الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من إبداعات المصرى القديم إلى رواد الحداثة

من إبداعات المصرى القديم إلى رواد الحداثة
من إبداعات المصرى القديم إلى رواد الحداثة


كتب: صلاح بيصار
من أعمق أعماق التاريخ إلى آفاق الحاضر.. ستظل الشخصية المصرية محيرة  بامتداد المساحات والمسافات، بطول الوادى واتساع الدلتا، قد تستعصى على الفهم، من سماتها التعدد فى الوحدة،
فيها التسامح والتصالح والقوة والحزم، وهى ساطعة سطوع شمس مصر، وهذا هو السر فى أن المصرى الذى علّم العالم عكس فى التصوير صور الحياة فى الدنيا والآخرة  وكتب له الخلود  مع النحت.
 ومن هنا والمتأمل لأيقونة الشخصية المصرية فى الفن، بما تزخر من شفرات ووشائج، يجدها غاية فى البساطة، أشبه بسهلها. غاية فى الوضوح باتساع الصحراء التى  تسمو بالنفس وقت الهجير،  وفى النهاية متوجة بالسحر الصوفى الذى جعلها تتعالى على الألم وتشدو بالترانيم والمواويل وأغانى العمل والخبيز  والطحين!
كان الفن دائمًا سباقًا وفى المقدمة من أول التاريخ.. وهو خلاصة الرؤية المصرية والقلب المصرى.. وخلاصة الطبيعة المصرية بنقائها وقوتها وجلالها ورحابتها.. ويعد توءم الزراعة التى أعطت الإنسان استقرارًا واطمئنانًا وكان المصرى رائدًا من روادها، وليس من السهل إدراك معنى «إيزيس وأوزوريس» بعيدًا عن نبتها الأصلى.
 والفن يظل دائمًا فى المقدمة يستشرف المستقبل ويقرأ فى كف الزمن ما لم تقله مجلدات الحروف والكلمات.
نفرتيتى والموناليزا
  يعد فن البورتريه «الصورة الشخصية».. مساحة متسعة تألقت بطول التاريخ..
ولقد تفاوتت الصورة الشخصية بين الضرورة الفنية والدينية والاجتماعية فكانت هناك صور الفراعنة على الجداريات وفى مجسمات وتماثيل تؤكد عمق الشخصية فى الفن المصرى القديم.
وبينما تعد لوحة الموناليزا أو الجيو كندة أيقونة الصورة الشخصية على مر العصور‏.. ‏ وهى أشهر لوحات فنان عصر النهضة ليوناردو دافنشى‏.‏. تعد نفرتيتى التمثال المتوج والملون.. أيقونة النحت بطول التاريخ.. شكلها أزميل فنان مصر القديمة «تحتمس» مع مجموعة تماثيل أخرى لها.. لكن تظل هى الأكثر روعةً وجمالاً.
ورغم أن هناك تشابهًا واضحًا فى حالة كل من الرائعتين.. الأولى محفوظة وراء حائط من الزجاج المضاد للرصاص بمتحف «اللوفر» بباريس   بعيدًا عن وطنها الأصلى إيطاليا.. أما الثانية فتقف بالمتحف المصرى ببرلين مغتربة عن أهلها وأحفادها بمصر.
إلا أن كل الدلائل تؤكد عظمة نفرتيتى وتفوقها على الموناليزا من الناحية التعبيرية.. بما يجعلها بالفعل جميلة الجميلات فى العالم.
والتمثال من الحجر الجيرى الملون بارتفاع 48 سم وعرض الصدر لا يزيد على20 سم.. وهو فريد فى ألوانه السبعة التى تجمع: الأزرق الوردى لون الجسم الأخضر أحمر الشفاه القانى الأصفر والأسود والأبيض.
يصور الجمال الهادئ لملكة مصر «نفرتيتى التى شاركت زوجها الملك «إخناتون» أول من نادى بالتوحيد فى التاريخ.. لأكثر من 18 عامًا فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
وجمال التمثال يكمن فى الخد الأسيل والعنق الفارع الطويل والشفاه الرقيقة الحالمة والنظرة التى تنساب من عينين لوزيتين.. بما يعد رمزًا عالميًا للجمال والأنوثة.. وإذا كان اسم نفرتيتى يعنى: الجميلة قد أتت.. فقد أتت مرة أخرى.. أتت وبلمسة جديدة وإيقاع آخر وأنامل تمثل لقاء الحضارات.. لقاء الشرق والغرب.. فمن مكان إقامتها بألمانيا ظهرت الفنانة «ايسا جينزن» مواليد 1948.. وهى فنانة مثالة «درست منذ عام 1970 الفنون الجميلة وفلسفة الفن».. وتتنوع أعمالها من التجهيز فى الفراغ والتصوير والفيديو والتصوير الفوتوغرافى والكولاج  .. وقد أضافت «جينزن» فى لحظة خاطفة تنتمى للألفية الثالثة نظارة من خلال تشكيلها «خمسة نفرتيتى» كل نظارة موديل.. ومن خلال تلك اللمسة بدت  نفرتيتى سيدة عصرية فى أناقة بيوت أزياء شانيل أو بيير كاردان!
وجوه الفيوم
وتمثل وجوه الفيوم بدراميتها الشديدة مساحة عميقة وصفحة شديدة التميز والتأثير فى تاريخ فن البورتريه.. وهى عبارة عن مجموعة الصور الشخصية التى رسمت للمصريين القدماء تعود للعصر الرومانى وتعكس روح الشخصية المصرية المفعمة بالدراما.. وكانت ترسم لهم قبل وفاتهم لتوضع مع رفاتهم حتى يمكن للروح أن تتعرف على أصحابها وقت البعث !..   ويكمن البعد الدرامى لتلك الوجوه فى  العيون المتسعة الشاخصة التى يحملها كل وجه.. والتى تتميز باتساع الحدقات تنقلنا إلى دنيا من السحر الكونى تقودنا إلى آفاق ما وراء المادة.. وكأنها تجيب بقوتها التعبيرية على هذا التساؤل الحائر: من أين وإلى أين تنتهى بنا الحياة؟!.. يذكر أن عالم النفس سيجمود فرويد كان يمتلك اثنتين منها، حيث تم تهريب العديد من هذه الأيقونات من وقت اكتشافها... واستمرت من القرن الميلادى الأول وحتى القرن الثالث الميلادى.
 الرواد الأوائل
وما زال مختار يعيش بيننا حياة لا يحدها الزمن.. بعد أن أطلق شرارة الإبداع النحتى المعاصر والتى امتدت من البحث فى جذور مصر القديمة واستلهام البيئة المصرية مع المؤثرات الغربية من النحت الأوروبى وشكّل من الجلباب والملاءة خطوطًا منغمة غنية بالدقة والبساطة والاتزان فيها روح الشخصية المصرية.. وقد تألقت تماثيله  من «نهضة مصر» إلى «الفلاحة».. صورها بوجوه عديدة من حاملة الجرة إلى العودة من السوق والقيلولة والحزن والراحة وكاتمة الأسرار ومصر وهى صور للشخصية  المصرية  وكانت الخماسين بملامح القوة والصمود والجلال.. صور فيها مصر تتصدى للرياح.
وتنفرد الراهبة «رائعة أحمد صبرى» بأسلوب لا نجد له مثيلًا بين لوحاته.. ما من لوحة فى مصر تشاركها هذا التألق الصوفى والجمال المثالى.. وهى تحمل وجهًا بيضاويًا وعينين بلورتين تنظران فى اتساع إلى ما وراء الأشياء.. تنظران إلى آفاق الكون.. أو هذا السحر الكونى.. وحيث تستسلم اليدان على الكتاب المقدس فى وداعة وسماحة ورضا.. تسمو الرأس فى شموخ وكبرياء.. أما المرأة فى أعمال محمود سعيد فهى باعثة الحياة.. ورمز الخصوبة كما فى ذات العيون العسلية وذات الجدائل الذهبية وذات الأساور وذات العيون الخضراء.. وسعيد  حين يتناول قريباته من الطبقة الأرستقراطية.. فإنه يخلع عليهن أقصى ما يستطيع من علامات الرقة والتحضر.. والتعفف والتفاؤل بالحياة.. بينما يتحررفى رسمه للنساء الشعبيات يجسد فيهن الشفاه المكتنزة والعيون الوحشية والجسد النحاسى وكأنما يجسد الروح والصورة لشخصية مصر الشعبية.
ومع مناظر يوسف كامل الريفية.. أبدع العديد من الصور الشخصية مثل لوحته البديعة وجه فلاحة والتى تتميز بالجمال الريفى  الطبيعى البسيط الذى ينجذب إليه كل من يتطلع إليها.. وتظل أعمال راغب عياد تجسيدًا للحياة الشعبية بخطوطه المتوهجة بالحيوية وشخوصه ذات السحنة المصرية مع موضوعاته للمقاهى والأسواق وموضوعاته الأخرى التى صور فيها الكنائس والأديرة والرهبان بأسلوب يشع بالروحانية والمصرية.. وتمثل  أعمال الفنان عز الدين حمودة مساحة شديدة التميز تجسد الشخصية المصرية فى جانبها الأرستقراطى مع نساء الطبقة المتوسطة..
ومن بين أعماله المعروفة «مدام صيدناوى وفاتن حمامة والرائدة هدى شعراوى» بأناقة فى التعبير ورهافة فى الأداء.
تلك بعض ملامح من الشخصية المصرية فى الفن تأكيدًا على التواصل الحضارى بامتداد حلقات التاريخ.. وتبقى الشخصية  المصرية فى جانبها الشعبى الذى ينتمى إلى الطقوس والعادات مساحة عميقة عكست الروح الشخصية متمثلة فى جماعة «الفن المعاصر» التى كان من أعضائها الجزار وندا وزملاؤهما وكان وراءها فنان معلم فى التربية الفنية الفنان المربى  حسين يوسف أمين.. الذى أكد بفكره على دور الفن وعلاقته بالمجتمع من ناحية  ودور التربية الفنية.. وفى أعمال جماعته من تلاميذه ما يمثل الشخصية المصرية بعمقها فى الزمن.
سلام على فنانينا من المصرى القديم إلى المصرى المعاصر.