الجمعة 23 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البنا وقطب فى مترو طوكيو

البنا وقطب فى مترو طوكيو
البنا وقطب فى مترو طوكيو


منذ أيام قليلة نفذت السلطات اليابانية حكم الإعدام فى شوكو أساهارو زعيم جماعة أوم شنريكيو الدينية، المسئولة عن هجومين بغاز السارين عامى 1994 و1995 فى مترو طوكيو, ونفذ حكم الإعدام أيضا فى كيوهيدى هاياكاوا قائد الجناح العسكرى للجماعة الذى قاد عام 1993 عملية بناء مصنع لإنتاج غاز السارين فى إحدى المناطق اليابانية، إضافة إلى الزعيم وقائد جناحه العسكرى تم إعدام خمسة من قادة التنظيم،
 وهم ساغيتى إندو، وتوموميتسو نيمى، وماسامى تسوتيا،
 وتوماس ناكاجاوا، ويوشيهيرو إينو.

القبض على مدرس اليوجا
عقب القبض على زعيم طائفة «أوم» أساهارو، مدرس اليوجا السابق، أجرت السلطات اليابانية تحقيقات مطولة معه ومع عدد من أعضاء طائفته لمحاولة فهم لماذا قام أساهارو وأتباعه بهذا العمل الجنونى الذى راح ضحيته المئات من المواطنين اليابانيين.
خلصت تحقيقات السلطات القضائية اليابانية إلى نفس ما كتبنا عنه فى  الأسبوع بأن جماعة أوم وزعيمها أساهارو مسيطر عليهم جنون المدينة الفاضلة أو اليوتوبيا.
اعتبر أتباع جماعة «أوم» أن «أساهارو» هو مرشدهم الأعلى لأجل تحقيق عالم مثالى فى اليابان لا أعرف حتى هذه اللحظة ما هى درجة المثالية التى يرغب أساهارو فى تحقيقها داخل كوكب اليابان، ففى كوكب اليابان ينتحر المسئول عندما يخطئ.
يبدو أن درجة المثالية التى أرادها أساهارو هى أن ينتحر الشعب اليابانى بأكمله عند الخطأ وليس المسئول فقط أو يتولى أساهارو بنفسه قتل اليابانيين العصاة بغاز السارين حتى تتحقق المدينة الفاضلة التى سيعيش هو وأتباعه على أرضها.. كشفت تحقيقات السلطات اليابانية مزيدًا من الجرائم والجنون ،فمعظم أتباع هذه الجماعة انضموا إليها بهدف محاربة الفساد والمادية التى سيطرت على الدولة والمجتمع اليابانى بشكل كبير ووضع زعيم الطائفة وأعضاؤها قوانين حادة وصارمة لطريقة وأسلوب الانضمام لطائفتهم.. أظهرت التحقيقات أيضا وقوع جرائم فرعية غير جريمة غاز السارين الرئيسية ارتكبها الأعضاء ضد بعضهم البعض بأوامر من أساهارو كان غرضها تنمية موارد الإنفاق على الدعوة والتبشير بأفكار المرشد الأعلى.
الجناح العسكرى لأوساهارو
قام الجناح العسكرى للجماعة بقتل سيدات منضمات للطائفة رفضن التخلى عن أملاكهن لصالح الزعيم وطائفته لأن القانون الأساسى فى «أوم» هو السمع والطاعة دون نقاش.
بنت الجماعة أيضا مخابئ ومناطق محصنة ليعيش بها أعضاؤها بعيدا عن الدولة والمجتمع اليابانى الفاسد ووصلت حصيلة اشتراكات أعضاء الطائفة وممتلكاتهم التى تبرعوا بها للمرشد الأعلى إلى مليار ونصف المليار دولار لتصبح واحدة من أغنى الجماعات الدينية على مستوى العالم.
جنون وإرهاب
دعونا نقوم بعملية تبديل بسيط فى الأسماء فبدلا من «أساهارو» نضع اسم البنا وقطب أو بديع وشكرى مصطفى وبدلا من كيوهيدى هاياكاوا قائد الجناح العسكرى لـ «أوم»  نضع عبدالرحمن السندى أو قائد كتائب حسم هل ستختلف قصة الجنون بعد هذا التبديل إنها نفس قصة الجنون مع اختلاف تفاصيل الزمان والمكان.
تكشف اللعبة البسيطة لتبديل الأسماء أكبر عملية تدليس قامت بها جماعة الإخوان..الفاشية فى منهجها والإرهابية فى فعلها، فالجماعة الفاشية صدرت منذ نشأتها خطابًا دينيًا ليس له أى علاقة بما تفعله من جنون وإرهاب.
فأفعال جماعة أوم هى نفسها أفعال جماعة الإخوان الإرهابية، فالجنون متطابق رغم اختلاف نوعية الغطاء الدينى الذى يخفى السبب الحقيقى لأفعال هذه الجماعات وهو جنون تحقيق مجتمع وهمى فى مثاليته أو المدينة الفاضلة غير قابلة الوجود.
تقدم جماعة أوم غطاء دينيًا مكوناته خلطة من مبادئ البوذية والهندوسية وتستخدم الجماعة الفاشية الخطاب الإسلامى لإخفاء جنونها وللإيقاع بالمزيد من المخدوعين للانضمام لها.
عندما نعود لقضية منظر الجنون الدموى سيد قطب فى العام 1965، وأيضا نظريته المدمرة التى صاغها فى كتابه «معالم فى الطريق» حول جاهلية المجتمع الحاضر وحتمية القضاء عليه سنجد أن قطب يتحدث بلسان أساهارو أو أساهارو يتحدث بلسان قطب لافرق بينهما فى اعتناق الجنون.. لم تصل إلى يد قطب فى العام 1965 تقنية تصنيع غاز السارين ولم يكن فى تنظيمه «تشوشيا» عالم الكيمياء الذى أشرف على تصنيع غاز السارين من الناحية العلمية.
خداع قطب
بالتأكيد لوكان قطب يمتلك التقنية أو عنده كيميائى فى حجم «تشوشيا» فما كان سيتردد لحظة واحدة فى استخدامه ضد المجتمع الجاهلى الذى يريد القضاء عليه وهو مثله مثل أساهارو الذى استخدم غاز السارين ضد مواطنين يابانيين أبرياء.. أشرف قطب فى العام 65 على خطة أخرى وكان من ضمن معاونيه فيها محمد بديع مرشد الإرهابية وقد مارس بديع تنويعة أخرى من الجنون فى اعتصام رابعة المسلح، حيث أقنع المخدوعين من أتباعه أن مدينتهم الفاضلة التى أرادها المؤسس البنا والتى يسعون إليها منذ عام 1928 قد تحققت بالفعل فى ميدان رابعة وأنهم سيبقون فيها إلى الأبد.
أراد أساهارو خنق المجتمع المادى بغاز السارين ،أما قطب فأراد إغراق المجتمع الجاهلى عن طريق تفجير السدود المائية فى مصر، إن الخنق والإغراق مجرد تفاصيل فى عقلى قطب وأساهارو، فالمهم عند عقلهما المجنون تحقيق الهدف الأسمى الذى صورته لهما ضلالتهما وهو تدمير المجتمع المادى عند أساهارو والجاهلى عند قطب.
الخطاب الاسلامى للفاشيست
تتعمد الجماعة الفاشية إخفاء جنونها بخطابها الإسلامى ولكن من يمسك بخيوط تحريك الجماعة من الخارج يبارك هذا الإخفاء والجنون ولكن لسبب آخر.
يدعم المحرك الخارجى الإخفاء والجنون الذى تمارسه الجماعة الفاشية من أجل استخدامه فى تدمير الدولة المصرية.
عندما تحلل خطاب مؤسس الجنون الأول البنا ومنظره قطب ستجد أن هناك إخفاءً آخر عن طريق استخدام المصطلح ،فالبنا وقطب يستخدمان مصطلح المجتمع وهو مصطلح فضفاض، أما الحقيقة كما يريدها السيد الذى يديرهم فى الخارج هى الدولة.
تبدأ خطة السيد فى الخارج ووكلائه الفاشيست فى الداخل بتقديم الطرح المجنون المسمى باليوتوبيا أو المدينة الفاضلة أو الخلافة نقيض الدولة التى لم تعد تحقق العدالة المثالية والتى لن تتحقق إلا فى ظل المدينة الفاضلة أو خلافتهم المزعومة.
محاضرات بول ريكو
يقدم المفكر الفرنسى بول ريكور فى كتابه  «محاضرات فى الأيديولوجيا واليوتوبيا» ترجمة فلاح رحيم «ملمح هام عن قدرة اليوتوبيا أو بالمصطلح الشرقى المدينة الفاضلة أو الخلافة وفق الجماعة الفاشية حسب ريكور»، فاليوتوبيا تشكك فى كل ماهو قائم فى الوقت الراهن أنها تنويع خيالى عن طبيعة السلطة والعائلة والدين أنها حلم يريد أن يتحقق بتدمير الواقع الراهن أو الدولة القائمة ــ
نفهم من جزئية أخرى فى طرح بول ريكور أن الأخطر فى اليوتوبيا عندما تفشل فى تحقيق وجودها على مدار التاريخ ـ هى تفشل دائماــ تتنصل من هذا الفشل لأنها تعتبر نفسها المثال الكامل والذى إن لم يتحقق فالمسئولية تقع على المنفذين وليس اليوتوبيا أو الخلافة .. عند هذه النقطة نستطيع أن نستوعب لماذا عندما تفشل اليوتوبيا أو الخلافة فى التحقق ينجح سماسرة الدين والمتاجرون باسم العدالة فى جذب المزيد من المخدوعين لأنهم فى بساطة شديدة يلقون باللوم على السابقين الذين فشلوا فى تحقيق الحلم، أما مدينتهم الدموية المسماة بالفاضلة فهى خير فكرة وعلى الوارد الجديد إلى دائرة الخداع تحقيقها.
العقل الخالص
تبقى دائما الدولة هى النقيض الدائم لهذا الجنون لأنها تمثل العقل الخالص وحتى عندما تمارس سلطتها أو تحد من الحريات فهذا يتم وفق العقد الاجتماعى المبرم بين الشعب وسلطة الدولة حسب قواعد القانون من أجل تسيير مصالح البشر الذين يعيشون تحت مظلة حماية الدولة برغبتهم.. لذلك ستظل الدولة هى مثال العقل الحامى لمصالح الأمة المتصدى لجنون المتاجرين بأوهام اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة أو الخلافة. •