فن رجائى ونيس للحياة!
جمال هلال
فنان من طراز نادر، رسومه لها مذاق خاص، متفرد فى رؤيته وحساس ولا يكرر نفسه، العين لا تخطئ أعماله منذ الوهلة الأولى، بارع فى رسم بورتريه الكاريكاتير بطريقة مدهشة، ويرسم الموضوعات الأخرى بخطوط معبرة ومميزة ومليئة بالبساطة والعاطفة.
سمعت اسمه أول مرة من أستاذى الفنان الراحل جمال كامل، والذى كان يكن له إعجابًا كبيرًا، وكان يعلق على جدران منزله لوحتين بريشة الفنان رجائى، الأولى جمال كامل بريشة رجائى والثانية كاهن يابانى رسمه رجائى بالحبر الشينى فى رحلته الشهيرة لليابان.
عرفت أن الفنان رجائى مهاجر لأستراليا منذ سنوات طويلة حيث يعمل فى مستشفى لعلاج المرضى النفسيين بالرسم، كنت مندهشًا لماذا يترك فنان موهوب حصل على النجاح والشهرة فى بلده وهو لازال فى العشرينيات عندما عمل فى «صباح الخير» وهو طالب فى الفنون الجميلة، يترك كل هذا ويذهب بعيدًا ليعمل فى علاج المرضى النفسيين.
كنت أترقب رسومه التى يرسلها من آن لآخر لأصدقائه فى «صباح الخير» أمثال د.مصطفى محمود والفنان جورج البهجورى والكاتب مفيد فوزى، كان يرسلها فى شكل خطابات مرسومة، أذكر أنه أرسل خطابًا لصديقه وزميله فى رحلة اليابان مفيد فوزى، ومع الخطاب رسم معظم أصدقائه فى «صباح الخير» أعجبتنى جدًا تلك الرسوم وبدأت أبحث عن أعماله فى مجلدات «صباح الخير».
وجدته متميزًا وسط زملائه الفنانين، جورج البهجورى وصلاح جاهين وبهجت وإيهاب، استرعت انتباهى وإعجابى البورتريهيات التى رسمها لصديقه الكاتب د.مصطفى محمود، وجدت أنه كان يرسم له بابه «يوميات نص الليل» ورسم كل كتبه ومقالاته.
التحول المهم فى حياة الفنان رجائى ونيس بدأ عندما سافر مع مفيد فوزى لليابان عام 1960، أطلق رجائى على تلك الرحلة رحلة المصير، لقد وقع رجائى فى غرام هذا البلد وقضى ما يقرب من ثلاثة أشهر فى تلك الرحلة، لقد أحب اليابان حيث وجد فيها الجمع بين القديم والحديث، بين عراقة المعابد القديمة وجمال العمارة الحديثة، كان حلمه دائمًا أن يكتشف العالم كرحالة، وكانت تلك الرحلة هى بداية الانطلاق، فى نهاية الرحلة تلقى عرضًا لإقامة معرض لرسومه التى أبدعها فى اليابان، كان أول معرض لفنان مصرى هناك.
عاد إلى اليابان مرة أخرى بعد أن تلقى منحة لدراسة فن الحفر بكلية الفنون هناك ما كان يرسم فى الصحف ويقيم المعارض كى يستطيع أن يعيش، ومثلما ترك الفنان العالمى جوجان باريس ليهاجر إلى جزر تاهيتى بحثًا عن الطبيعة البكر لإبداع فن جديد، كانت رحلة اليابان لرجائى ونيس مثل تاهيتى لجوجان، بعد أربعة أعوام من الإقامة بها، ولكنه يتركها ويذهب إلى استراليا عام 1968 بعد قصة حب مع أم أطفاله التى ذهب معها إلى قارتها البعيدة.
كان يؤرقه دائمًا سؤال: ما هى رسالة الفن فى حياتنا؟ وما فائدة الرسم؟ كان يبحث عن وظيفة للفن فى الحياة، وقام هناك بتأسيس أول وحدة للعلاج النفسى بالرسم، لقد تحول إلى طبيب نفسى يعالج المرضى العقليين بالرسم، ويصبح المرضى أصدقاءه فيما بعد، لقد وجد الإجابة عن أسئلته فى علاج هؤلاء المرضى وأصبحت أستراليا وطنه الثانى.
يقول الفنانى رجائى «أنا أنتمى لأكثر من بلد مصر واليابان وأستراليا، أنا أنتمى لعالم الشرق الأوسط والشرق الأقصى والعالم الغربى، أنا أنتمى لهذا العالم بشكل مؤقت وللعالم الروحى بشكل دائم!».