الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هبوط من تحليق

هبوط من تحليق
هبوط من تحليق


بقلم: على بنه

• أنا خارج، هل ستحتاج شيئا أحضره معي؟
- لا أشكرك.. متى ستعود؟
• ما بين الساعة الثالثة والثالثة والنصف
- آه افتكرت، ابقى هات معاك شاى، لأنه على وشك الانتهاء 
خرج صديقى،  مغلقا وراءه باب الشقة،  التى استأجرناها  سويا،  لظروف عملنا،  فهى تتكون من غرفتين،  كل منا يستقل بواحدة عن الآخر،  جلست أفكر، من جديد، فى أحوال صديقى،  أمر ما يثير ريبتى، ويشعل تفكيرى،  أحتار،  فجأة، تطرأ  على فكرة،  تجحظ  لها عيناى،  فربما أعثر على شيء،  يدلنى على الحقيقة،  وينهى شكوكى،  أدخل غرفته التى تركها مفتوحة،  أدير عينيى  على كل  محتوياتها،  يتوقف نظرى، عند كومة من الأوراق،  على مكتبه،  أطالعها، أجدها مذكرات صديقى اليومية،  مع  حبيبته،  أقرأ فيها..
تصافحنا،  فى أول لقاء،  فوشت يدى لها بكل شيء ،  حاولت أن تفلت يدها، أبت يدى، أن تطلق سراحها،  فى إصرار أن تسلمها، اعترافى،  ورسائل حبى وأشواقى،  التى حملتها نبضاتى،  شعرت بحرارة يدها ترتفع،  وقتها أدركت، أنها استلمت أحاسيسى ومشاعرى،  قالت لى عيناها،  كنت أنتظر اعترافك،  فأنا ألف أهواك..
وفى موضع آخر أقرأ:
«ما من لقاء بيننا، إلا وتأتى مرتدية زيها،  بالألوان والموديلات،  التى أريد أن أراها بها، أنظر لحذائها،  لمكياجها،  لشنطة يدها،  تسريحة شعرها،  إكسسواراتها،  فأدرك أنه لا بد وأن يكون بيننا توارد خواطر،  وتيقنت من ذلك، حين اعترفت، أنها تستشعر رغباتى،  ويأتيها هاتف،  يطلعها على أفكارى،  قبل لقائى،  لذلك فهى تحرص أن تكون تصرفاتها،  وأقوالها، متوافقة مع ما أريد وأحتاج، فيزداد انبهارى وحبى لها،  يوما بعد يوم»..   
وفى صفحة أخرى أقرأ:
كأن القدر أراد أن يعوضنى بها عن معاناتى، تعاركى مع أحداث أيامى، حرمانى، شقائى، عذابى،  فسطعت فى سمائى،  كنجمة  مضيئة  فى  ظلمات حياتى،  تأتى،  فتشرق نفسى،  تذهب فتغرب روحى،  أقلب فى الأوراق، أعثر على خطاب،  كتبه لحبيبته، يقول فيه:
حبيبتى؛ أريد أن أعلن حبك للجميع،  فلماذا تصرين،  أن يكون حبنا سرا،  بينى وبينك، أتخشين الفارق الاجتماعى،  أتخشين والدك،  أيخجلك فقرى وشكلى،  أم هناك شيء آخر، لا تودين أن تصارحينى به.. أنا مستعد أن أواجه العالم كله، وأعترف بحبك، وما يمنعنى، هو إصرارك،  على أن يكون حبنا سرا،  لحين أن تسمح الظروف،  وتقنعى والدك، وحياة حبنا صارحينى بالحقيقة»..
يزداد فضولى،  أستمر فى تقليب أوراق المذكرات، يقفز من بينها أمامى، رسالة مكتوبة منها له، أقرأها:
- يا نهار أسود، يا نهار أسود
أتوقف عن القراءة،  تصفعنى الحقيقة،  تأكدت شكوكى،  أشرد بتفكيرى،  أذهب فى لجة من الأفكار،  فماذا أنا فاعل،  أنظر فى عقارب الساعة، الآن هو على وصول،  فأرفع صورة حبيبته من على الحائط،  وألملم أوراق المذكرات،  وأضعهم فى كيس من البلاستيك،  وأخفيه فى مكان آمن،  بغرفتى،
أغادر الشقة، أترجل على غير هدى فى الشوارع،  يسيطر على القلق،  وأعيد التفكير،  فى الحل الذى بدأته،  أعود فى التاسعة مساء،  أجد صديقى مهموما غاضبا، يهمهم بكلمات لم أتبينها ، أقول له:
• ماذا بك، آراك غاضبا وعلامات الألم تملأ وجهك؟
- رحلت عنى دون أسباب أو مقدمات...
• هى مين.؟
- لم نتشاجر، ولم أفعل ما يغضبها
• هى مين ياعم؟!!
- كنا فى آخر لقاء على أحسن وئام
• مين هى ديا؟ انطق
- لا أجد سببا لرحيلها بهذه القسوة، حبيبتى
• بس أنت لم تحدثنى عنها إلا قليلا...
- كانت تريد  أن يكون حبنا سرا
أطيل النظر لصديقى، أشفق عليه،  أتنهد تنهيدة عميقة وأقول له:
• اسمها إيه؟ وأبوها مين؟ ومن أى منطقة أو بلد؟
يعلق نظره على، ويفتح ثغره،  وكأنه يفتش فى عقله عن اسمها واسم أبيها وبلدتها، ولم أنتظر رده، فأسأله:
• كيف عرفت أنها رحلت، وأين ذهبت؟
- جئت، فلم أجدها...
• جئت فين، وكيف لم تجدها؟
يتنقل بنظره فى ذهول،  ما بينى وبين غرفته،  ثم يشخص أمامه،  ليغرق فى تفكير عميق،  فأتركه لأدخل غرفتى، أستخرج الخطاب الذى كتبه لحبيبته والرسالة التى كتبتها له، وأواجهه بهما قائلا:
• هذا الخطاب، الذى أرسلته لحبيبتك،  مكتوب بخط يدك،  والرسالة التى أرسلتها لك حبيبتك،  مكتوبة أيضا بخط يدك، ولا تعرف اسمها، أو بلدها، والصورة لفتاة،  من مجلة لعرض الأزياء ، فماذا يعنى ذلك؟ وبماذا تفسره؟
ينكس رأسه ويضعها بين راحتى يديه ويردد:
- حرام عليك، حرام عليك، حرام عليك، كنت اتركنى أعيش فى جنة الوهم، فى الحلم الجميل...
• حمدا لله على سلامة العودة. •