فى حياة البشر هو شىء لا يمكن تقبله، كما أن ما تحققه الفنون والآداب فى حياتنا لا يمكن أن توصف بالترف الثقافى والفنى فهى ضرورة لإعطاء معنى أفضل لوجودنا وقيمة أكبر لحياتنا وتساعدنا فى انتشالنا من الرمال المتحركة التى قد تحيط بنا وقد تسحبنا إلى اليأس والتشاؤم والاكتئاب.
وبينما كنت أتأمل السطور السابقة وقعت عينى على العدد الأخير من مجلة «نيويورك» المتميزة وموضوع غلافها يحمل عنوانا يشد الانتباه ـ «كيف تكون فنانًا» (بالبنط الكبير وبدون علامة استفهام) وتحته مكتوب ببنط أصغر بكثير..  «أو أن تعيش حياتك بإبداع أكثر». والموضوع المثير والشيق والذى يشغل ١١ صفحة من المجلة كتبه الناقد الفنى جيرى سالتز ـ الحائز على جائزة بوليتزر الشهيرة للنقد هذا العام.
سالتز يشرح ويبسط ويوجه وينصح بـ٣٣ طريقة أو يبين قواعد الفن الـ٣٣.. لكى تتعرف عن نفسك وفنك الذى بداخلك وتعكسه ربما بألوان وخطوط ولوحات تعيشها أنت ويراها الآخرون. هذه القواعد تشمل: لا تشعر أبدا بالحرج .. واحك حكايتك أنت وأكيد سوف تكون شيقة.. إن الفن ليس حول فهم الأشياء أو إتقانها.. إنه يعنى المحاولة والتجربة. بالمناسبة الناقد الفنى الأمريكى لا يكتفى فقط بإسداء النصيحة  فى جملة بل يفسرها ويبررها فى سطور عديدة حتى تتضح الرؤية بالنسبة لقارئ الموضوع.
وتضم هذه القواعد: انسى أنك عبقرى واجتهد فى اكتشاف قدراتك وتجويدها.. عليك أن تجد صوتك الخاص بك، وأن تكون قادرا أيضا على الاستماع للأصوات المجنونة فى دماغك.. نعم الاستماع إليها والاستمتاع بها ـ ليه لأ!!
وينصح سالتز أيضا: تعلم ودرب نفسك كيف أن تفكر كفنان وأن تنظر حولك كثيرا وأن ترى كثيرا. ما قد لا تحبه لهو أمر هام بالنسبة لك مثل ما تحبه تماما. تعلم أيضا كيف تتقبل الرفض من الآخرين وأن تتعايش معه.. وعليك أن تعادى الغيرة، فبالغيرة قد تنظر إلى الآخرين إلا أنك ستصيب نفسك بالعمى.! ويذكرنا: أن الفن طريقة وطريق لمعرفة الذات. وأن الفن ـ بكل أنواعه ذاتى دائما.. غير موضوعى أبدا.
إذن صديقى القارئ (وطبعا صديقتى القارئة) ما عليك إلا أن تبدع وتتفنن لكى تستطيع أن تقول ليس فقط بأنك تعيش.. بل أنك تحيا وتبدع أيضا!