دموع واكتئاب وانتحار!

ابتسام كامل
دائما ما أتساءل عن مواصفات الفتاة الصغيرة التى تختارها أسرة ما زوجة لأحد رجالها! ماذا يتوقعون منها حينما تكبر وتنضج وتكتمل أنوثتها، وتفرض عليها الحياة مطالب أخرى تناسب عمرها؟
منذ سنوات كان الحوار حول قانون تجريم الزواج لأقل من ١٨ سنة، وحاليا، نتوقع أن تتم بعض التعديلات التى تنص على سحب الولاية من الأب حال إكراهه لابنته على الزواج دون بلوغها سن الـ١٨ عاما، ويكون بذلك من حقها الولاية على نفسها.. أما الواقع، فإن القوانين تسن لتخرق!
ويبدو أن العادات والتقاليد التى تمنع تطبيق القانون تحتاج لمعالجات أكثر جدية، فلا تزال آلاف قصص تزويج البنات والأولاد الصغار تروى وتشاهد بيننا، بمنتهى الرضا.
زينة وسناء
ليس غريبا أن يتوارث الرجال الصورة الذهنية عن الزوجة: الصغيرة، الجميلة، الخصبة، القادرة على إثارة خياله، باختصار: يتباهى أنه يمتلك امرأة يتمناها الجميع ولكنه الفائز! فلا تعليم يرسخ غير تلك المفاهيم، ولا إعلام، ولا مؤسسة دينية، وبالتأكيد.. لا تطبيق للقوانين!
مع الوقت، تعلمتْ سناء أن تجد لنفسها مكانا فى الأمسيات اليومية التى تعقدها أسرة زوجها فى بيت العائلة الذى تعيش فيه، حينما تروى قصص أهالى البيوت التى تقوم بزيارتهم تساعدهم فى حل مشاكلهم باعتبارها الشابة الوحيدة - فى قرية عزبة شكر بالفيوم - التى التحقت بكلية الحقوق، رغم أنها تركتها لتتزوج فى السنة الثانية!
مؤخرا، كانت سناء تتحدثْ بانبهار عن زينة البنت الصغيرة بالصف الثانى الإعدادى، ليس فقط لجمالها الأخاذ بعينيها الخضراويتين، وضفيرتيها الكستنائيتين الطويلتين، بل لإصرارها على مواصلة التعليم بين إخوتها الأربعة الذين تركوا المدرسة لمساعدة والدهم الفقير.. وكيف أقنعت زينة أباها بالعمل كبائعة فى محل تجارة جملة لأدوات المطبخ بالفيوم، لتصرف على الكتب ومصروفات المدرسة، وكيف عملت بنصائح سناء فى صد مضايقات صاحب المحل الذى اعتاد أن يتحرش بها.
صبيحة يوم من ثلاث سنوات، فوجئت سناء بحماتها تخبرها أنها يئست من عدم قدرتها على إنجاب «حتة عيل» لابنها، فقررت تزويجه من «البت زينة» التى تحبها، حتى لا تغير منها، أو تضايق ابنها! انهارت سناء، فهى لم تكمل٢٣ سنة، وكانت وقتها عروسا لم تمض سوى ثلاث سنوات على زواجها، بينما تم تهديدها بالطلاق لو تمردت، أو فكرت فى العودة لبيت أبيها! أما زينة، كطفلة.. فلم تهتم بالخمسة عشر عاما التى يكبرها بها زوجها، بقدر سعادتها أنها ستعيش مع سناء صديقتها فى بيت واحد، غير مدركة أن هناك فارقا بين سناء الجارة والضرة! مع الوقت، صغُرتْ سناء فى عينى زينة لأسباب كثيرة، كان أهمها جمالها الذى يتزايد يوما بعد يوم، بالمقارنة بالكآبة التى صارت سناء تعيش فيها، ثم ازداد الأمر صعوبة حينما أنجبت بنتا، أما زينة ففى أقل من سنة أنجبت ولدين توأم!.
لطيفة
لأسباب خاصة، يريدها البعض منكسرة، وساذجة، وقابلة للتهديد والتخويف، وهى صفات من السهل وجودها بين الفقراء الذين يمكن شراؤهم أو بيعهم أيضا... المهم أن تكون صورة الرجل قوية عضليا، وجنسيا، وإنجابيا!
علت الزغاريد فى بيت لطيفة بإحدى قرى أسيوط.. واحدة من خمس بنات بأسرة فقيرة، فالعريس غنى ومقتدر، وقد وعد والدها أنه سيجد حلا لمشكلة سنواتها الأربع عشرة حتى تقبل الكنيسة تزويجهما، ثم قام بتسنينها فى مكتب الصحة بسن ١٨ سنة. وهكذا وافق كاهن الكنيسة على عقد الزواج معتقدا أنه يفعل الخير لتلك الأسرة المعدمة، دونما يطلب الكشف الطبى لإثبات الحالة الصحية للزوجين، فالرجل ابن ناس، ويكفى طوله وعرضه وهيبته أيضا!
مضى عامان، والجميع يلحظ كيف كان جمال لطيفة يذبل وينطفئ، وكيف انقطعت زيارات زوجها لبيت أبيها! حينما سألتها أمها عن السبب، فوجئت بشكوى ابنتها من قسوة زوجها وعنفه فى العلاقة الخاصة، حتى ينتهى الأمر بضربها وإهانتها وإهمالها، وأن ذلك يحدث منذ ليلة الزواج! حينما تجرأت أسئلة الأم أكثر أدركت أن ابنتها لاتزال عذراء.. وأنها لم تشتكِ ظنا منها أن هذا هو الزواج الذى يشتكى منه الجميع، ويعتبرونه شرا لا بد منه! بعد لطمْ الأم، وندبْ حظ ابنتها والبكاء من قسوة الدهر، إلا أنها فى النهاية نصحتها أن تكفى على الخبر ماجور، وتتحمل «صليبها» فى صمت، مثلما ينصح كاهن الكنيسة النساء، حينما يشتكين أزواجهن، لئلا يغضب الله عليهن، قائلا: كل ست تبوس إيديها وش وظهر إن فيه راجل اتجوزها وخلاها ست مش عانس!! محذرة إياها من كلام أهل البلد الذين سيقولون إنها (...)، بل سيتهمونها هى فى شرفها، حيث لن يصدق أحد أن هذا الزوج (....)! بالإضافة لمحاضرة أخرى عن أصالة الزوجة التى تكتم سر زوجها وتصونه مهما كان حاله!
سألتُ رضا، التى روت لى القصة، إذا ما كانت تعرف القانون الكنسى الذى يقول أنه بعد سنتين لا يحق للمرأة الشكوى من عدم قدرة زوجها الجنسية، فتبتسم بحسرة قائلة: واحدة زى دى من الدار للنار.. كانت تعرف إيه عن الكلام ده عشان تشتكى قبل السنتين؟ دى بتقولك فاكرة الجواز كده أصلا!
حنان
كل الناس فى قرية الكوامل بسوهاج يعرفون حكاية حنان - هكذا روت لى قصتها، إيمان مسئولة التنمية التابعة لأسقفية الخدمات العامة والاجتماعية بسوهاج، كان عمرها ١٣ سنة حينما أقنعتها أمها بأن الزواج يعنى سيكون لها سريرا خاصا بها، وأنها ستمتلك ذهبا، وتلبس فستانا أبيضا جميلا، وأنها ستصبح ست البيت، خاصة عندما تلد وتصبح أما. أٌعجبت حنان بالصورة، وودعتْ الغيط، وإخوتها الست، ونظرت بغضب للمصطبة المغطاة بالقش وبعض خرق القماش التى صنعت أمها منها سريرا! وأخيرا، تزوجت حمادة 15 سنة - فلاح!! كل شىء فى ليلة الزفاف تم بمساعدة الداية التى خرجت تزف للناس ضمان شرف عائلة أبو حنان، فارتفعت الأصوات تغنى وتزغرد، وأخيرا أصبح لها قيمة، فابتسمت فى داخلها، متوقعة تحقيق المزيد من الوعود التى ذكرتها لها أمها!
حينما عاشت وسط العائلة، بدأت تشكو سوء معاملة حماتها لها، وكيف توقظها دونا عن زوجات أبنائها الآخرين من الخامسة فجرا لإطعام الطيور والبهائم، وإعداد الفطور والغداء، والغسيل، بحجة أنها الصغيرة الفتية، وأن كل زوجات الأبناء الآخرين مررن بهذا الدور، فوجب عليها الطاعة حتى ترضى عليها! فأوصتها أمها أن تسرع فى إنجاب طفل يجعل لها قيمة، فلم تعرف كيف خاصة وأن ممارسات الزواج لم تكن من اهتمامات زوجها الأولى.
مؤخرا، ضَعُفتْ من الخدمة وعدم الراحة، بالإضافة لهزال بنيتها الشديد، ورغم ذلك لم ترحمها حماتها، واستمرت توقظها من النوم، وتضربها وتتهمها بتمثيل المرض لتتخلص من خدمة البيت، إلى أن تجرأت حنان وصرخت فى وجه حماتها قائلة: بتتجوزوا بنات الناس عشان تخلوهم خدامين، فما كان من حماتها إلا الضرب الشديد والإهانة وتذكيرها بأنها حتة بت جعانة.. ولولاهم لكانت ملقاة فى الشارع بجوار إخواتها، وأنها يجب أن تدفع ثمن العز الذى تحياه!
بعد يومين من تلك الحادثة، قامت حنان بإحراق نفهسا، وماتت فى المستشفى، وقيل أنها انتحرت... دون توجيه الاتهام لأحد من أسرة الزوج التى بدأت تدافع عن نفسها بإثارة الشكوك فى سلوك البنت المحروقة!
تقول لى مريم مروزق - مسئولة برنامج التمكين والاستدامة بأسقفية الخدمات العامة والاجتماعية أن مصر رفعت سن زواج الإناث عام 2008 إلى 18 سنة.. للحد من مشاكل زيادة السكان، ولرحمة البنات والأولاد من المشاكل النفسية والصحية والإنجابية والاجتماعية التى تواجههن نتيجة الزواج فى مرحلة الطفولة. هؤلاء االمراهقون/ القُصَر الذين يقعون ضحية اختيار اللحظة دون مراعاة التغيرات التى تلحق بالطرفين نتيجة للنضج الجسدى والنفسى والمعروف أنه يحدث بعد سن العشرين، فيدفعون هم والبلد كلها الثمن.
ربما حان الوقت لتناول قضية الحد من مشكلة زواج القاصرات والقاصرين بآليات مبتكرة، لحمايتهم كبشر - وليسوا فقط مجرد عدد ضمن ملايين السكان - من أخطاء مبكرة لحماية الأجيال القادمة من المشاكل المعتادة والمتوقعة، أيضا! •