الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الفلاحون: سواعد هزيلة بس فيها حيلة

الفلاحون: سواعد هزيلة بس فيها حيلة
الفلاحون: سواعد هزيلة بس فيها حيلة


كتب:  حسن بدوى
 «اللى أكله من فاسه.. قراره من راسه» عبارة فصيحة تنطبق على الفرد والمجتمع معاً، دائماً كان يرددها فلاح مصر الفصيح الراحل، عبدالمجيد الخولى،ابن قرية كمشيش صاحبة أشهر معركة بين الفلاحين والإقطاع منذ ستينيات القرن الماضى.
الفلاحون المصريون هم الذين وصفهم الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم بأنهم «سواعد هزيلة لكن فيها حيلة.. تبدر تخضر جفاف الربوع»، وقال عنهم الشاعر زين العابدين فؤاد إنهم «بيغيروا الكتان بالكاكى،ويغيروا الكاكى بلون الدم، وبيزرعوك يا قطن ويا السناكى وبيزرعوك يا قمح سارية علم».
الفلاح المصرى هو أحد أهم مكونات الشخصية المصرية، ومعروف عنه ارتباطه بأرضه ودفاعه عنها باستماتة، ومن ارتباطه القوى بالأرض تشكل وجدانه وانتماؤه الوطنى،ولهذا كان أبناء الفلاحين دائما القوام الرئيسى لجيش مصر الوطنى،سواء فى العصر الفرعونى،قبل تفكيك الجيش مع الاستعمار البطلمى والعثمانى الذى اعتمد على العسكر المماليك المرتزقة من خارج مصر، أو فى عهد محمد على عندما اتجه لبناء جيش وطنى من الفلاحين والاهتمام بالزراعة والصناعة والتعليم، وكان هذا الجيش بقيادة ابن محافظة الشرقية، أحمد عرابى،أول من ثار ضد سلطة الخديو مطالباً بالحياة النيابية ورافضاً هيمنة «لجنة الدين» الإنجليزية الفرنسية على ميزانية مصر ووجود مفتشين أجانب على الميزانية. وتحالف الإنجليز والخديو وكبار الملاك ضد ثورة عرابى، وكان سندها الفلاحين الذين قسموا ما يملكونه من محاصيل ومؤن نصفين، نصف لبيوتهم ونصف لجيش عرابى الذى يحارب الإنجليز. وامتد دور الفلاحين المصريين عبر التاريخ ليؤكد أنه كان محركًا للثورات الاجتماعية والوطنية، فقد قام الفلاحون بالإضراب عن العمل بنظام السخرة أثناء حفر قناة السويس فى عام 1862، وعدم إعطائهم أجورًا لعملهم مع سوء الأحوال المعيشية، واضطر المسئولون عن حفر القناة إلى تحديد أجر للفلاحين، وتحسين معيشتهم نسبيًا، وتوفير مياه الشرب لهم.
وفى ثورة 1919 تكاتف فلاحو زفتى مع مثقفيها وأفنديتها وأعيانها، بقيادة يوسف الجندى لإعلان جمهورية زفتى، وأعلنوا الاستقلال عن السلطة وشكلوا مجلسًا وطنيًا أدار شئون المدينة والقرى المجاورة لها، اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، حتى انتهت الثورة بتولى حكومة سعد زغلول الوفدية تشكيل الحكومة. وكان الحزب الوطنى قبل ثورة 1919 بقيادة محمد فريد قد تبنى قضايا الفلاح، فاهتم بتشكيل الجمعيات التعاونية والنقابات الزراعية والمدارس الأهلية، وجاءت ثورة 23 يوليو لترفع القيود والأغلال عن أعناق الفلاحين بإصدار أول قانون للإصلاح الزراعى فى يوم 9 سبتمبر 1952، بعد أقل من شهرين على قيام الثورة، وهو اليوم الذى اعتبر عيداً للفلاح توافقاً مع صدور هذا القانون وذكرى ثورة عرابى معاً، وبموجب هذا القانون تم إعادة هيكلة الملكية الزراعية بين الملاك والمزارعين، ليصبح الفلاح الأجير والمعدم مالكًا لأرض يزرعها لنفسه ولأسرته وليس لكبار الإقطاعيين، واهتمت الثورة فى الخمسينيات والستينيات بتوفير مياه الشرب النقية للقرى وإنارتها، خاصة بعد بناء السد العالى،وانتشرت فى القرى الوحدات الصحية والمدارس الحكومية ومراكز الشباب والجمعيات التعاونية الزراعية، ونشأ بنك التسليف الزراعى وكانت مهمة الجمعيات والبنك فى تلك السنوات تزويد الفلاحين بمستلزمات الإنتاج (بذور وأسمدة ومعدات وخلافه) بأسعار مناسبة، وتجميع المحاصيل منهم، خاصة القمح والقطن بأسعار جعلت من موسم جمع القطن موسماً لتزويج البنات والأبناء وكسوة العيال.
غير أن أحوال الفلاحين تدهورت، منذ النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى،بعد انتهاج سياسات جديدة حولت بنك التسليف الزراعى إلى بنك للتنمية والائتمان مهمته الإقراض وتحقيق الأرباح، وأفسحت المجال لمناخ فسدت فيه الجمعيات التعاونية تحولت فيه إلى مقرض آخر، ومساندة كبار الملاك فى استعادة ما منحه قانون الإصلاح الزراعى للفلاحين من أراض، فصارت العديد من القرى والمحاكم ساحات صراع وقتال وقضايا ضد صغار الفلاحين، وارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج لتصبح عبئاً على الفلاح مع ضعف أسعار توريد المحاصيل الرئيسية التى لم تعد بدورها محور اهتمام الدولة، وانتهت الدورة الثلاثية والإرشاد الزراعى، وتم إهمال الترع والمصارف التى تحولت إلى مقالب زبالة ومستنقعات ومصدر لانتشار الحشرات والأمراض، وخلت بعض الوحدات الصحية من إسعافات أولية ومن الأدوية، بل إن بعضها يكاد يكون مغلقاً وبلا أطباء، وتحول التعليم إلى عبء إضافى مضاعف على أسر الفلاحى. ورغم ذلك.. يظل من تبقى من الفلاحين، متشبثاً بأرضه زارعاً منتجاً، ويعتبر أنه بدونها عريان، جزءاً رئيسياً فى تكوين الشحصية المصرية المرتبطة بالأرض وبالوطن.•