الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

امرأة شرسة وشاب عاطفى!

امرأة شرسة وشاب عاطفى!
امرأة شرسة وشاب عاطفى!


 على غير العادة...كانت ملامحه  متجهمة، ورغم ابتسامته التى ارتسمت فوق وجهه الأسمر الوسيم، ولكنى أبدا لا أخطئ تفسير نظرات خيبة الأمل!
 حينما دخل لإجراء الصيانة فى بعض الأجهزة بمكتبى، قررت إخباره بهواجسى نحوه، وقد استثمرتُ لحظات تعجبه من قراءتى لمشاعره، واتفقنا على أن أستمع إليه، بعد انتهاء عمله!
حينما جلس أمامى، أخبرنى أنها أول مرة يلحظ تفاصيل مكتبى؛ ثم فوجئت به يخبرنى: بدون الدخول فى التفاصيل: أنا فى قمة غضبى، من فضلك ساعدينى فى إيجاد عمل آخر!
- وقد انتقل إلى انزعاجه، فأجبته سريعا:  حاضر، عند أول فرصة سانحة سأخبرك، مستطردة: أول مرة أراك غاضبا هكذا وأنت صاحب الأعصاب الهادئة والابتسامة الدائمة.
- وبصوت ضعيف ووجهه ينظر لأرضية المكتب، كمن يرثى لحاله، قال: زهقت من الناس الذين أعمل معهم!
- فشاركته مشاعرى، وأخبرته أنها مشاعر تصيبنا جميعا، ولا يوجد شخص سعيد ١٠٠٪ لا فى بيئة العمل، ولا مع زملاء العمل، فنحن لم نخترهم!
- ساخرا: ولا حتى ١٠ ٪
- فلماذا لا تذهب لمكان آخر!؟ أنت شاب، والحياة أمامك.
- ولهذا أطلب منكِ ومن غيرك أن تساعدونى فى الحصول على عمل فى مكان آخر !
- وكمن يحدث نفسه- قال: يبدو أنه القرار الوحيد! موجها كلامه لى: ولكنى لن أذهب قبل الحصول على حقوقى أو أنتقم!
- ابتسمتُ لسماعى ما قاله، وشرحت له أن معظم من سمعتهم يقولون هذه الكلمات ينتهى بهم الأمر فى نفس المكان كما لو كانوا فى سجن اختيارى! 
- استفزته كلماتى، فقال: أنا لن أترك حقى بعد كل ما قدمت لهذا المكتب ابن... (مستسمحا إياى بعدم الغضب إن خرج لفظ غير لائق منه) وسريعا ما نطقه..
 وقد لاحظتُ كيف اكتسب قوة بمجرد قيامه بالسباب (وشردتُ قليلا أتأمل الملحوظة التى اكتشفتها للتو، وكيف أن الشتائم والألفاظ البذيئة أحيانا ما تعطى البعض جرأة لكسر خجلهم)..
- ثم عدتُ لضيفى الشاب، وهو يقول: الشغل أصبح علقة يومية، تخيلى أننى أتحايل على نفسى كل يوم لأقوم من السرير وأستعد للذهاب الى المكتب.
- لاااا، الأمر يبدو كبيرا بجد، قلت مقترحة أن نبدأ من الآخر، وسريعا ما لاحظتُ عودة نظرات خيبة الأمل، وكيف صاحبها سقوط كتفيه وارتخاء أطرافه، فوجدتنى أتأمل عدم اتساق ألوان ملابسه، وحذاءه المتسخ..وصوتى الداخلى مغتاظا يقول لى: ترى ما سر كل هذا اليأس لشاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره؟ وسريعا ما أخبرته: كلى آذان!
- وبهدوء قال: كرهتها، أقصد زميلتى.. بعدما  اكتشفتُ كم كنتُ مغفلا!
- ابتسمت متسائلة: الحكاية فيها نساء إذن؟
- وهو يهز رأسه، قائلا: وأى نساء؟! فى البداية نصحنى رئيسى المباشر بعدم الدخول معها فى المنافسة لأنها شرسة فى الشغل باعتبارها أكفأ مهندسة!
- تساءلتُ: شرسة؟ فى أى شغل بالضبط؟
- استطرد ضاحكا: تمام! منذ بداية عملى وأنا أطبق نصيحة والدى: لا تخلط العمل بالعلاقات الشخصية. صححت له: العاطفية تقصد؟
- فكرر: الشخصية، مستمرا فى كلامه:  لكنها بدأتْ تتعامل معى بشكل خاص، واهتمام غير عادى، تنصحنى، وترشدنى وتفتح عيونى على بعض نقاط النجاح! باختصار أقنعتنى أنها تخاف على وتهتم بى بل تحبنى.. رغم أنها تكبرنى بثلاثة أعوام!
- وأين نصيحة والدك؟ ثم هل زميلتك قالت لك صراحة إنها تحبك؟!
- تجاهل سؤالى، مستطردا: باختصار، أعطتنى أجمل أيام، وأجمل اهتمام، فأحببتُ الشغل وأخلصتُ له! وبدأ الجميع يلحظ اهتمامى بنفسى، وتعلقى بزميلتى، بين الساخر، والمحذر، والمتملق، حتى المدير نفسه.. بدت تلميحاته وكأنه يبارك علاقتنا!
- خير.. خير.
- خير؟ ساخرا: بدأتْ تطلبْ منى أن أقوم بمهام عملها، ورغم ضيق وقتى، وعبء شغلى.. كنتُ لا أترك المكتب إلا وشغلنا كاملًا حتى لو بقيت لبعد ساعات العمل، كنتُ سعيدا لسعادتها، مفتونا برضاها، وابتسامتها الساحرة، وتلك المكافآت التى تمنحها المرأة للرجل فتجعله يطير سعادة وفرحا!
- بتعجب سألته: مثل ماذا؟
- وكأنى لم أقل شيئا، استطرد: استمر الحال طويلا، حتى ازدادت التحذيرات والتلميحات التى تحولت إلى اتهامى بأننى ساذج، وعاطفى، فكنتُ أغضب وأنفعل، بل قاطعتُ معظم الذين حذرونى، واتهمتُ بعضهم بالغيرة!
- قلتُ لنفسى: نفس الحكايات نفس البدايات.. موجهة كلامى له: كم أكره اعتبار العاطفية تهمة، إلا إذا…..
- نظر لى بعينين غير راغبتين فى مناقشة هذه النقطة، واستطرد: مع الوقت، لم تعد زميلتى لطيفة وهى تطالبنى بأداء مهام وظيفتها، بل صارت تكتب لى المطلوب فى وريقات مقرفة، وكأنها أوامر! فحاولتُ التواصل معها، ولكنها دائما مشغولة، أو عند المدير، أو فى موقع عمل، وفجأة وجدتُ نفسى مهموما، مكدسا بالشغل الإضافى، دونما أنجز مهامى الأساسية! ثم بدأتْ تتهربْ من لقاءاتى، فأدركتُ أننى أخسرها..
- تخسرها؟ سألته ببعض التعجب..
- منذ أيام وافقتْ -أخيرا- على الجلوس معى بعد لقائها اليومى مع المدير، وظللتُ أنتظرها، وهى لا تجيب على تليفوناتى ولا رسائلى! فقررتُ انتظارها فى مكتب سكرتير المدير، غير عابئ بنظرات زملائى الساخرة.. فكل ما أريده هو المواجهة! وفجأة وجدتُ أمامى عم رمضان الفراش، قائلا: رَوّحْ يا بنى.. الست مش هاتطلع دلوقت! وسريعا ما دق قلبى، وكأن الصورة انكشفت أمامى، وبسرعة البرق دخلتُ مكتب المدير، ورأيتها فى موقف لا يمكن أن يكون سوى أنهما كانا...
- فهمت.. قاطعته! وأنا ألمح الدموع فى عينيه..
- ولكن ماذا عن حقوقك التى تتحدث عنها؟
- بتماسك أجابنى: حاولتُ الاستقالة، ولكن شئون العاملين أخبرونى أننى قد أخسر جميع حقوقى، ومكافآتى..و.. فبقيتُ مضطرا حتى أجد طريقة للانتصار..
نجحتُ فى إقناعه بأنه ليس من العيب أن نخطئ، وأن الفشل بداية النجاح... وأن الانتصار الحقيقى هو أن ينجح فى نسيان التجربة ويعيش حياته!
حينما ودعته، تذكرتُ الجملة التى قالها عن المكافآت التى تمنحها المرأة للرجل فتجعله سعيدا! ووددت أن أذهب وراءه لأسأله عنها بتفصيل أكثر.. ولكنى قلت لنفسى: عيب عليك؟ هايقول عليك -أصلا- إيه؟