الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«روزاليوسف» بأقلام من عاصروها متحررة.. عنيدة.. شجاعة تهاجم فى عنف وتؤيد فى رفق

«روزاليوسف» بأقلام من عاصروها متحررة.. عنيدة.. شجاعة تهاجم فى عنف وتؤيد فى رفق
«روزاليوسف» بأقلام من عاصروها متحررة.. عنيدة.. شجاعة تهاجم فى عنف وتؤيد فى رفق


أصدرت مؤسسة «روزاليوسف»، فى ذكرى ميلاد مؤسستها السيدة «روزاليوسف» كتابًا مُهمّا بعنوان (روزاليوسف  سيدة حرة مستقلة ذات سيادة )، ضمن سلسلة تراث «روزاليوسف»، التى تصدرها المؤسسة بشكل غير دورى للكاتب الكبير رشاد كامل. يروى رشاد كامل فى الكتاب  قصة السيدة «روزاليوسف» بأقلام مَن عاصروها وعملوا معها وبجوانب مختلفة من حياتها (الزوجة والأم وفنانة المسرح)، ويزيح  السِّتار عن حكايات مُهمة وخطيرة فى حياة «روزاليوسف» على مدَى سنوات اشتغالها بالصحافة.
الكتاب يضم مقالات لكل من (إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وأحمد بهجت وأحمد عباس صالح وأحمد كامل مرسى وإبراهيم خليل وحسن فؤاد وحافظ محمود وزكى طليمات وسمير عطا الله وصلاح حافظ وعباس العقاد وكامل الشناوى ومحمد التابعى ومفيد فوزى ومحمد عبدالقدوس ويوسف فرنسيس ونجاح عمر وغيرهم ).
دخلت «روزاليوسف» الصحافة وفى يدها خمسة جنيهات، واستطاعت أن تجعل من مجلتها الأقوى نفوذًا فى الشرق وأن ترسم مستقبل مصر وتتحدى كل سُلطات الدولة «الإنجليز والملك والأحزاب».
 المهندس عبدالصادق الشوربجى- رئيس مجلس إدارة «روزاليوسف»- قال فى افتتاحية الكتاب: إن المقالات الموجودة فيه تحكى جانبًا مُهمّا فى كفاح هذه السيدة الأسطورة، التى أسست بجنيهات قليلة مَدرسة «روزاليوسف»، التى انتسب إليها غالبية نجوم الصحافة المصرية، وتبرز أهمية الكتاب من أن هذه المقالات ظلت مجهولة حتى عثر عليها رشاد كامل.
السيدة المجاهدة
بدأ الكتاب بمقالات إحسان عبدالقدوس الابن، وأوّلها مقالة (1000 عدد) كتبها بمناسبة صدور العدد الألف من مجلة «روزاليوسف» فى 13 أغسطس 1947، وكتب فيه: «لم يكن مألوفًا فى الشرق أن تصدر مجلة تحمل اسم سيدة تنتقد الزعماء وتوجههم، ولكن هذه السيدة استطاعت أن تقنع مصر والشرق أن المرأة ليست أقل وطنية ولا هى أقل احتمالاً للجهاد من الرجل فقاومت حتى وقفت على قدميها وارتفع صوتها حتى أخرس كل صوت معارض لرأيها، وأصبحت «روزاليوسف» أول من ينفخ فى نفير الوطنية وأول من يصرخ صرخة الجهاد، وأسماها النحاس باشا السيدة المجاهدة، وكتب عنها مكرم باشا أنها سيدة مناضلة دائبة العمل والأمل تضفى على جهادها لونًا بسامًا متجددًا من روحها»، وأوضح إحسان مدّى صمود هذه السيدة التى شهدت مظاهرات وطنية جارفة يقودها حسن يس تهتف باسمها، ثم شهدت مظاهرات فِرَق القمصان الزرقاء وهى تقذف دارها بالحجارة وتنادى بسقوطها».
«سر روزاليوسف»
أشار إلى أن سر حياة «روزاليوسف» السيدة والمجلة، أنها لا تعمل لتعيش يومها، بل تعمل لتعيش فى التاريخ، وسيذكر «روزاليوسف» كلما تحدث عن جهاد مصر، فما من ثورة قامت إلا وكان رئيس تحرير المجلة فى السجن، فليس لجمعية «روزاليوسف» الوطنية رئيس، لكن لها أمّ لكل من له رأى ومبدأ وفن، ومقال آخر بعنوان «أمى هذه السيدة»، يحكى فيه إحسان عبدالقدوس عن السيدة التى استطاعت أن تجمع بين جهادها الشاق المضنى وبين واجبها كزوجة وأمّ، وكيف استطاعت أن تحمله تسعة شهور وهى واقفة على خشبة المسرح تعتصر الفن من دمها وأعصابها لتكون من يومها أعظم ممثلة فى الشرق، ويتحدث  إحسان عمّا زرعته أمُّه فيه من مبادئ وعناد وقادته كطفل وكشاب لمدرج  النجاح، مؤكدًا أنه لم يلتق بها أبدًا إلا وفى رأسها مشروع وبين يديها عمل».
ويستمر «إحسان» فى الحديث عن «روزاليوسف» الأمّ والزوجة والإنسانة فيقول: «صوتها الناعم الخفيض المنغم يشبه صوت فتاة فى الرابعة عشرة، تُفضل العزلة ليس لها كثير من الأصدقاء، وغالبية من يعرفونها لا تعرفهم، تكره المجتمعات وتكره أن تقيم فى بيتها الحفلات، يفوتها كثير من المجاملات، طيبة القلب تبدو ساذجة تستطيع أن تضحك عليها بكلمة ويدها سخية تعطى باستمرار، لها وجهان لشخصيتها، وجه تراه وهى تقف فى بيتها واقفة فى المطبخ تُعد طبق ورق العنب كزوجة مثالية تدور بين الغرف ترتب قطع الأثاث، وتنمق أوانى الزهر، ووجه آخر أعنف من العاصفة وصوت يزلزل مكاتب المحررين وعنابر المطبعة».
ويحكى «إحسان» عنها فى العمل قائلًا: «لقد طردتنى مرّة وأنا متزوج وصاحب أولاد وظلت عامًا كاملاً لا تخاطبنى، بل إنها ضربتنى يومًا فى مكتبى وبين زملائى عقب تخرُّجى فى الجامعة»، وينهى مقاله المكتوب فى ديسمبر 1953 بجُملة قائلاً: «لا أستطيع أبدًا إلا أن أقول أمّى صنعت مِنّى هذا الرجل».. مقال آخر بقلم أحمد بهاء الدين، يتحدث فيه عن نصف الساعة الأخيرة فى حياة «روزاليوسف» قائلاً: «سر فاطمة اليوسف يتلخص فى النصف ساعة الأخيرة  من حياتها، فلقد استطاعت إرادتها أن توقف الموت عند بابها نصف ساعة كاملة قبل أن تأذن له بالدخول، فقد فاجأتها السكتة القلبية وهى جالسة فى إحدى دور السينما ومعها صديقتها، ولكنها لم تسقط  من الضربة الأولى واستقلت أول تاكسى وذهبت لبيتها، فلقد كانت دائمًا تقول إنها أصبحت لا تريد شيئًا إلا أن تلقى النهاية فى بيتها هادئة، فلها إرادة لا تضعف فى وجه أى شىء، إرادة تستصغر الخطر وتبتسم للمحنة، فالإرادة موهبة لا يحظى بها إلا القليلون».
«ضمير وطنى»
وفى مقال آخر بعنوان «روزاليوسف وأنا» بقلم أحمد بهاء الدين، يحكى فيه عن المقال الأسبوعى الذى كان يُسلمه لبواب الدار من دون أن يعرفه أحد فى «روزاليوسف» ويجده منشورًا من دون زيادة أو نقصان وقتها أدرك أن «روزاليوسف» لا تحتاج واسطة، فإجادة العمل هو المعيار، فلِكَى تكتب فى «روزاليوسف» لا تكون مطالبًا باعتناق رأى معين أو تطبل لسياسة معينة، والشرط الأساسى أن يكون ضميرك ضميرًا وطنيّا نزيهًا، وهذا هو سر شباب «روزاليوسف» الدائم،  لا تغلق الباب ولا تضع العراقيل أمام أى دم جديد، فبابها لا يدخل منه شيخ واحد ومن يدخلها شابّا لا يشيخ فيها أبدًا، ومن يشيخ لا يجد لنفسه مكانًا».
حكاية أخرى يحكيها أحمد بهاء فى مقال بعنوان «فاطمة اليوسف» فى حياة كاتب ناشئ»، وهى تجربة فريدة تتحول من علاقة عمل إلى علاقة أمّ ، عندما مَرّ بأزمة عاطفية فوجد قلبها يخفف عنه، كانت أمّا وأختًا وأستاذة لها قدرة كبيرة على النصح والتجربة وفى الوقت نفسه قدرة على الفهم والمشاركة.
يضم الكتاب مقالاً للكاتب أحمد بهجت نشره فى مجلة «نصف الدنيا» أكتوبر 1998، بعنوان «روزاليوسف وأنا»، يحكى فيه عن انضمامه لـ«صباح الخير» واقتراحه بالسفر لسوريا لعمل تحقيقات صحفية من هناك، حيث كانت الظروف السياسية يومئذٍ تتوهج بفكرة القومية العربية، وكيف وافقت السيدة «روزاليوسف» على السفر وإعطائه النصيحة بالاهتمام بما يحصله من مواد صحفية هناك، لقاء لم يستمر سوى دقائق، لكنه ترك أثرًا عظيمًا فى نفسه لسيدة جريئة مغامرة.
كما يضم مقالاً بعنوان «امرأة قوية شديدة الذكاء» لأحمد عباس صالح، يصفها بأنها كانت  قوية الملاحظة لديها إحساس طاغٍ بأنوثتها حتى وهى كبيرة فى السن اكتسبت قوة مقاومة الأحداث، وكان لديها إحساس قوى بذاتها وكرامتها ماهرة فى الطهو وشغوفة بالحياة.
موقف يحكيه عباس صالح عن شخصية «روزاليوسف» القوية، عندما تم الإفراج عن ابنها إحسان عبدالقدوس بعد يومين جاء لها وفد من قيادة الثورة ليهنئها بالإفراج كعلامة على المصالحة وكان لديها( بوف) تضع عليه ساقيها عندما يتعبها الجلوس وعندما دخل إليها الساعى يخبرها بمجىء الضباط أشارت له بسرعة أن يقرب (البوف) وما أن فعل حتى مدّت ساقيها عليه ودخل الضباط ليسلموا عليها فمدّت يدها إليهم معتذرة بعدم قدرتها على الوقوف على قدميها بسبب آلام فى ساقها، وتقبَّلَ الجميع هذه الحجة ولعلهم انحنوا على يدها فقبّلوها، كانت تعطى انطباعًا بأنها غاضبة لما حدث لابنها، ولكنها تتقبل الاعتذار ولا تقدّم الشكر على الإفراج عنه.
مقال آخر لزكى طليمات، الزوج،  بعنوان «الفنانة التى تطبخ»، يحكى فيه عن أول يوم رأى فيه «روزاليوسف» على المسرح وعظمتها وكيف كان يتمنى لقاءها فى مكان آخر غير المسرح حتى سنحت الفرصة إذ اصطحبه أحد الكتّاب المسرحيين المعروفين فى زيارة لمنزلها وهناك وجدها هى من تستقبلهم وفى يدها سكين وفحل بطاطس وجلست أمامهم بعد أن رحبت بهم وهى تقطع شرائح البطاطس.
وعندما أخبرها أنه يعشق التمثيل سألته «طيب بتعرف تطبخ»؟ فأجاب بالنفى، فقالت له بتعرف ترقص كويس؟ فسألها طليمات عن علاقة المطبخ والرقص بهواية المسرح وإجادة التمثيل، فأجابت: «لما تعرف العلاقة دى هتبقى ممثل صحيح»!
وقتها شعر أنها تقصد الهزل والمضاحكة، لكن السنوات الطويلة التى قضاها محترفًا التمثيل عرف أنها لم تكن تهزل، بل كانت تجدّ غاية الجد، وبعد سنوات قليلة التقيا أمام المأذون ليصبحا زوجًا وزوجة كما قال الخصم الذى يتبادل معها الدفع بالأكتاف والأيدى فى سبيل إثبات ذاتيته وفرض شخصيته على الآخر.
«فاطمة  اليوسف الإنسانة»
مقال آخر لنجاح عمر بعنوان «عندما بكت فاطمة اليوسف»، تحكى فيه عن «روزاليوسف» الإنسانة التى دعت المحررين الصغار عندها لتناول الشاى فى الفراندة، وفجأة بكت عندما اكتشفت موت عصفورها الصغير لتؤكد أن الدرس رقم واحد فى حياتها الصحفية هو أنه كلما كان الإنسان قويّا واثقًا من نفسه وبما يفعل كلما كان ضعيفًا فى المواقف الإنسانية، وبقدر القوة تكون الشجاعة فى الإعلان عن عواطفه بلا خجل.
امرأة حُرّة مستقلة ذات سيادة
هو مقال لكامل الزهيرى من كتاب «أنا والنساء»، وفيه يحكى عن مقابلته لـ«روزاليوسف» السيدة ذات القامة القصيرة والصوت الطفولى التى استطاعت أن تملأ المسرح الكبير وتقف أمام عمالقة الفن، وكيف استطاعت أن تستولى على قلوب الجماهير فى رواية «غادة الكاميليا» فأطلق  النقاد عليها سارة برنار الشرق. مؤكدًا أنه كان فى شخصيتها حضور أخّاذ لامرأة لا تتكرر، فيها أكثر من الأنوثة والجَمال والموهبة، بينما وصفها كامل الشناوى أنها دائمًا «ثرثارة متحررة عنيدة شجاعة تهاجم فى عنف، وتؤيد فى رفق، لا تقول إلا ما تعتقد، كانت تحمل على كتفيها عبء الهزيمة وعبء النضال». •