الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

غيرة النساء.. تكلف الدولة ملايين الجنيهات!

غيرة النساء..  تكلف الدولة ملايين الجنيهات!
غيرة النساء.. تكلف الدولة ملايين الجنيهات!


كل أذى ملموس أو تهديد بالأذى هو عنف يصاحبه عنف نفسى وشعور باحتقار الإنسان المُعنف لذاته ولمن حوله، ورغبة فى التدمير والانتقام، سواء كان العنف الذى تعرض له بدنيًا أو جنسيًا أو لفظيًا، أو نتيجة العنف العاطفى والمادى والروحى والمجتمعى،  وجميع الأنواع الأخرى كالتهديد والترهيب والإهمال والعنف الوظيفى.. والتنمر! وأخيرًا، ما يعرف بمتلازمة الاحتراق النفسى الناتج عن الأعباء التى تصاحب بعض الأشخاص فى مهن معينة، والتى قد تؤدى أحيانًا إلى الوفاة!

والمعروف أن طبيعة المرأة المرهفة تُضاعِف إحساسها النفسى بالغضب والألم إذا ما تعرضت لأحد أشكال العنف المذكورة، ولكن طبقًا لمفهوم التكلفة الاقتصادية للعنف الذى ورد فى الدراسة التى أجراها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بمصر حول «العنف ضد المرأة» - يونيو  2017، نكتشف أن الدراسة أوردت الخسارة المادية الناتجة عن ممارسة العنف ضد المرأة فى إطار العنف الزوجى فقط، وكأنه لا توجد خسارة اقتصادية نتيجة العنف المؤسسى الذى يبدأ بالعنف الأسرى - الذى لا يزال يحتفى بالذكور على البنات فيحرمهن حقوقهن- والمجتمعى،  والدراسى،  والدينى،  والمهنى حيث قيمة المرأة فى جمالها، وعمرها، وليس قدرتها على العمل والإبداع! وعنف الشرطة، والقضاء، وغيرها من أشكال العنف التى تتعرض لها المرأة!
وقد بلغت الأرقام التى تشير للتكلفة الاقتصادية الناتجة عن ممارسة عنف الزوج نحو 1.49 مليار جنيه فى العام، منها 831.2 مليون جنيه تكلفة مباشرة ويقصد بها مصروفات الطلاق والخلع والنفقة، وربما الزواج الثانى،  والغيرة، وربما عودة المرأة لبيت العائلة، أما التكاليف غير المباشرة فقد بلغت 661.6 مليون جنيه، وربما يقصد بها الآثار النفسية والعاطفية الناتجة عن العنف كالغضب والغيرة واللا مبالاة بالقيم!
لماذا تهمل المرأة فى نفسها؟
حينما تشعر المرأة بأنها كائن بلا قيمة فإنها تعيق التقدم الاجتماعى والاقتصادى للدولة فتصبح طاقة معطلة، وإن عملت، فغالبًا ما تختار الأدوار الخدمية! أما إنتاجها الاجتماعى فيصبح مجرد تكرار موروثات بالية تضر المجتمع، بينما يصبح إنتاجها الأمومى مجرد أطفال تشربوا منها عدم الثقة فى النفس، والرجعية والتخلف! مما يؤدى إلى تكبد تكاليف اجتماعية واقتصادية ضخمة تخلف آثارًا عديدة على المجتمع– كما تقول منظمة الصحة العالمية، مفسرة الأمر بأن السبب يعود لمعاناة النساء من العزلة وعدم القدرة على العمل، ما يعنى فقدان الأجر وانخفاض الدخل، ونقص المشاركة فى الأنشطة المنتظمة، بل وعدم التمكّن من اعتناء النساء بأنفسهن، وانخفاض ملحوظ فى الاعتناء بأطفالهن، وجميع هذه السلوكيات التى تقدر ماديًا بمالغ كبيرة!
الغريب أن قدرة المرأة على تحمل الضغوط النفسية والعصبية تفوق قدرة الرجل، وهى الميزة البيولوچية التى أساءت المجتمعات لقيمتها، وبدلا من التخفيف عن النساء فقد تم تحميلهن المزيد من الضغوط باستخدام العديد من المبررات، مثل تحميلها مسئولية العادات والتقاليد وربطها بمنظومة القيم لضمان استمرارها، رغم أنها تعود بالصالح على الرجل، وهى الظاهرة التى تعرف بعنف المرأة ضد المرأة، ويأتى ختان الإناث على القائمة، فيتفوق الألم النفسى الذى يصاحب الفتاة المُختنة طوال العمرعلى الألم الجسدى مهما كانت أوجاعه! ورغم ذلك تصر النساء على توريثه للأجيال المتعاقبة، حيث يفسر البعض ذلك بأنه سلوك نفسى يجعل المجنى عليها تنتقم من الجناة فيمن تراهم أضعف منها، وربما هذا ما يعلل الإصرار الغريب لبعض الأمهات والحماوات والجدات على تختين بناتهن، حيث تشير الأرقام إلى أن 90% من النساء فى فئة العمر 18- 64 سنة تم ختانهن، وهن اللواتى قررن استمرار تلك العادة التى وقعت بنسبة 62% على الإناث بين 18-19 سنة، وبنسبة 75% لمن فى فئة العمر 20-24 سنة.
روت لى عواطف كيف اجتذبها حلاق قريتها فى الأقصر من ملابسها الداخلية، ورغم أنها كانت أجمل بنات العائلة وأكثرهن عنفوانًا فى عمر سبع سنوات، لكنها فوجئت بالرجل يسخر منها قائلًا: إنتٍ فاكرة نفسك حلوة؟ مين ها يبص فى وشك ده غير لما تتطاهرى وتفورى وتبقى بنت كده؟
 قالت عواطف إن ملابسها الداخلية سقطت أمام الرجل، وأنها كرهت الرجال بسبب تلك اللحظة المهينة التى كانت أكثر شدة من آلام المشرط الذى نزفت بسببه حتى أوشكت على الموت، ولكنها تزوجت بحسب العادات والتقاليد لئلا تتهم فى شرفها، بينما كان وجه حلاق القرية يصاحبها قبل كل علاقة زوجية وهو يتفرس بوقاحة فى جسدها، مما جعل زوجها ينفر منها ويتهمها بالبرود، فتزوج عليها! وتسخر عواطف قائلة: زوجته الثانية كانت مُختنة أيضًا، ولكنها ممثلة بارعة فـ«كلنا بقر مش بنحس بحاجة»!!
العنف النفسى والإرهاب
ومن ناحية أخرى، قد لا يربط البعض بين الإرهاب وبعض الممارسات الظالمة ضد المرأة! رغم أنه بالملاحظة، يسهل إدراك أن معظم النساء اللواتى يعانين نفسيًا بسبب بعض التفسيرات الدينية الظالمة هى التى تلجأ للتشدد وتشجع زوجها أو ابنها على ذلك، ظنًا منها أنها سترضى الله بهذا السلوك، لعله ينصفها! وبعضهن تضطر للتكيف مع تلك التفسيرات حتى لا تُتَهم فى دينها، ثم تأخذ راحتها فى الغرف المغلقة متسائلة عن السر وراء اعتبارها مخلوقًا درجة ثانية رغم أنها أم الحياة؟ ولا ترتاح إلا حينما يطمئنها البعض بأنها تفسيرات البشر لأن القوانين يضعها الرجال!
وتعتبر «مارى حليم» السيدة التى كتَبَتْ عنها «صباح الخير» منذ أعداد قليلة تناشد البابا تواضروس الثانى لمساعدتها على إرجاع حقها المنهوب منها بعد وقوعها ضحية لكاهنين أحدهما اعتبر أن محدودية جمالها مبرر لتزويجها من رجل يكبرها بحوالى ٣٠ سنة، بينما استحل الثانى سرقتها منذ ١٢ سنة! وحينما لجأت للكنيسة، كان جميع الرجال بدءًا ببعض الأساقفة حتى الفراشين يقيمونها بحسب مظهرها المتواضع للغاية، فمنعوا دخولها للمقر البابوي! فهل يتخيل رجال الكنيسة ماذا يعنى أن تعيش هذه المرأة تحت الضغط النفسى والعصبى لأن الكنيسة هى التى أساءت إليها؟ وأنها تبدو متماسكة أمام ظلم البعض لها حتى من النساء أنفسهن اللواتى يبحثن عن أى سبب للتبرير للكنيسة، رغم أن المسيح نفسه حرم تقديس القوانين على حساب ظلم الإنسان لأخيه، قائلًا إن السبت لخدمة الإنسان وليس العكس – ويرمز السبت للقوانين! ولا تزال مارى تتحمل كافة الضغوط لرفضها وعود البعض بجلب حقها فقط إذا تركتهم يستخدمون اسمها للكتابة ضد الكنيسة؟
  العنف والانحرافات المالية
أما أحدث تصنيف للعنف النفسى فيعرف بمتلازمة الاحتراق النفسى فى العمل، فرغم أنه يقع على جميع الناس، ولكن قصة رجاء وليلى تقول الكثير، فإحداهما ابنة شيخ جامع، والأخرى خادمة مدارس أحد فى الكنيسة، اختارتا العمل الأهلى بإحدى الجمعيات الأهلية. فى أثناء العمل كان يتردد حولهما أن مدير المشروع الذى تعملان فيه يجبر الموظفين على استلام أجور أقل من الأجور المخصصة بالمشروع، ويطالبهم بالتوقيع على استلام المبالغ كاملة! سخرت الشابتان، متهمتان الزملاء بالتخاذل وضعف الشخصية، ثم أكدتا أنهما لا يمكن أن يمتثلا لتلك الألاعيب، لأنه حرام، وعيب، و..!
وصل كلامهما للمدير، وسريعًا ما فوجئتا أن راتبيهما انكمش للنصف، فلم تتمالكا نفسيهما من الغضب والتفوه بكلمات عن الظلم وغياب القيم، حتى فوجئتا بالمدير المالى يشرح لهما أن مرتبهما الكبيرلا يتناسب مع ميزانية الجمعية، ولا يتماشى إلا مع مرتبات الزملاء المتميزين فى العمل! فوعدت كل منهما أنها ستبذل أقصى ما لديها، حيث اعتادتا على مستوى صرف يناسب المرتبات الأولى ولا يمكن الاستغناء عنها! اجتهدت الشابتان حتى عادت المرتبات الأولى، ولكن على شيك يتضمن مبالغ أكبر بكثير من قيمة المرتب، فما كان عليهما سوى الامتثال للتوقيع على تلك المبالغ للحصول على راتبيهما فقط، مثلما يفعل الزملاء!  وهكذا بدأت اللعبة: تطميع الشابتين ليعتادا على مبالغ معينة، اضطرتا لفعل كل ما هو مطلوب منهما للحفاظ عليها! ملحوظة: اكتشفت الشابتان أن مرتبات الزميلات المتميزات بالجمال الأخاذ فقط هي الأعلى على الإطلاق! كذلك مرتبات الزملاء الذكور، وقد قيل لهما إنها جمعية إنسانية، قد لا تهتم بالقدرات والإنجازات، بقدر اهتمامها بكرامة هؤلاء الزملاء الذين يفتحون بيوتًا، ولا يمكن مساواة رواتب الرجال بالنساء اللواتى يعولهن رجال!
هى السبب
اعتاد المجتمع أن يلوم المرأة على كل عيوب الرجل، فهى المسئولة إن خانها، وهى المسئولة إن تدنى وسرق، وإن مرض، وإن أفلس، وإن كان بخيلًا، وإن .. وإن....!
 تقول قصة مها إنها كانت فتاة جميلة حديثة التخرج من الجامعة حينما تزوجها مصطفى الطبيب الذى يكبرها بـ 13 سنة! لكنه لم يكتفِ بحرمانها من ممارسة أنشطتها كالرسم والموسيقى فى النادى،  بل حرمها من زيارات الأهل والنزول للشارع لشراء متطلبات البيت بحجة خوفه عليها ولو بالنقابّ!
انشغلت بالطفلين اللذين أنجبتهما، وأوقفت شجارها مع زوجها لغيابه المستمر وتركها سجينة الوحدة والفراغ بالبيت! بعد 6 سنوات، شعر مصطفى بالملل من الزواج، وكره نضج زوجته وعقلها الذى كانت أمه تذله بهما بالمقارنة لكرشه الذى كان الشىء الوحيد  الذى يكبر كل يوم!
 وأخيرًا قرر العودة لبنات الهوى اللواتى فى أجندته القديمة، حتى حبلت إحداهن وصارت تهدده بالفضيحة إن لم يتزوجها! وبكل خضوع استجاب، ولا يزال مستأسدًا على مها، فجمعها  مع الزوجة الجديدة فى عمارة واحدة! حينما اشتكى أهل مها من جبروته وظلمه، فوجئ الجميع بشكواه من زوجته التى لم تستوعبه، وإن طاعتها المطلقة له كانت السبب فى كراهيته للزواج والبيت والحياة كلها..  ولا تعليق، فهذا العنف  النفسى من أكثر ما تواجهه النساء!
لم تنته نماذج العنف النفسى الذى تتعرض له المرأة المصرية، ومعروفة قصة القاضى الذى أهان زوجة فقيرة اشتكت زوجها حينما ضربها، فى نفس الوقت الذى حكم لصالح زوجة ضد زوجها أخرى لأنها متعلمة! وكيف ينظر المجتمع للنساء اللواتى تضطرهن الظروف للعودة متأخرات،  وكيف يتم التحرش بهن فى أقسام البوليس لو كانت ترتدى ملابس يراها رجال الشرطة مخلة لمجرد أنها ذهبت بقدميها للشكوى من رجل تعدى عليها ا! فكانت النتيجة ما رأيناه مؤخرًا من قيام بعض النساء بقتل أزواجهن، وارتفاع نسبة العنوسة.. بل وقمع أحلام الشباب، وتلك أكبر تكلفة يتحملها مجتمع قام بتسبب الأذى النفسى لنسائه! •