الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

د. عبدالحكيم راضى بعد جائزة الدولة التقديرية: لا بُدَّ من خط ساخن للغة العربية

د. عبدالحكيم راضى بعد جائزة الدولة التقديرية:   لا بُدَّ من خط ساخن للغة العربية
د. عبدالحكيم راضى بعد جائزة الدولة التقديرية: لا بُدَّ من خط ساخن للغة العربية


 حاز د. عبدالحكيم راضى عضو مجمع الخالدين (مجمع اللغة العربية) والأستاذ المتفرغ بكلية الآداب جامعة القاهرة على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، وقد نالها د. عبدالحكيم بجدارة لجهده الوافر والمستمر فى مجال حماية اللغة العربية، وجهوده العلمية اللافتة التى تمثلت فى مؤلفات متميزة منها: «الأبعاد الكلامية والفلسفية فى الفكر البلاغى والنقد عند الجاحظ»، و«نظرية اللغة فى النقد العربى»، و«ظاهرة الخلط فى التراث البلاغى النقدى بين المعنى، والمعنى الاجتماعى»، و«فكرة الابتكار فى النقد العربى».

لغتنا الجميلة قضيته الحيوية والأساسية التى يقول لى عنها: «نحن أبناء الفصحى بنا ترقى فهى نتاج حضارة ومعارف المتكلمين بها تغنى بغناهم، وتتنوع بتنوع معارفهم وما يستجد من علومهم، ليس هناك لغة ضعيفة ولغة قوية» سألته : وهل هناك اتهام ما يوجه للغة العربية؟!
قال : «هناك من أبنائها من يتهمها بأنها لم تعد لغة العصر, وهو اتهام فى غير محله لأن اللغة مفعول به، تثرى باستعمالات أبنائها، وتتفتح مع تفتح أفكارهم، وعلى سبيل المثال قرأت كتابا لشريف الشوباشى بعنوان : «لتحيا العربية.. يسقط سيبويه»!
 لقد كان «سيبويه» أكثر تفتحا فى استخدام اللغة العربية، ورؤية المؤلف أو قوله أن اللغة العربية مسئولة عن جمود أفكار العرب وتوقف تقدمهم فكرة ليست على صواب، واتهام بغير حق، نحن مقصرون فى حق لغتنا الأم، وحمايتها ليست مسئولية مجمع اللغة العربية وحده بل مسئولية المجتمع كله.
خط ساخن !
 قلت: لذلك طالبت من خلال مجمع اللغة العربية بإنشاء خط ساخن للغة العربية؟.
 قال: «نعم، كان هذا أحد اقتراحاتى التى تضمنتها كلمتى عند قبولى عضوا فى مجمع اللغة العربية عام 2009، ولا أزال أرى أن هذا ضرورى لمساعدة وتصويب ما قد يقع من أخطاء فى اللغة نطقا أو كتابة أو تصريفا، أو إعرابا ويكون هذا الخط فى خدمة كل من يسأل سؤالا عن لغتنا الجميلة تماما كما يسأل الناس ويستشيرون فى القنوات الفضائية فيحصلون على استشارات طبية أو اجتماعية أو غيرها.
لغة الإعلام
 وأرى أيضا أن يكون هناك من يلاحظ أداء الإعلاميين، خصوصًا مقدمى نشرات الأخبار، ويكون ذلك من خلال جهة تهتم باللغة العربية وأداء الإعلاميين وأن تكون موجودة فى مبنى الإذاعة والتليفزيون نفسه بل أن يكون هناك من يوجه المذيع قبل قراءة نشرة الأخبار حتى يكون الأداء صحيحا ومناسبا.
الفصحى مسئولية المواطن
 ويؤكد د. عبدالحكيم راضى على أن لغتنا الجميلة مسئوليتنا نحن كمواطنين فيقول: «إن مدارس اللغات تجلد المواطنين بأسعارها الباهظة، ويلذ لهم هذا العذاب!، فى سبيل أن يتخرج أبناؤهم خواجات، ولا ألومهم فى هذا لأننى أعرف أن جهات العمل والمؤسسات الاقتصادية المختلفة تحرص جميعها على اشتراط اللغات الأجنبية فيمن يتقدم إليها.
 لكن المؤسف أن أولياء الأمور يجعلون إتقان أولادهم للغات الأجنبية مقابلا لإهمال اللغة العربية وكأنه لا يمكن تعلم اللغة العربية وحبها وإقناع الأبناء بممارستها فى النادى ومع الأصدقاء وفى المنزل جنبا إلى جنب مع اللغات الأخرى.
خطة للعناية بالفصحى
 ويقول د. عبدالحكيم : «إنه لا بُدَّ من خطة للعناية والاهتمام بحماية الفصحى من خلال وزارة التربية والتعليم، ونحن من خلال لجنة اللغة العربية فى التعليم وهى من أنشطة مجمع الخالدين نطمح أن تكون هناك لجنة للغة العربية للعناية بها فى كل مناشط الحياة فى المجتمع نفسه.
 فلا بُدَّ من العناية بمقررات مناهج اللغة العربية فى مدارس الوزارة المختلفة بما فيها مدارس اللغات، والمدارس الأجنبية، وأن يكون لمجمع اللغة دوره فى التوجيه ومراقبة أوضاع اللغة العربية فى مؤسسات التعليم المختلفة.
شرط إتقان الفصحى
 ويضيف بأن ليس هناك وظيفة تشترط إتقان اللغة العربية ولا حتى وظيفة مدرس اللغة العربية!، لذا لا بُدَّ من وجود اختبار الكفاءة اللغوية.
 ومن جانب آخر لقد أصبحت سوق العمل شبه مغلقة أمام القائمين والمشتغلين باللغة العربية باستثناء مهنة التدريس!
 فإذا أردنا أن نشجع دراسة الفصحى فلا بُدَّ أن نجعل من خريجى أقسامها نجوما فى المجتمع بتحسين أوضاعهم وإلقاء الضوء على جهودهم.
إن من لا يتقن اللغة العربية لا يستطيع أن يعرف الكثير عن قيم المجتمع وحضارته وما كان فيه من عناصر التقدم والاستنارة، لقد كانت الفصحى، وكان الشعر أحد علومنا وآدابنا وتميزنا، وهناك مقولة لعمر بن الخطاب يقول فيها : «كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه».
 ففيه تاريخهم، وأنسابهم، وعاداتهم وتقاليدهم، فكيف نفهم أنفسنا إذا لم نكن نعرف تاريخنا والوعاء الذى يحتويها وهو لغتنا الجميلة وآدابها؟
لغتنا حية وطوع إرادتنا
 ويضيف : «إتقان اللغة وحبها ومصاحبتها، والإقبال على القراءة بها ليس مجرد معرفة قواعدها، وحفظ القواعد النحوية بل إتقانها مهارة وممارسة ولذلك أقول لمن يريد أن يبرع فيها أن يصبح صديقا حميما لها، أن يحبها ويُقْبِلَ على نصوصها الجيدة، فعلينا بالقراءة ثم بالقراءة، وعلينا أن ننتقى ما نقرأ فنعرف بم نبدأ؟، وبم نثنى ؟.
 فيمكن قراءة نصوص من الفصحى بمستوياتها الرصينة والسهلة معا مثل كتابات المنفلوطى وحافظ إبراهيم، وأحمد شوقى، ومطران خليل مطران، وإبراهيم ناجى، وعلى محمود طه، وصلاح عبدالصبور، ونجيب محفوظ، وطه حسين.
.. اللغة ممارسة ومهارة قبل أن تكون حفظا للقواعد، ونحن – متكلمى اللغة – الذين نتطور فى أفكارنا، ومداركنا وشتى ألوان معارفنا ثم نحاول التعبير عن ذلك كله، ونجتهد فى هذا التعبير، وعندئذ ستستجيب لنا اللغة وتصبح طوع إرادتنا، وهذه هى وسيلة التطوير.
 بإمكاننا جميعا أن ندخل فى إطار الفصاحة، والفصاحة هى الخلو من كل ما يعيب اللغة، وأن تخلو من التنافر ومن الغرابة، ومن الخطأ الصرفى. لغتنا ملكنا ونحن الذين نسهلها ونحن الذين نصعبها.
اختبار الكفاية اللغوية
 سألته عن الجهود المبذولة فى مجمع اللغة العربية لحمايتها فقال:
 «كل دور لأى مؤسسة قابل للتطوير، ولا شك أن المجمع يسعى للقيام بدوره المنوط به وهو حماية اللغة العربية والعمل على جعلها مواكبة للعصر، ومسايرة لظواهر التقدم والتطور فى مجتمعها، والمجمع دورة بعد دورة يطوِّر ويفعِّل آلياته لحماية الفصحى ومن ذلك القانون الذى يسعى المجمع إلى إصداره لحماية اللغة العربية، وكذلك يجرى العمل على إعداد اختبار الكفاية اللغوية الذى يسعى المجمع عن طريقه إلى ضمان مستوى لغوى مناسب يتمتع به المواطن الذى يلتحق بالأعمال الحكومية والأنشطة المختلفة.
لغتنا الأم
 سألته عن المقترحات التى من شأنها النهوض بتعليم اللغة العربية ومنها ما يثار حول تدريس اللغات الأجنبية للأطفال فى سن مبكرة كما هو الحال الآن، وهل ينبغى ألا يبدأ تدريس اللغات الأجنبية للأطفال إلا بعد مرحلة عمرية معينة – ولتكن المرحلة الابتدائية ليعرفوا ويتمكنوا من لغتهم الأم أولا؟
 فقال : «هذا سؤال أتعب المهتمين، أعرف أن كثيرا من التربويين وعلماء النفس يفضلون الانتظار لتدريس اللغات الأجنبية للطفل العربى إلى مرحلة عمرية أكبر مما هو الحال الآن، لكن يبدو أن ظروف المجتمع المصرى والعربى عموما؛ خصوصًا الظروف الاجتماعية والاقتصادية تشكل عاملا ضاغطا ضد العمل بهذا الرأى، ولأنه ليس هناك مجال لتطبيق هذا فأتصور أن علينا العمل على حماية حق لغتنا العربية فى الوجود والانتشار والتمكين لها قدر المستطاع، وذلك بأن نمنع منعا قاطعا أن يجور تعليم اللغات الأجنبية على نصيب لغتنا العربية فى برامج التعليم عامة وفى برامج مدارس اللغات، والمدارس الأجنبية بصفة خاصة، هذا ما نملكه وهناك أفكار أخرى عديدة يمكننا بها تحسين أداء الناس، وتقريب الفصحى إليهم، فيتحدثونها حبا عن قناعة، فمثلا يمكن أن تكون الأندية الرياضية مكانا لعقد الأمسيات الثقافية وإجراء المسابقات الأدبية المختلفة فى الشعر والقصة وغيرها وكذلك فى المدارس، والجامعات، ومراكز الشباب على مستوى المحافظات مما ينشط العقول ويصقل الملكات الأدبية».
...لغتنا العربية نمتلكها كما كان القدماء يمتلكونها، ومن حقنا أن نضيف إليها، ونطورها كما قال عميد الأدب العربى طه حسين، بنا تتطور، وبنا تصبح وعاء المستقبل يحمل تراثنا وثقافتنا إلى الأجيال القادمة.
 وفى الوقت نفسه يمكن للغتنا الجميلة أن تصبح هى نفسها روح العصر.•