الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«تكشف أخطاء الإدارة الحضارية للمدن»: قصة أول كمبوند فى مصر

«تكشف أخطاء الإدارة الحضارية للمدن»: قصة أول كمبوند فى مصر
«تكشف أخطاء الإدارة الحضارية للمدن»: قصة أول كمبوند فى مصر


«الكمبوند فى مصر مفهومه مختلف قليلاً عن باقى الدول الأخرى خاصة فى أوروبا وأمريكا، التى تتبع نظرية التخطيط العمرانى المعتمدة على فصل الاستخدامات السكنية عن الاستخدامات التجارية، بحيث تكون مناطق السكن معزولة وبعيدة عن مناطق البيع والشراء والمناطق الإدارية للحكومة أو للقطاع الخاص» يشرح الدكتور محمد أبو سمرة الخبير السابق ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية «هابيتات».
فى مصر الأمر مختلف قليلاً، فأول كمبوند تم تأسيسه فى مصر كان فى التسعينيات «ا. ل. ر»، ويمكن أن نقول على هذا المشروع أنه أول مدينة قطاع خاص فى مصر، وليس مجرد كمبوند بالمفهوم المصرى، لأن مساحته كانت ضخمة وكان يستهدف الطبقة المتوسطة والغنية معًا وليس الطبقة الغنية فقط كما هو الحال حاليًا.
«ا. ل. ر» استهدف تحسين مفهوم الإدارة الحضارية، وهذا المشروع تحديدًا نجح فى تحقيق هذا المفهوم، وهو ما أسس لانتشار مفهوم الكمبوند فى مصر، ولكن هذه التجربة الأولى المميزة والمختلفة لم يتم تطبيقها فى السوق مرة أخرى إلا فى مشروعات قليلة جدًا ومعدودة.
«ا. ل. ر» استطاع أن يوفر لسكانه جميع الخدمات والمرافق داخل أسوار الكمبوند، بمستوى عالٍ جدا، فكان أول من بدأ فكرة وديعة الصيانة التى يضعها كل صاحب وحدة، ليتم الإنفاق من عائدها على أعمال الصيانة للمساحات الخضراء و«اللاند سكيب» والطرق الداخلية وممرات المشاة وواجهات العمارات والفيللات.
مفهوم الإدارة الحضارية الذى نجح أول كمبوند فى تحقيقه كان يجب أن يكون هو المفهوم الذى يطبق فى جميع المدن الجديدة على الأقل، من بداية الحفاظ على مستوى المرافق وأعمال الصيانة المستمرة للحفاظ على المدينة والثورة العقارية إلى الحفاظ على المظهر الحضارى للمدينة من خلال واجهات البنايات المتشابهة الألوان والتصميم فيكون لكل حى أو منطقة طابعها المميز لها.
إلى جانب نجاحهم فى تحقيق مفهوم توفير الخدمات على مسافة السير، وهو مفهوم فى تخطيط المدن يعنى أن يستطيع أى مواطن أن يخرج سيرًا على الأقدام مسافة بسيطة ليصل إلى محل بقالة وصيدلية وباقى الخدمات الأساسية، إلى جانب أن جميع سكان المدينة يقعون على نفس المسافة من خدمات مثل المستشفى والمدرسة ومكتب البريد وغيرها، وهى جميعها خدمات متوافرة داخل أسوار الكمبوند.
بخلاف منظومة النقل التى تمكن سكان الكمبوند من الانتقال بين الخدمات بيسر وسرعة والخروج والدخول من الكمبوند بسهولة.
ولكن الذى ميز أول كمبوند فى مصر هو أنه كان يستهدف جمهورًا واسعًا من المصريين لأنه تم بناؤه ليجمع بين الشقق والفيللات، وكان يوفر مساحات مختلفة من كليهما، فاستطاع أن يخلق حالة تجانس بين سكان الكمبوند من الطبقة المتوسطة والأغنياء.
كمبوندات تخالف مبادئ الأمم المتحدة
العكس تمامًا ما يتم ترويجه الآن عن الكمبوندات الحديثة، فهى كمبوندات لا تعزز فكرة توفير الخدمات الأساسية داخل أسوارها، ولكنها تروج لتوفير الخدمات الترفيهية داخلها، لأنها تستهدف الأغنياء فقط، فتوفر الكمبوندات الجديدة ملعب جولف أو كلاب هاوس أو بحيرات صناعية، نوادى خاصة، ونادرًا ما يقدم خدمات أساسية داخل الكمبوند باستثناء بعض الكمبوندات افتتحت فروع لمدارس  دولية تستهدف أبناء الطبقة الغنية فقط.
وأول كمبوند ترفيهى للأغنياء فقط تم تأسيسه فى بداية الألفية، أى بعد حوالى 10 سنوات من تأسيس أول كمبوند خدمى فى مصر، واعتمد فى ترويجه على أنه يقدم عزلة اجتماعية للطبقات الغنية عن باقى طبقات المجتمع وأنه يوفر خدمات الأمن والحراسة بشكل أساسى وليس الخدمات الأساسية.
انطلق بعدها مفهوم الكمبوند المعتمد على العزلة الاجتماعية إلى جانب الترويج إلى أنها «مخزن قيمة منخفض المخاطر»، كباقى السوق العقارية، ولكن جمهور الكمبوندات الفارهة لا يزال حتى الآن يعتمد على أن الطبقة الغنية تسعى إلى العزلة وتميز نفسها عن باقى المجتمع.. وهو مفهوم خطير لأنه ضد مبادئ الأمم المتحدة الجديدة الخاصة بإدارة المدن والحضر بشكل عام، والذى يعتمد على الدمج الاجتماعى بين الطبقات المختلفة.
 صص وحتى على مستوى التخطيط العمرانى فإن الغرب تراجع عن نظرية عزل الخدمات عن السكن  وعزل الطبقات الغنية عن الأقل منها، وبدأ يتبنى مفهوم الاستخدامات المختلطة وهى أن يكون داخل نفس المدينة أو الحى أو الكمبوند، وحدات للطبقة المتوسطة وأخرى للأغنياء، وأن تكون مناطق الخدمات الإدارية والتجارية قريبة من المناطق السكنية، لأن هذا النموذج هو الأقدر على خلق مجتمع طبيعى يتفاعل جميع عناصره مع بعضها البعض.
ولكن التسويق حاليا مبنى على أهداف عكس التى تقرها نظريات التخطيط الحديثة وعكس المفاهيم التى تتبناها المؤسسات الأممية المعنية بالإدارة الحضارية، ولم تبدأ السوق العقارية المصرية حتى الآن بالبدء فى الانتقال إلى المفهوم الجديد للكمبوند والإدارة الحضرية.