السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قانون اغتيال الصحافة

قانون اغتيال الصحافة
قانون اغتيال الصحافة


إذا صدر قانون الإعلام الجديد بالنص الذى وافق عليه مجلس النواب.. سيتم إضافة مصر إلى قائمة الدول الأكثر فرضًا للرقابة، وقمعًا للإعلام وحبسًا للصحفيين لمؤسسة مراسلون بلا حدود الراصدة لأحوال الصحافة فى العالم.. والتى تُنذر وقائعها بأن جرائدنا ستتحول إلى نشرات أخبار الحكومة وإنجازات الدولة.. ومؤسساتنا الصحفية العريقة ستتحول من منارات فكر إلى علامات تجارية.. وستغدو نقابة الصحفيين نادياً ترفيهياً، ومكتب خدمات ومراقبة! وسنمحى من أرشيف النقابة سجل نضالها لحفظ حق الشعب فى صحافة تمثله، وتتبنى أحلامه، وتدافع عن قضاياه وتحارب عنه..
الصحافة الحرة هى صورة وسلاح رئيس الدولة، وهى انعكاس لعدالة وقوة نظام الحكم.. الصحافة تدعم الحاكم والمحكوم –وهذا دورها- إذا امتلكت حرية المعلومات وحرية النقد والاستفهام، وحرية التعبير عن أحوال الشعب.. بينما الصحافة التابعة هى صحافة الصيد بالتفجير.. تصطاد أسماكًا مقتولة تُمرض جسد الوطن.. ُطعم صنارتها التراشق والتربص والتشكيك والتزييف والنفاق، وهو إنهاك يهوى بالجميع!.
قانون الإعلام الجديد جار تسويته على نار الغضب.. غضب الحكومة ومجلس الشعب من النقد، يطالبون بحصانة من لسان وعيون الصحافة!! يريدونها صحافة مهذبة تهدئ الشعب وتغطيه بخريطة المشروعات الناعمة، وتغنى له لتخدير آلام الغلاء والفساد وغياب القانون، وتحكى له حدوتة قبل النوم ليحلم أنه لم يعد نملة يسحقها الأسياد بطرف أصبعهم لو اقتربت تجمع الفتات لطعامها.. ولكنه أسد جبار، خلف أسوار مؤقتا لحين ترويضه!! توقعت مجلس أعلى يحصن الصحافة بحق المعلومات، ويدعم الجسارة لا أن يزرع الخوف.
قانون الصحافة أثار مخاوفى من دخولنا قائمة العشر دول الأكثر فرضًا للرقابة، وقمعًا للإعلام، وحبسًا للصحفيين.. 89 مادة لم يساند جموع الصحفيين منها الا البند 21 من المادة الرابعة، وهو وضع نظام لرعاية صحية واجتماعية وثقافية ورياضية للعاملين.. رأيته شبيها ببرنامج كرامة وتكافل المستحق لكل صحفى يأنف من التسول ويعجز عن النفاق وتقليب الرزق.
أما المادتان «4 و5» فرأيتهما مخالب وأنياباً.. حيث تنص على رصد أداء المؤسسات الصحفية، ووضع تقارير دورية، ومراقبة اللوائح الداخلية والموارد المالية ونسبة الإعلان.. والتعاون مع المنظمات والجهات «الوطنية» المعنية بأهداف واختصاصات المجلس الأعلى للصحافة، فما هى حدودها، وضمانات عدم تغولها والوصول بالصحافة إلى مصير عمر أفندى.. أو بيع المؤسسات الخاسرة -كلها- لمن يملك المال أيا كانت جنسيته وفق قوانين الاستثمار لإنعاش الاقتصاد.
وأما تشكيل المجلس الأعلى للإعلام، فلماذا ارتضت به النقابة!! لماذا يضم اثنين صحفيين وإعلاميين فقط من 13 عضوًا !! ولماذا يضم عضوًا من مجلس النواب، وموظفين بجهاز الاتصالات وجهاز حماية المنافسة وأساتذة الصحافة الأكاديميين مع احترامنا للكل!! هو مجلس يضم الجلاد والسلاح والتشريع وممثلًا ضعيفًا للمتهم، «الصحافة»!! بيت الصحافة لا يديرها بنجاح إلا الفرسان الموهوبون الأحرار.
وأقف أمام بعض المواد.. مثل المادة 19 الخاصة بموارد المجلس والتى تؤكد أنها من موازنة الدولة، ومن حصيلة رسوم التراخيص والتصاريح، ومن مقابل أعمال واستشارات وبحوث وخدمات لمن يطلبها فى الداخل والخارج «مثل الجامعات والصناديق الخاصة!!»، ألا يكفى هذا لدفع مرتبات ومخصصات المجلس والهيئة!! وإلا فلماذا ينص البند الرابع على قبول المنح والهبات والتبرعات والوصايا، ويقبلها بموافقة ثلثى أعضائه!!، وكيف يحتفظ بالحيادية مع كل هذا العطاء!!، ولماذا ينص البند الخامس على قبول «قروض»!!، هل يسعى المجلس الأعلى لتحويل الإعلام إلى جهة استثمارية هادفة للربح!!، هنا يحق لنا توضيح واجب من النقابة.. أما المادة 26 الخاصة بتحريك الدعوى الجنائية من تلقاء نفسها أو بناء على شكوى ودون إشراك النقابة وجمعيتها العمومية، فهذا قد يأخذنا إلى مصادمات نحن فى غنى عنها، والمادة 22 تمنح المجلس حق الضبطية القضائية، وتحصن قراراته وتلزم بها للجميع، مادة 24 تمنح المجلس وحده حق الطعن على قراراته أو وقف تنفيذها بنفسه أو بحكم محكمة، ونحن نعلم طول وعذاب إجراءات التقاضى، فأين صوت النقابة!!، ونأتى للمادة 30 التى تنص على إقرار برامج تعاون وشراكة بين المؤسسات الصحفية!!، ووضع اللوائح الداخلية والأجور، واعتماد أسعار الإعلانات.. والأخطر هو اقتراح حملات إعلامية وتوزيع مهامها على المؤسسات!!، أليس ذلك تدخلًا يقضى على المنافسة والتميز والانفراد، ألا يحول الجرائد إلى نشرات قومية يقطنها موظفون ضامنين المرتب!!.
قانون الإعلام الجديد نال الرضا الفوري من مجلس النواب، وبسببه هاجمت أغلب الصحفيين كوابيس أسوأ من كوابيس زوال الصحافة المطبوعة، والكتاب المطبوع.. زوال لحظات عشق أجيال لجلسة الجريدة والكتاب، وتنسم الصدق والحكمة مع خدر حبر المطبعة، وفرحة مساندة الحق والضعيف وبث الأمل.
 أصابنى كمد أثقل من الخوف.. لأن مواد وبنود القانون مقتبسة من كتالوج القهر والتعتيم، رغم تأكيد من اقتبسوه وفصصوه من نواب الشعب، بأنه لن يطبق إلا فى فترات الحروب والتعبئة فقط!! يعنى فورا!!، فأين النقيب وكيف اكتفى مجلس النقابة ببيان داخلى موجه للجمعية العمومية وموقع من الأربع أعضاء المصنفين مشاغبين فقط.. كأنه تستيف لأوراق البراءة!!،
محاولات الوقيعة بين الشعب والصحافة منذ عام وصلت إلى ذروتها وفشلت.. فظهر مشروع قانون هو فى رأى الغالبية منا لاغتيال الصحافة.. ودليل وشبح خوفى هو التاريخ الحديث.. وتحديدًا نموذج كتالوج التكميم بالقانون الذى تتبعه العشر دول الأكثر فرضًا للرقابة وقمعًا للإعلام وحبسًا للصحفيين.. كلها يحكمها الحزب الواحد، وهو الشيوعي، وهى بالترتيب، إريتريا، كوريا الشمالية، إثيوبيا، السعودية، أذربيجان، فيتنام، إيران، كوبا، الصين وبورما.. تكاد أساليب القمع تتطابق، بدءًا من تلفيق التهم والتنكيل إلى العقوبات.. على رأس القائمة، دولة إريتريا، وهى البوابة الجنوبية لمضيق باب المندب، 4 ملايين نسمة، 6% منهم فقط يمتلكون خط تليفون محمول، وهو الرقم الأقل عالميا!! وبعد ثورات الربيع العربى فى 2011 ارتجفت الدولة من ثورة شعبية فتراجعت عن وعود فتح خطوط إنترنت على الجوال.. إريتريا عانت من حروب مسلحة وحروب تدمير وحرق مزارع ومواشى، واستعمار رومانى وطليانى وعثمانى وإثيوبى، بسبب ثرواتها الطبيعية وموقعها كحلقة وصل بين الثلاث قارات الكبرى «آسيا وأفريقيا وأوروبا»، وأيضا لأهمية جـزرها «الـ126» كنقاط ارتكاز وتحكم للقوى العسكرية فى صراع المنطقة.. حتى هبت أمريكا للحفاظ على مصالحها منها، فخططت لاستقلالها عن أثيوبيا باستفتاء شعبى فى 93 ونجحت كالعادة!! بمنح أثيوبيا قطعة دسمة «جزيرتين! !» من كعكة إريتريا!! وتم تعيين الناشط السياسى أسياس أفورقي- أصبح 72 عاما الآن- رئيسًا للدولة وللحكومة التى مازالت مؤقته منذ ربع قرن لعدم وجود برلمان! ولا نقابات! ولا معارضة!، ثلاثى الرعب لأى حاكم تابع، كأنها دولة كرتونية بديزنى لاند، وتم إغلاق الجامعة الوحيدة بها «أسمرة» منذ 18 عامًا نتيجة صدامات بين الطلبة والجيش لأسباب منها محاولة انتزاع حقهم النقابى. وأحكم الجيش قبضته على الشركات المملوكة للحزب الوحيد، خدمة لخطة التنمية، وحاول احتلال مبنى وزارة الإعلام -المقموع أساسًا- بانقلاب عسكرى فاشل فى 2013، ونأتى للموارد وأعمدة الاقتصاد، نجد إريتريا تعتمد على ضرائب المغتربين الهاربين من البؤس، لأن ثروتها المعدنية تتولى أمريكا التنقيب عنها يعنى تهليبها! أما ثروتها الحيوانية فيديرها الإيطاليون، أحد مستعمريها زمان، ويلجأ صحفيو إريتريا إلى نفى أنفسهم إراديا هربا من رعب الاعتقال الذى يمتد سنوات مفتوحة دون محاكمة أو توجيه اتهام!!،
ثانى قائمة العار هى كوريا الشمالية الأكثر فقرا وتخلفا وديونا لروسيا –والتى زارها ترامب مؤخرا-.. يسيطر الحزب الشيوعى الحاكم على شبكة الإنترنت المحلية لمراقبة والتجسس على المدارس ومؤسسات الدولة!! ولا يسمح بحق امتلاك هاتف جوال ودخول شبكة الإنترنت الدولية إلا لأصحاب النفوذ فقط، كما يتحكم فى الأخبار المذاعة للشعب ويغير شريط الأخبار على الهواء، ويشطب أسماء وتاريخ المعارضين من الأرشيف، وهاهما الكوريتان تحاولان مد جسور الحياة.
فى فيتنام تم حجب أى إعلام غير الرسمى للحزب، وصدر قانون جنائى لتجريم التشهير على مواقع التواصل وحجبها وتجميد أموالها.. وتعقد شعبة الدعاية المركزية اجتماعًا دوريًا إجباريًا بالمحررين لتسليمهم التوجيهات.. أما «بورما» فانفردت من حوالى مئة عام بقانون خاص يمنع انتقاد القوات المسلحة، ويحظر نشر «الأسرار» الرسمية للدولة، وتفوقت «الصين» بسور عظيم حاجب للمعلومات عن الشعب، ولها حق حجب ومحاكمة أى مواقع الكترونية تنتقد الحكومة.. لكن «إيران» تفوقت على الجميع بإنشاء نسخ «يشتبه» أنها مزورة، لمواقع ومحركات بحث معروفة، لبث ما تريد الحكومة نشره من معلومات.
قانون إعلامنا الجديد يهدد بغرامة لا تقل عن مئة ألف ولا تزيد على نصف مليون جنيه لمن يخالف أحكام المواد 21 و51 و76 الخاص بسرية المعلومات وعلى المتضرر اللجوء للقضاء!، إنه يهدد بالحبس بدلا من مناهضة الحبس.. ويلوح بحجب الحرية بالتدخل بفرض نوعية الحملات الإعلامية على الصحف.. وعقد اجتماعات نصف شهرية بمحرريها يوحى بما لا نحب.. وعلى شيوخ الصحافة استدعاء واجبهم وتاريخهم المهنى والوطنى، والزود عن كرامة الصحفى وأمانه، وإنقاذ الصحافة من قانون الاغتيال، لأن التاريخ لن يرحم ولن يغفر. •