أول معاش باسم الزوجات
منى صلاح الدين
هو أول معاش تحصل عليه الأسرة الفقيرة، دون حاجة لأن تكون الزوجة أرملة أو مطلقة أو بلا عائل، معاش «تكافل وكرامة» أو كما يطلق عليه المستفيدون «معاش السيسى»، تكافل للأسرة التى لا دخل لها وللأطفال فى التعليم بحد أقصى 3 أطفال، وكرامة للمسنين والمعاقين.
ويصل عدد المستفيدين من هذا المعاش إلى ما يقرب من 2 مليون و250 ألف أسرة بما يعادل 10 ملايين مستفيد، بالإضافة إلى ما يقرب من مليون 570 ألف أسرة تستفيد من معاش الضمان الاجتماعى بإجمالى دعم نقدى يصل إلى 17 مليارًا و500 مليون جنيه سنويا.
رقم ضخم إذا ما قورن بمعاشات الضمان الاجتماعى التى حصلت عليها الأسر الأكثر احتياجا خلال السنوات الماضية على الأقل، وإن بدت قيمة المعاش قليلة لكل أسرة، فهى تتراوح مابين 300 إلى 800 جنيه، حسب عدد الأطفال فى مراحل التعليم أو المعاقين فى الأسرة، لكن هذه الجنيهات غيرت كثيرا من التفاصيل اليومية لحياة أفراد هذه الأسر، بل ولطبيعة المشاعر المتبادلة بينهم، بما يجاوز بكثير قيمة الجنيهات نفسها.
حياة: «باحس إن لى ظهر بتسند عليه»
«حياة عبدالرحمن» واحدة من بين 45 ألف أسرة مستفيدة من معاش تكافل وكرامة فى مركز العياط بالجيزة وحده، والذى يتبعه 45 قرية ونجعاً، حياة لم تتجاوز 38 سنة، ولديها من الأولاد خمسة، فى ثانوى وإعدادى وابتدائى وحضانة، واستحقت معاش تكافل، لأن زوجها أرزقى، لا يعمل فى عمل ثابت، فى ورشة أو فى البناء، حسب المتاح فى قريتهم «بدسا»، فى حالة توافر العمل.
حياة تحصل على 600 جنيه، بفيزا تصرفها من مكتب البريد، عبر الموظف وليس من خلال الماكينة، تقول «المبلغ ده سهل على حاجات كتير، يعنى حتى لما بتزنق فى المصاريف، وآخد حاجة من بقال أو أى حد استلف منه، باقول وأنا ماليه إيدى، هردها يوم 15 يوم ما أقبض المعاش من البوستة، أو اشترى حاجة بالقسط، وأنا ضامنة إنى هلاقى أدفع كل شهر، الأول ماكانش حد يرضى يسلفنى، باحس إن بقى لى ظهر اتسند عليه».
حياة هوايتها الخياطة، وتتمنى أن يتوافر لديها ما تشترى به ماكينة خياطة، لتشغلها كمشروع تزيد به دخل أسرتها، أو أن يأتى القرية فرص قروض للسيدات، تشترى بها الماكينة، فكل ما يهمها هو أن يكمل أطفالها تعليمهم» ما اتعلمتش زى بنات كتير فى البلد، لأن الأهالى زمان ماكانتش بتعلم البنات، دلوقتى كل البلد بتدخل أولادها وبناتهم المدارس، حتى لما بنتزنق الصبيان بيشتغلوا يوم أو يومين فى ورش الطوب، عشان المعايش والدروس الخصوصية فى آخر السنة».
«أمانى: ريح بالى وشال عنى هم المدرسة»
فى منطقة السواح بالقاهرة تعيش «أمانى عبدالمقصود» التى بلغت 44 سنة، وهى واحدة من اللاتى يحصلن على معاش «تكافل» أو كما يسمونه «معاش السيسى»، أم لثلاثة أطفال الأول والثانى فى المرحلة الابتدائية، والأخير عمره عامان.
زوج أمانى كبير فى السن ولا يقوى على العمل طوال الوقت، تحكى أمانى عن ظروف زواجهما: «أنا من المنصورة اتجوزت قريبى وجيت معاه مصر علشان فيها ظروف أحسن للشغل، جوزى أرزقى يوم يشتغل ويوم قاعد فى البيت، كمان هو كبير فى السن وصحته على قده، فبقيت أنزل شغل عند ناس فى البيوت، لكن تعبت قوى فى الحمل، بس كنت مضطرة، وفضلت أشتغل، كنت أقعد الشهر الأخير فى حملى وأنزل الشغل قبل ما أربعن».
سمعت أمانى عن معاش تكافل وكرامة، وقدمت الأوراق المطلوبة وقبلت «طبعا دى نعمة كبيرة قوى، بيصرفوا لى 550 جنيهًا، اللى يخصنى منهم 300 جنيه، والباقى مخصصين للعيال اللى دخلوا المدرسة».
تأخذ أمانى نفسا عميقا، وتشرح كيف أثر هذا المبلغ فى حياتها: «طبعا المبلغ ده ريح لى بالى وشال عنى هم مصاريف المدرسة والكتب، بقيت مطمنة إن العيال حتقدر تتعلم، وأنى مش حأنزل الشغل كل يوم، وساعات مبنزلش الشغل خالص خصوصا فى الصيف، بتبقى المصاريف أقل، وبقدر أشيل قرش على جنب يساعد لما العيال تدخل المدرسة».
أم كريم: «عايزة ولادى يتعلموا عشان يبقوا أحسن منى»
ومن السواح إلى دار السلام، فى بيت «أم كريم» التى لم يتجاوز عمرها 40 سنة، متزوجة من سائق توك توك ليس مملوكا له، وأم لثلاثة أولاد فى ثانوى وإعدادى وابتدائى، تحكي: «قدمت زى ناس كتير وقبلت، بعدما أثبت إن لا أنا ولاجوزى عندنا شغل ثابت، باخد 600 جنيه، 300 ليا، والباقى لأولادى اللى فى الثانوى وإعدادى أكتر شوية من اللى فى ابتدائى، يعنى معاش اللى فى ثانوى 120 جنيهًا وإعدادى 100 وابتدائى 80 جنيهًا، طبعا مهم جدًا، لأن أهم حاجة مصاريف المدرسة والمجموعات المدرسية، المبلغ اللى يخص العيال باركنه على جنب علشان مصاريف المدرسة، أنا عايزة أعلم ولادى ومش عايزاهم يتشردوا، نفسى يبقوا أحسن منى ويبقى عندهم وظيفة وما يشوفوش اللى أنا شفته، وأهو اللى بييجى من شغل أبوهم بناكل ونشرب بيه، لكن مابنقربش لفلوس المدارس».
أم رزق: «معاش السيسى ضمن لى ثمن الدواء»
أم رزق من طنطا وتعيش مع ابنها فى المرج، عمرها تجاوز الستين عاما بأعوام، مطلقة من أكثر من عشرين سنة، تحكى قصتها قائلة: «بعد ما طلقنى أبوالعيال فضلت قاعدة فى البلد، لحد ما تعبت جه ابنى الكبير اخدنى أعيش عنده، وهو حمله تقيل عنده بيت وعيال وأنا ست كبيرة معرفش عندى ستين ولا سبعين سنة ولا كام مش عارفة».
ومع هذا تشعر أم رزق بأن معاش «كرامة» فرحها، أنا عيانة، كل شهر بيقبض لى ابنى المعاش، أنا موكلاه، باخد 300 جنيه ما بيزدوش، بياخدهم ابنى يجيب لى بيهم الدواء، أنا عندى الضغط والسكر والروماتيزم لو مخدتش الدواء نار تدق فى دماغى وفى جتتى والدنيا تلف بيا، علشان كده خصصت المبلغ للدواء، الحمد لله معاش السيسى ضمن لى ثمن الدواء عشان ما يبقاش عبء على ابنى، ولقمتى وهدمتى مقدور عليها وربنا يبارك لى فى ابنى ويقدره».
«نادية :عايزة بنتى تاخد معاش الكرامة»
«باخد معاش 413 جنيهًا عشان جوزى متوفى، وبنتى بتاخد معاش 445 عشان مريضة وقالوا لى هاتيلنا ورقها عشان نحولها لتكافل وكرامة»، هكذا قالت نادية سيد والدة «هدية ربيع» القاطنة بمدينة الحوامدية بمحافظة الجيزة، والتى تسعى حاليا لتحويل معاش ابنتها لتكافل وكرامة، فالابنة مريضة بتأخر النمو العقلى، وتشارك فى جلسات أسبوعية نتيجة لمرضها.
نادية أم لثلاثة أبناء وليس لها دخل سوى معاشها، واضطرت لأن يترك ابنها المدرسة «ياريت لو المعاش يزيد شوية، أنا أرملة ومابشتغلش وابنى ساب المدرسة عشان علاج أخته بيكلفنى 700 جنيه كل شهر، وهو بيشتغل بمبلغ لا يتعدى 250 جنيهًا شهريا من شغله فى الورشة.
منى: «ياريت المعاش جه قبل ما بنتى تطلع من المدرسة»
إلى العياط نعود مرة أخرى، فى قرية «بدسا» رزقت منى سلامة، التى تبلغ 37 عاما، بتوءم ضعيف النظر، يدرسان فى الابتدائى، وابن آخر فى الأول الإعدادى، لكنها قبل عامين اضطرت لأن تخرج ابنتها من التعليم، بعد حصولها على الإعدادية، لأنها لاتملك ما تنفق به على تعليمها فى الثانوى، رغم تفوقها.
منى حصلت منذ أكثر من عام على معاش «620 جنيه تكافل» بعد أن قدمت أوراقا تثبت أنه لادخل لها، وأن زوجها لايعمل طوال الوقت لأن ظهره يؤلمه، ولا يقوى على العمل فى الفلاحة أو الورش يوميا، تحكى «والدتى ست غلبانة، فقدت نظرها حزنا على والدى، وإخواتى كل واحد مقضى نفسه، كان نفسى المعاش يجيلى قبل مابنتى تطلع من التعليم، عشان ما تبقاش زيى، نفسى أصلح بيتنا عشان لما المطر ييجى السقف ماينزلش الميه علينا، لكن أهم حاجة إن ولادى اللى فى المدارس مش هيطلعوا».
فايز:«يوم صرف المعاش كأننا فى فرح ستات قدام مكتب البريد»
«أول مرة يبقى فيه معاش من الحكومة لأسرة، زوج وزوجة وأطفال، لأن المعاشات اللى قبل كده كانت للأرملة أو المطلقة أو المهجورة ولازم تثبت إنها مهجورة وده صعب، خاصة فى الأرياف عشان كلام الناس، وأول مرة يبقى فيه معاش باسم الست» قالها فايز عبدالحى صديق، مسئول تكافل وكرامة بوزارة التضامن الاجتماعى فى العياط.
يصف فايز يوم 15 من كل شهر فى مكتب البريد بالقرية: «يوم صرف المعاش بيكون كأننا فى فرح ستات فى مكتب البريد، لأن السيدة هى اللى لازم تصرف بنفسها قدام الموظف، لأن لو هتصرف من ماكينة كان جوزها أخد منها الفلوس وعمل بيهم أى حاجة، دلوقتى لو واحدة عندها مناسبة ممكن تجمع 20 ألفًا أو 40 ألفًا وهى واقفة قدام مكتب البريد، من جيرانها وتردهم فى الأفراح والمناسبات، زيهم زى الرجالة، اللى بيعملوا عندنا عادة «فرح نقوط» بدفتر يدون فيه كل واحد ما ساهم فيه فى مناسبة أحدهم، لترد إلى صاحبها فى أقرب مناسبة سعيدة عنده.
يؤكد فايز أن نظرة الزوج إلى زوجته التى تحصل على معاش تكافل وكرامة من الدولة، تغيرت، أصبح لها تقدير خاص عند زوجها «كان فى زوجين على وشك الانفصال، ولما عرف إنها هتصرف المعاش لأول مرة رجعها تانى وعايشين مع بعض، المعاش ده جه على الناس الغلابة وطبطب عليهم، الحياة فى القرى صعبة وفرص العمل شحيحة». •