الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سيمون التى أبهرت فاتن وسعاد وشادية

سيمون التى أبهرت فاتن وسعاد وشادية
سيمون التى أبهرت فاتن وسعاد وشادية


كتب: ولاء جمال
الفنان قيمته فيما يقدمه للناس.. الهدوء النفسى والسلام الروحى هما وسيلتا الفنان لتقديم عمله بالرقى اللازم والمناسب لجمهوره الذى يحبه.
كلمات سمعتها من الجنية.. نعم هذا ما وقع فى نفسى عندما طرقت الكلمات أذنى لأن هذا الفكر لم يعد هو السائد الآن.. هى كلمات وأصوات تصدر من بعيد من زمن ظن كثير من الناس أنه قد انقضى زمن كنا نسميه زمن الرواد أو زمن العمالقة أو زمن الفن الجميل.
طوال حياتى كنت مغرمة ولا أزال بمقابلة وإقامة حوارات مع فنانى الزمن الجميل، وذلك بالرغم من معارضة معظم زملائى وأصدقائى فى الوسط الصحفى، خوفًا من أن أتصف بكونى من الجيل القديم أو أننى غير مواكبة للحديث فى الوسط الفنى، ولكننى كنت أضرب باعتراضاتهم عرض الحائط لأننى كنت أجد نفسى فى حواراتى مع هؤلاء العمالقة الذين يفيضون فكرًا وثقافة وشعورًا متدفقًا.
أصحاب المبادئ والإحساس النقى هم نجوم حقيقيون من البشر، تشعر معهم بالسمو الروحى ورقى المشاعر والألفة.. نعم الألفة التى هى من أهم الصفات التى تشعر بها مع الفنان الحقيقى، ولا أعنى بها ألفة الشكل أو ألفة الاعتياد ولكن رؤية الإنسان الذى عرفته وأحببته من خلال عمل درامى هو كما هو لا تغير فى سلوكه أو شخصيته.
هذا الزمن الجميل ناسه (رجاله ونسائه) قد مضى وراحت الحياة تمضى بعيدًا عنه كما تحب وأحيانًا كما نحب.. وفجأة أجد أمامى جنية حقيقية تعود بى إليه تشدو بذلك اللحن الجميل الذى طالما عشقته.. إنها الفنانة دائمًا.. الاكتشاف.. الشاملة بالمعنى التام لهذه الكلمة.. إنها سيمون الفنانة المعجونة بالموهبة، فهى منذ بداية حياتها الفنية وطوال مشوارها الفنى الطويل أخذت قرار الاختلاف والتجديد فى أدوارها، ولعل هذا سبب قلة أعمالها إلى درجة أن البعض يتهمها بالتكاسل، ولكن الحقيقة أن عندها التزامًا تجاه جمهورها، وهو الأمر الأبقى والأهم فى تقديرى، وهو أن تشعر بالصدق والدأب فى شغلها أنها تدقق فيه بذكاء.. الدليل أنها عادت فى مسلسل « بين السرايات» بكسر كل القواعد التقليدية وكأنها مولودة فى حارة شعبية، وكأنها لم تغب يومًا عن الفن، كذلك فى «جراب حوا» كانت أول مرة تقدم مذيعة لدرجة أذابتنا معها.
فسيمون متألقة فى كل ما تقدمه مهما ابتعدت واختفت، فدائمًا لها مذاق خاص وأداء رفيع المستوى قوامه البساطة والصدق.
وأروع مثال لذلك هذا الدور المميز الذى لعبته فى مسلسل الكبريت الأحمر «الكارما» سيمون بإبداعها فى حلقة واحدة فاستطاعت أن تحقق حضورًا طوال أحداث المسلسل دون أن تظهر إلا فى الحلقة الـ13، إن المفارقة الطريفة أنها ضيفة شرف فى مسلسل الكارما ولكنها استطاعت أن تشد انتباه وعقول المشاهدين وأن يظل حضورها طاغيًا، بهرت الجميع بشخصية «عيشة قنديشة» الجنية المغربية تلك الأميرة التى تحولت إلى أسطورة فى المغرب.
صعوبة هذه الشخصية أنها خالية من الملامح الشكلية أو الصوتية المرعبة حتى تعبيرات وجهها والتى رآها البعض أنها كانت مرعبة لم تكن مقصودة لأن «عيشة قنديشة» ليست جنية مرعبة حتى عند المغاربة فكلمة قنديشة تعنى «كونتيسا» وهى فى الأصل أسطورة مغربية لجنية كانت شخصية حقيقية دافعت عن بلدها ضد الاحتلال البرتغالى الذى تسبب فى قتل كل عائلتها، فقررت الانتقام من جنود الاحتلال بأن تستدرجهم ليلًا إلى المستنقع وتقتلهم، فأصبحت أسطورة مخيفة فى المغرب ولكن من المفترض أنها تخيف الأشرار فقط، وليس الطيبين، لأنها تنتقم للمظلوم من الظالم.. المهم والمثير أن هذه هى المرة الأولى التى تجسد فيها شخصية عيشة قنديشة دراميًا لدرجة أن المغاربة اندهشوا من سيمون وكيف لها أن تمثل شخصية أسطورتهم المرعبة والمحبوبة فى ذات الوقت ولا تخاف؟! إلا أن سيمون توحدت مع هذه الأميرة شديدة الجمال وبدت كالقمر.
إن عبقرية سيمون من وجهة نظرى فى هذا الدور كانت فى لغة عيونها التى كانت تتكلم بها طوال الوقت فكانت البوابة السحرية لشخصية عيشة قنديشة هى عيونها الساحرة الغامضة وهذا أصعب أنواع التعبير كذلك عندما قدمت مؤخرًا مسلسل «الأب الروحى» الجزء الثانى كانت صاحبة طلة ناعمة حريرية وفى نفس الوقت استطاعت ببراعة نظراتها فى هذا المسلسل أن تحدث حالة قلق وريبة فى عدد قليل من المشاهد لم تحدثه مشاهد طويلة، إلا أن ذلك يعود لإتقان توصيل رسائل سيمون بمجرد نظرة لإحداث حالة معينة وهو بالطبع يحسب لفنانة بحجم سيمون من طراز فريد تتلمذت على يد فاتن حمامة. ولعل سحر لغة عيون سيمون هو ما يربطها كذلك بنجمات الماضى والتعبير بصدق حقيقى عن تفاصيل مشاعرهن سواء فى الحقيقة أو فى الشخصيات اللاتى لعبنها ولا أدرى تحديدًا ما سر انجذاب النجمات الأربع اللامعات إلى سيمون منذ صغرها سواء فاتن حمامة  التى أخذتها فى أول أدوارها السينمائية لتقف أمامها كابنتها فى فيلم «يوم مر ويوم حلو» وكذلك سعاد حسنى التى سُئلت ذات مرة: من يعجبك من الفنانات الجديدات؟ فقالت على الفور: سيمون فيها تلخيص لحواء وتستطيع بإيماءة صغيرة منها أن توصل المعنى كاملًا، أيضًا الفنانة شادية التى قالت عنها: إن لديها طاقات كبيرة لم تستغل بعد وهى شقية وقوية فى ذات الوقت «هذا بالإضافة إلى الفنانة إيمان التى غنى لها عبد الحليم حافظ «أنا لك على طول» قالت: «سيمون تبهرنى».
فما السر الذى اكتشفنه فى سيمون ولم يستثمره المخرجون بعد؟ كذلك أنا لا أعلم لماذا أشعر معها دائمًا بذلك الإحساس الذى ذكرناه فى بداية المقال الألفة والصدق وسحر لغة عيونها وكلماتها التى تأتى من الماضى.. ماضى النجمات اللامعات.. ماضٍ من الفن الجميل.