الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شخصية مصر.. التحدى وأفعل التفضيل

شخصية مصر.. التحدى وأفعل التفضيل
شخصية مصر.. التحدى وأفعل التفضيل


كتب: د. خالد عزب

منذ عصور سحقية تمتد إلى 200 ألف عام قبل الميلاد، حيث سكن الإنسان فى أرض مصر، والمصرى فى تحدٍّ مستمر، هذا التحدى الذى لا يُفارق هذا الإنسان جعل منه إنسانًا صلبًا يَقبل كل التحديات والصعاب، ووَلّدَ هذا لديه حب أفعل التفضيل وكل شىء ينجزه لا بُدّ أن يكون: أكبر: أعظم: أفضل: أرقى: أوسع: أطول:... إلخ.
لذا فالتركيبة الداخلية لهذا الإنسان يصعب إرضاؤها مَهما أنجز أى حاكم أو حكومة، لا تُفكر فى التركيبة الطبقية المتراكمة لهذه الشخصية، وعلى كل مسئول أن ينظر فى داخل النفس المصرية الناقدة- إلى حد كبير- منذ العصور الفرعونية السحيقة.
فالمصريون استخدموا السخرية المباشرة وغير المباشرة سواء نقد المجتمع أو السُّلطة، وظل هذا ديدن الشعب المصرى حتى اشتهر بالنكتة، التى يراها البعض خفة دم، بينما هى فى حقيقة الأمر قدرة لا متناهية للتعبير عن رأيه بعدة وسائل.
لكن هذه الشخصية التى روّضت نهر النيل بفيضانه الذى كان يغمر الأرض ليهرب  المصرى إلى المرتفعات، ومع الزمن والدربة بدأ المصرى يتعامل مع هذا النهر، ليصيغ حضارة عبّر عنها بأعظم وأكبر بناء هو الهرم، الذى طوّر بناءه لسنوات حتى وصل إلى هرم خوفو إحدى معجزات العالم، ولم يكن إنجاز المصرى فى البناء إلا مرآة لتقدّمه فى الكيمياء والفلك والطب والرياضيات.
هذا المصرى يتميز بقدرته على امتصاص أى وافد أراد العيش على أرض مصر، لكن مصر كانت دائمًا تفرض شخصيتها على هذا الوافد حتى تعطيه صبغتها، فهؤلاء اليونانيون الذين قدموا إلى مصر منذ عصر الأسرة 26 الفرعونية، سرعان ما أصبحوا مصريين، سكن هؤلاء شمال دلتا النيل وساحل البحر المتوسط، وحينما دخل الإسكندر الأكبر مصر وأسس مدينته الإسكندرية وورثه البطالمة، عُدّت دولة البطالمة دولة مصرية، ورموزها الدينية والسياسية، حتى إيزيس التى وجدت منذ عصور ما قبل التاريخ فى المخيلة المصرية ظلت فى الحقبة البطلمية كما هى.
هكذا هى مصر تستوعب الوافد، هذا ديدنها إلى اليوم حتى حين سكنها اليونانيون فى القرنين 19، 20 الميلاديين صاروا خواجات مصريين، تمصّروا فاكتسبوا من مصر روحها.
حتى الأديان اليهودية والمسيحية والإصلاحية صارت فى مصر لها ملامح آتية من عمق الشخصية المصرية الضارب فى التاريخ، فعلى سبيل المثال موالد الأقباط هى نفسها موالد المسلمين، كلاهما إمّا يحتفى بالقديس أو الولى.
تجسدت روح هذا المجتمع فى جدية الصعيدى المصرى المحب للعمل، الذى لديه القدرة على تحمُّل الشقاء والمعاناة والجلَد والصبر على الآلام مَهما كانت، لذا حين رفض المصريون الهزيمة فى 1967 والاستسلام لشروط العدو رأوا فى عودة جمال عبدالناصر للرئاسة ليقود مصر تحديّا للهزيمة ورغبة فى النصر لا الانكسار.
هذا شعب كرامته غالية، ويدفع المصرى الكثير ولا يتنازل عن هذه الكرامة حتى لو دفع عمره وما يملكه، فهل نحن سبرنا غور الشخصية المصرية وعرفناها عن حق فى حقيقة الأمر، الأمر يحتاج لمزيد من الدراسات والبحث.
فهذا المصرى الذى بنى مدرسة السُّلطان حسن كأكبر بناية شُيدت فى الحضارة الإسلامية، وبنى السد العالى، لايزال يطمح إلى الآن فى المزيد ليُشبع رغباته فى التفوق، أى إنجاز، وفى عصر السماوات المفتوحة ووسائط التواصل الاجتماعى، أصبح نقده لاذعًا قاسيًا، لأنه لايزال طامحًا للأفضل، ولا يقتنع إلا إذا أصبح بينك وبينه حوار مفتوح، فقد قامت حياته على الجَدل والمناقشة.
فهل حان الوقت لكى ندرك أن فقراء المصريين يطوعون كل شىء لكى يعيش حياة راضية، دون سؤال الناس، حتى الأمثال الشعبية (لقمة هنية تقضّى مِيّة) طوّعها حتى لا يَسأل أحدًا، محتفظًا بذاته وكرامته.•